} بات واضحاً أن الحركة الديبلوماسية والعسكرية التي تتركز على أفغانستان تستهدف إطاحة حكم حركة "طالبان" في كابول. وفيما تتجه الأنظار إلى الملك السابق محمد ظاهر شاه، كبديل محتمل، وإعلان لندن صراحة رغبتها في إقامة "نظام ديموقراطي في أفغانستان"، سحبت باكستان جميع ديبلوماسييها من كابول، مما يزيد من العزلة الاقليمية والدولية ل"طالبان". وبدأت القبضة الحديد التي فرضتها الحركة على الأفغان، منذ توليها السلطة في 1996 مع التقدم العسكري التي تحرزه المعارضة الشمالية التي تقترب من مدينة مزار الشريف وتسجل اختراقات واسعة جنوباً، بحيث يعتقد بأن المنطقة الواسعة التي تسيطر عليها المعارضة قد تكون الساحة الأساسية لعمليات برية واسعة قد تقوم بها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في أفغانستان. إسلام آباد، بيشاور، لندن، دوشنابه - رويترز، أ ف ب - أعلن ناطق باسم الخارجية الباكستانية، في مؤتمر صحافي أمس في إسلام آباد، أن باكستان سحبت جميع ديبلوماسييها من كابول. وقال رياض محمد خان: "إنهم غادروا بصورة موقتة. وقلقنا الرئيسي كان ضمان أمنهم. لم يعد يوجد أحد هناك". موضحاً أن عملية سحب الديبلوماسيين تمت على مراحل. وكانت دولة الإمارات العربية قطعت السبت علاقاتها الديبلوماسية مع "طالبان"، فيما توقع المراقبون أن تخطو السعودية خطوة مماثلة قريباً، علماً أن الرياض كانت خفضت التمثيل المتبادل إلى أدنى مستوى. وبذلك تحكم العزلة السياسية على الحركة الحاكمة في أفغانستان، في الوقت الذي تعد الولاياتالمتحدة وحلفاؤها لضرب "طالبان"، لايوائها أسامة بن لادن المشتبه به الرئيسي في اعتداءات 11 أيلول سبتمبر الجاري، وللاشتباه بأنها حولت الأراضي الأفغانية إلى ملاذ آمن ل"الإرهابيين". وفي ما يمكن اعتباره أول إشارة صريحة إلى استهداف نظام "طالبان"، أعلن الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، خلال مؤتمر صحافي أمس "رغبنا دائماً في أن يقوم نظام ديموقراطي في أفغانستان". وأضاف ان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو "أعلن الجمعة أن العملية العسكرية التي يعد لتنفيذها في أفغانستان قد تؤدي إلى إطاحة حكومة طالبان"، مشيراً إلى أن القرار الدولي الرقم 1368 يؤكد بوضوح أن على طالبان تسليم أسامة بن لادن". وزاد: "على حركة طالبان أن تتحمل مسؤولياتها"، كما "أن المسؤولية ستقع أيضاً على عاتق كل الذين يؤون ارهابيين". ورداً على سؤال، قال الناطق إنه "في الوقت الراهن يتركز الاهتمام على أفغانستان... ومن الواضح أن الشعب الأفغاني يتعرض لاضطهاد كبير في ظل هذا النظام". وتتجه الأنظار، في محاولة البحث عن بديل من حكم "طالبان"، إلى الملك السابق محمد ظاهر شاه الذي يعيش منفياً في روما منذ اطاحته في 1973. والتقى أمس الملك السابق في العاصمة الايطالية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة فرانشيسكو فاندريل، ويعتقد بأن المحادثات تناولت الوضع الأفغاني، في ضوء دعوة ظاهر شاه، قبل أيام، إلى اجتماع وجهاء القبائل الأفغانية ورجال الدين لتشكيل حكومة انتقالية. وأعلن ممثل الحكومة الأفغانية في المنفى في دوشانبه أن الرئيس الأفغاني المخلوع برهان الدين رباني ارسل وفداً إلى ايطاليا لاجراء مفاوضات مع الملك السابق. وأوضح محج الدين مهدي، مساعد سفير أفغانستان في طاجيكستان، أن "الهدف من لقاء الوفد مع الملك السابق هو البحث في إمكان تشكيل حكومة موقتة في أفغانستان". إلى ذلك، تواجه "طالبان" ضغطاً عسكرياً متزايداً من ائتلاف المعارضة الشمالية. وأكد الناطق باسم الحركة عبدالحي مطمئن أمس، في تصريح نقلته "وكالة الأنباء الإسلامية" أن قوات المعارضة استولت على بلدة زاري القريبة من مدينة مزار الشريف الاستراتيجية. وقالت قوات التحالف الشمالي وقوات الجنرال رشيد دستم إنها تقدمت في اتجاه مزار الشريف، وتأمل في الاستيلاء عليها خلال أيام. وأضافت الوكالة، ومقرها باكستان، ان قوات المعارضة الأفغانية شنت هجمات جديدة في ثلاثة أقاليم شمالية واستولت على منطقة واحدة على الأقل من حركة "طالبان". وأوضح مطمئن أن زاري باتت بين أيدي قوات المعارضة، بعد معارك ضارية، وأن القسم الأكبر من القطاع المجاور للبلدة لا يزال تحت سيطرة "طالبان"، نافياً سقوط منطقة كيشاندا المجاورة بحسب ما أكدت المعارضة أول من أمس. في ظل هذه الأجواء، لاحظ مراقبون أن قبضة "طالبان" على أفغانستان بدأت تخف مع اقتراب احتمال توجيه ضربة عسكرية للبلاد. واثبطت سياسات "طالبان" الصارمة والعزلة التي قادت البلاد إليها العديد من الأفغان الذين رحبوا بها سابقاً على أساس أنها ستبدأ في إحلال السلام منذ أن تولت السلطة. وقال الصحافي الباكستاني رحيم الله يوسف ضي الذي قابل زعيم "طالبان" ملا محمد عمر: "يبتعد الناس عن طالبان لأنهم يدركون أن البلاد لن تحظى بأي تأييد دولي ما دامت في السلطة. لقد نفروا كثيراً من الناس بسبب سياساتهم... كانوا يتمتعون بمساندة كبيرة في البداية، إلا أنهم بدأوا يفقدونها". وملّ كثير من الأفغان من الحرب المستمرة مع المعارضة الشمالية ومن تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد. وقال أحد عمال الاغاثة التابعين للأمم المتحدة الذين غادروا أفغانستان بعد الاعتداءات في نيويورك وواشنطن: "هناك يأس كبير" بين السكان. وأضاف: "لم يشهدوا الأوضاع تتحسن بأي شكل، وفقدوا الأمل وملوا الشعور بالقلق خشية انتهاك بعض القوانين المتزمتة" التي سنتها "طالبان". وأججت المواجهة مع الولاياتالمتحدة المخاوف بين الأفغان من تعرضهم لهجوم. وفر عشرات الآلاف من المدن إلى الريف أو إلى باكستان التي اغلقت حدودها في وجههم. واعلن ممثل للمعارضة الافغانية في دوشانبي ان 80 مقاتلا من "طالبان" قتلوا وان نحو 200 اسروا في اقليم بلخ في الساعات ال24 الماضية. ورمت هذه العملية التي تمت بقيادة عبد الرشيد دوستم، وهو احد القادة العسكريين في تحالف الشمال الاوزبكي الاصل الى استعادة السيطرة على مزار الشريف شمال عاصمة الاقليم.