في مشهد ختام العام الاول في القرن 21، يمكن التقاط خيط رفيع من التفاؤل في شأن المعلوماتية العربية. ويبدأ الخيط الحذر، من أعلان اثنتين من كبريات الشركات العملاقة في المعلوماتية في العالم، وفي وقت متقارب، عن تغييرات في بنية اداراتهما في المنطقة. واتفقت شركتا "انتل" و"مايكروسوفت" على الاشارة الى ان سبب هذه التغييرات هو النمو الملحوظ في سوق الكومبيوتر في المنطقة العربية، وخصوصاً التَوَسّع المطرد في انتشار الانترنت. والمعلوم ان "انتل" هي عملاق انتاج رقاقات الكومبيوتر، وتمثل "مايكروسوفت" عملاقاً عالمياً في انظمة انتاج المعلوماتية وبرامجها. ويعني تقاطعهما في قراءة السوق، وجود نمو حقيقي وملموس وعميق في الدول العربية. فاذا، اضفنا الى هذه الصورة، اعلان مصر من قرب انتقالها الى نموذج الانترنت المجانية، وجد خيط التفاؤل بعض ما يبرره. هل يكفي النمو المتسارع والحديث عن ارقام انتشار الانترنت ونمو خدماتها، مبرراً للقول بتطور المعلوماتية في الدول العربية؟ وهل يكفي الاقتصاد كمؤشر على التقدم في التقاط التطور العلمي في العالم، وكدليل على اللحاق بالركب المتسارع لتقدم التكنولوجيا، خصوصاً في مجال الثورة الرقمية التي ما برح زلزالها متفاعلاً في الارض؟ الارجح ان العثور على جواب مُرْضٍ ليس امراً سهلاً، وجلّ ما يمكن فعله هو دخول مغامرة تلمس بعض جوانب من الاجابات الكثيرة الممكنة. الهوة الرقمية العربية يستخدم تعبير "الهوة الرقمية" DIGITAL DIVIDE، في الاشارة الى اشياء متعددة ابرزها التفاوت في تطور علوم المعلوماتية وتقنياتها كافة بين الدول المتقدمة والدول النامية. وكذلك درجة دخول هذا المنحى العلمي الى نسيج الحياة اليومية كله، وشمول الثورة الرقمية المجالات الحيوية جميعها. وهناك تداخل قوي بين قطاع الاتصالات، وخصوصاً الهاتفية، والتكنولوجيا الرقمية. وفي ابسط وصف، فان الدخول الى شبكة الانترنت، يقتضي توافر الهاتف، سواء كان عادياً وهو الارخص والاكثر انتشاراً او خلوياً. ولذا، تقاس الهوة الرقمية عبر مؤشرات مثل عدد أجهزة الكومبيوتر، ومستخدمي الانترنت، وكلفة الدخول الى الشبكة الدولية للكومبيوتر ومدى انتشار خدمات الانترنت والانظمة المتصلة باستعمالها والرقابة عليها والهواتف العادية والنقالة وغيرها. وغني عن القول، ان هذه المؤشرات العددية لا تكفي في حد ذاتها لوصف كل ابعاد الهوة الرقمية. ومن دون الدخول في متاهات الهوة الرقمية ومعطياتها، فالارجح أن الدول العربية ما زالت رهن هذه الهوة الرقمية، اسوة بغالبية الدول النامية، مع وجود تفاوتات قوية بين الدول العربية نفسها. وعلى سبيل المثال، تمثل مواد اللغة العربية نحو 6 في الألف من مجمل محتوى الانترنت! وعلى سبيل المقارنة، فاللغة الانكليزية تملك 5،47 في المائة، والكورية 4،4، والبرتغالية 5،2. ويقدر"تقرير التنمية البشرية في العام2001" الصادر عن الاممالمتحدة، عدد مستخدمي الانترنت العرب بحوالي 5،1 مليون، اي بمعدل انتشار مقداره 7،. في الالف، أي ما يمثل واحداً على ثلاثين من المعدل العالمي. ويبلغ عدد مشتركي الهاتف الثابت 20 مليون شخص من اصل 280 مليون عربي، اي ما يقارب 7 في المئة، اي نصف المعدل العالمي تقريباً. وتبلغ النسبة نفسها في الهاتف الخلوي 17 في الألف، وهو ما يمثل اقل من خُمْس المعدل العالمي. وليس غريباً، في ظل هذه المعطيات، ان يصل نصيب العرب من التجارة الالكترونية في العالم الى6.،. في المئة فقط. المعلوماتية العربية هامشية! واظهرت سلسلة تحقيقات اجرتها جريدة "الحياة" خلال العام الحالي، ان شراء الأسرة العربية للكومبيوتر يعتمد على عوامل اساسية مثل الدخل، وتوافر الخبرة التقنية مثل وجود شخص اواكثر في البيت يعمل على الجهاز، ودرجة احتياج عملية التعليم الاولاد في اكثر الاحيان الى الكومبيوتر في مراحلها كافة، ودرجة ممارسة احدالمنتجين في الاسرة عملاً يقتضي التعاطي مع المعلوماتية والشبكات وغيرها. وتتمتع الدول العربية بمعدل معقول من متوسط الدخل السنوي للفرد 4550 دولاراً، لكن التفاوت القوي في توزيع الثروة بين الدول العربية المختلفة، وكذلك داخل كل دولة، يطرح سؤالاً عن علاقة هذا الدخل بانتشار تقنية الكومبيوتر والشبكات. فلكي يخدم دخل الفرد انتشار تكنولوجيا الكومبيوتر، يفترض في هذا الدخل ان يستطيع خدمة هذا الانتشار. لكن الدخل العربي خاضع لسوء توزيع عميق. فإذا أضيف الى ذلك، انتشار امية الكومبيوتر، تتبيَّن بعض جوانب تخبط العرب في الهوة الرقمية. ومع اخذ كل التفاوتات السابقة في الاعتبار، يعطي تقرير التنمية المذكور الأرقام التالية عن نسبة انفاق الدول العربية من مجمل دخلها الوطني على التعليم: الاردن 9،7 في المئة، تونس 7،7، المملكة العربية السعودية 5،7، اليمن 7، الجزائر 1،5، الكويت 5، المغرب 5، مصر 8،4، عمان 5،4، سوريا 2،4، قطر 4،3، لبنان 5،2، السودان 4،1، والإمارات 7،1. وفي قائمة التفاوتات ان الدول الاكثر دخلاً قليلة السكان، وان نوعية التعليم، وخصوصاً تملك اللغات الاجنبية، تتفاوت بشدة بين الاقطار العربية...الخ. ويتحدث التقرير عينه عن تراجع صادرات التكنولوجيا العالية الى درجة تقارب الصفر في معظم البلدان العربية، والمعدل العربي العام هو واحد في المئة من مجمل صادرات تلك البلدان. وتظهر بعض الاستثناءات في مصر التي تمثل منتجات التقنية العالية 4 في المائة من مجمل صادراتها والجزائر 5 في المئة وعمان 13 في المئة. وكخلاصة عامة، فان هذه الارقام لا تبعث على التفاؤل. وهناك ثنيات اخرى في هذا الموضوع ابرزها مشكلة المحتوى العربي على الانترنت، لكن هذا الامر يحتاج الى نقاش مستقل وواسع. [email protected]