هل إن ما يشهده قطاع المعلوماتية في مصر راهناً، هو "النسخة المصرية" من أزمة شركات الإنترنت في العالم، والتي يعبّر الإعلام عنها بمصطلحات مثل "انفجار فقاعة الإنترنت" و"ظاهرة إفلاس شركات دوت.كوم" وغيرها من المصطلحات التي صارت مألوفة منذ دخل سوق "نازداك" في أزمته الطاحنة؟ أم إنها تطور خاص في هذا القطاع في بلد من بلدان العالم الثالث، حيث ترغم حقائق الحياة المعلوماتية على ترك ثوب الأحلام الوردية والدخول إلى عالم الوقائع الصلبة والصعبة في الوقت نفسه؟ والمعلوم أن مصر قطعت شوطاً كبيراً في مجال الانترنت على جميع الأصعدة، بدءاً من إرساء البنية التحتية، ومروراً بالتقنية، وانتشار الشركات، وتدريب الكوادر الكفية وغيرها. وعلى رغم ضآلة حجم مستخدمي الشبكة الدولية للكومبيوتر، إذ لا تتجاوز نسبتهم واحداً في المئة من السكان، إلا أن الانترنت نجحت في أن تجد لنفسها مكانة متميزة في المجتمع. وتمضي مصر قدماً في هذا الاتجاه، والخطوة المقبلة هي "مجانية الانترنت"، FREE INTERNET MODEL ، وهي خطوة من شأنها أن تصنع نموذجاً، ربما وجدته الكثر من الدول العربية ملائماً لها. وأضحت الاندماجات في مجال شركات الانترنت في مصر جزءاً من يومياتها، على رغم ما تشيعه هذه الأمور من مخاوف. وتشعر شركات خدمات الانترنت الصغيرة، التي يبلغ عددها نحو 55 شركة مصرية، أنها ستصبح أشد عجزاً عن مسايرة "الكيانات الكبيرة" التي تولد يومياً من رحم هذه الاندماجات. ومن جهة اخرى، يبدي المستثمرون الاجانب اهتماماً كبيراً بسوق الانترنت وتكنولوجيا المعلومات، في مصر، الذي يصنف عالمياً في المرتبة الثانية من حيث سرعة النمو، بعد الصين. وتدل المؤشرات كافة الى أن الاستشاريين الماليين والاستثمار المصرفي سيلعبون دوراً رئيساً في تيسير دخول المستثمرين الاجانب سوق تقنية المعلومات المصرية. والتقت "الحياة" مصطفى عبدالودود، العضو المنتدب في شركة "سيغما كابيتال"، وهي من أبرز المؤسسات المالية في مصر وتضطلع بشأن مهم في تنسيق الاندماجات المستمرة في سوق المعلوماتية. على أي اساس تتوقعون زيادة عدد مستخدمي الانترنت في مصر؟ - القاعدة ضعيفة جداً في المنطقة برمتها، وعدد المستخدمين راهناً هو مليون ونصف المليون، ومن المتوقع أن يصل الى 12 مليون مستخدم مع حلول العام 2004. وفي مصر، لا يتجاوز عدد المشتركين المئة الف، فيما عدد المستخدمين، وهو الأكثر أهمية، يتراوح بين 600 الف مستخدم و800. وما سبب الاهتمام في المستخدم أكثر من المشترك؟ - يعتبر المستخدم مقياساً لدرجة "أمية الكومبيوتر"، وزيادة قاعدة المستخدمين تفتح الباب أمام بيع خدمات مضافة مثل التجارة الالكترونية. فما يهمنا هو معرفة الشخص لكيفية استخدام الانترنت، وإمكان دخول الشبكة، سواء من مكتبه، أو من مقهى انترنت، أو غير ذلك. وما هي أبرز العوامل التي تساعد على نمو سوق مستخدمي ومشتركي الانترنت؟ - تعتبر اسعار اجهزة الكومبيوتر الشخصية PCS من أهم العوامل، والملاحظ أنها تميل إلى الهبوط. ويتيح لنا التعريب الوصول الى قاعدة اكبر من المستخدمين، فمعظم المواقع حالياً على شبكة الانترنت بالانكليزية، كما أن معظم محتواها موجه الى الجمهور الغربي، ولا يغري المستخدم العربي كثيراً. وهناك عامل ثالث خاص بمصر، فالفترة الماضية شهدت اهتماماً بالغاً من الحكومة بمجال الانترنت، ما شجع الكثر على التوظيف فيه. وقدمت الحكومة كذلك خدمة الانترنت مجاناً إلى الشركات، بمعنى أن المستخدم لا يتكلف سوى قيمة المكالمة الهاتفية وهكذا يصبح في مقدور كل من لديه جهاز كومبيوتر شخصي وخط هاتف أن يتصفح الانترنت. والمعلوم أن مصر تضم نحو نصف مليون جهاز كومبيوتر شخصي PC راهناً، ويزيد هذا العدد في نسبة 35 في المئة سنوياً، ثم إن الجهاز لا يستخدمه شخص واحد فقط. وكيف تؤثر مجانية الانترنت في قاعدة المستخدمين والمشتركين؟ - من شأن مجانية الانترنت أن تزيد حجم التشغيل Traffic في الاتصالات، كما أن كلفة الاشتراك في خدمات الشبكة الدولية للكومبيوتر كانت ابرز العراقيل أمام توسيع قاعدة المشتركين في الانترنت. لكن في مصر، تكاد نسبة امية الألفباء أن تصل الى 50 في المئة، فهل الحديث عن توسيع قاعدة مستخدمي او مشتركي الانترنت بمثابة التطلع من برج عاجي؟ - من السهل حساب نسبة من يتمتعون بالقدرة على استخدام الانترنت، وهي لا تزيد على واحد في المئة، في حين تصل الى 70 أو 80 في المئة في الدول المتقدمة، وعلينا أن ننظر الى قضية الامية برمتها، سواء الألفباءأو الكومبيوتر. في مصر نحو 65 شركة تقدم خدمات الانترنت، تسيطر ثماني شركات منها على 60 في المئة من السوق؟ - الوصول الى المرحلة الحالية في السوق المصرية سببه سهولة تأسيس شركات تقديم خدمات الانترنت ISPS، إذ كان الاستثمار في البنية الاساسية من أجهزة وخلافه خفيض الكلفة. واليوم، في ظل التوقعات الخاصة بزيادة قاعدة المستخدمين، اضحى الاستثمار في البنية الأساسية مختلفاً تماماً. ومن ثم فإن مسايرة التطورات في حاجة إلى كيانات كبيرة لا تقوى عليها الشركات الصغيرة، وبالتالي تبدأ الاندماجات بين الشركات. وإذا نظرنا الى الولاياتالمتحدة الاميركية مثلاً، نجد أن عدد الشركات المعروفة التي تقدم خدمات الانترنت، لا يتجاوز اربع شركات تسيطر على غالبية السوق، أما بقية الشركات فصغيرة وتقدم خدمات بالغة التخصص، وتسير مصر في الاتجاه نفسه. وما سبب الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية لشركات الانترنت؟ - لم تعد الانترنت مجرد كلمات مكتوبة فقط، ولكنها دخلت مجالي المسموع والمرئي وغيرهما من خدمات الانترنت المتطورة، وتحتاج هذه الخدمات الى امكانات تقنية متقدمة. هل تعطينا امثلة من اندماجات السوق المصرية في المعلوماتية؟ - حدث الاندماج الاكبر بين شركتي Intouch وLink، واندمجت شركتا "ايجيبت" و"انترنت ايجيبت"،وكذلك فعلت شركتا "مينانت" و"افريكا أون لاين". وما ابرز مشكلات الاندماجات؟ - على المستوى المحلي غالباً يفقد البعض وظيفته، ومعظم المشكلات التي تنشأ من عدم القدرة على التأقلم، وتفقد زيادة حجم الشركة مرونتها وسرعتها في اتخاذ القرار. وما دور "سيغما" في تنفيذ مثل تلك الاندماجات؟ - باعتبارنا جهة استشارية للاستثمارات المصرفية، يمكننا تحديد الخيارات الاستراتيجية المتاحة له والبحث عن حلفاء، والتمهيد الداخلي في الشركة التي ستخضع للاندماج، اضافة الى تنفيذ العملية في البورصة. ما مواصفات الشركات التي تجذب شركاء اجانب لشراء حصص فيها أو الاندماج معها؟ - وجود ادارة قوية، وإمكان تطوير خدمات الانترنت التي تقدمها الشركة،وكذلك القدرة على تقديم خدمات سريعة من طريق القمر الاصطناعي. وما موقف الشركات الصغيرة؟ - بدأت تلك الشركات بالفعل تشعر بالخوف على مستقبلها وتنتاب معظمها حالة من الارتباك وعدم الاستقرار.