} أبدى المغرب استغاربه لاثارة قضية الصحراء الغربية في تقرير الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى في اجتماع مجلس الجامعة أول من أمس في القاهرة. وطرح وزير الخارجية المغربي السيد محمد بن عيسى ان التقرير "استخدم لغة تتنافى وميثاق الجامعة العربية وقرارات المؤتمرات الوزارية العربية"، لافتاً الى أن الجامعة لم تتعاط نزاع الصحراء في أي فترة. لم يكن احتجاج وزير الخارجية المغربي السيد محمد بن عيسى على ادراج قضية الصحراء الغربية في تقرير الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى في اجتماع القاهرة منفصلاً عن تحفظات سجلها الوفد المغربي الى قمة عمان العربية الأخيرة لدى طرح فكرة احياء الحوار العربي - الافريقي المعلق منذ منتصف الثمانينات، إثر اعتراف منظمة الوحدة الافريقية ب"الجمهورية الصحراوية" في قمة اديس أبابا العام 1984. وتتبنى الرباط صيغة الحوار الثنائي أو المتعدد الأطراف، لكن في غير اطار منظمة الوحدة الافريقية التي استبدلت بالاتحاد الافريقي أخيراً. في حين ان الجزائر المساند الرئيسي لجبهة "بوليساريو" تدعو الى حوار مؤسساتي بين الجامعة العربية والاتحاد الافريقي، وان كانت محاولات سابقة لاستضافة لقاء على هذا المستوى في الجزائر، بعد قمة عمان، آلت الى الفشل في ضوء تحفظات عواصم عربية. لكن أكثر ما تخشاه الرباط التي قبلت وساطات عربية عدة ان يتحول تعاطي الجامعة العربية مع قضية الصحراء الى جبهة جديدة في المواجهات الديبلوماسية مع الجزائر، علماً أن بعض الدول العربية الذي كان يشكل محور "جبهة الصمود والتصدي" قبل انهيارها أبدى ميولاً لدعم "بوليساريو" في مواجهة الرباط، عندما كان ينظر الى دورها في الانفتاح على اسرائيل والتمهيد لحوار عربي - اسرائيلي بنوع من الارتياب. لكن الجامعة العربية لم تتدخل في أي فترة في نزاع الصحراء. وبرر الملك الراحل الحسن الثاني عدم لجوئه الى الجامعة لحسم الخلاف بأنه لم يرغب أبداً في اضافة اعباء جديدة الى الجامعة قد تعمق الخلافات أكثر بين دولها. لكن الرباط واجهت في شدة محاولات "بوليساريو" لاختراق المجال العربي. وكاد الأمر يتسبب في أزمة ديبلوماسية بين المغرب والكويت عندما سمحت الأخيرة لوفد الجبهة بالمشاركة في مؤتمر العام 1986. في حين ان المحاولات التي بذلتها عواصم عربية ركزت على دعوة "بوليساريو" الى الانضمام الى المغرب. ولجأت الرباط الى ابرام اتفاق الوحدة مع ليبيا في سياق ما يعرف ب"الاتحاد العربي الافريقي" لوقف المساعدات العسكرية الليبية ل"بوليساريو"، ولم يدم الاتحاد أكثر من عامين إذ علق العمل به إثر زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي حينذاك شمعون بيريز للمغرب العام 1986. لكن الجزائر تسعى في نطاق حشد التأييد ل"بوليساريو" الى اختراق الجدار العربي، بعدما تمكنت من ادخال "الجمهورية الصحراوية" الى الاتحاد الافريقي. وزار العاهل المغربي الملك محمد السادس ليبيا، لكن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي فضل "تحالفاً مرحلياً" مع الجزائر لتأمين انعقاد مؤتمر الاتحاد الافريقي، على رغم تعهده القيام بوساطة بين المغرب والجزائر بشأن قضية الصحراء. واللافت ان التزامات دول عربية في اطار الجامعة العربية لجهة مساندة موقف المغرب لم تحل دون جلوسها على مائدة واحدة مع "بوليساريو" في اطار منظمة الوحدة الافريقية والاتحاد الافريقي، لكن من دون أن يرتدي ذلك طابع الاعتراف رسمياً ب"الجمهورية الصحراوية". وبحسب مراقبين، قد يكون تراجع الدور العربي للمغرب منذ فترة أفسح في المجال أمام ممارسة الجزائر ضغوطاً ديبلوماسية لمعاودة الحوار العربي - الافريقي الذي قد تنفذ منه جبهة "بوليساريو". لذلك فإن احتجاج الرباط على تقرير الأمين العام للجامعة كان بمثابة رسالة تحذر من المضاعفات التي يمكن أن تترتب في حال تعاطي الجامعة مع الملف الصحراوي، خصوصاً ان "بوليساريو" اختارت التركيز على التوجه العربي من خلال إقامة "الجمهورية العربية الصحراوية". وبدأ تعاطي الجامعة مع النزاع في القمة العربي في الرباط العام 1974، والتي ساندت الوفاق بين الجزائر والمغرب وموريتانيا من أجل "استعادة" الساقية الحمراء ووادي الذهب التي كانت تحتلها اسبانيا وقتذاك. وشاركت وفود عربية عدة في "المسيرة الخضراء" العام 1975 لدعم الموقف المغربي، في حين أن الوساطات العربية بعد اندلاع النزاع ركزت على معاودة الوفاق المغربي - الجزائري الذي قاد الى تأسيس الاتحاد المغاربي العام 1989. ويستند المغاربة في تمسكهم بابعاد نزاع الصحراء عن الحوار العربي - الافريقي الى كون الملف من اختصاص الأممالمتحدة، ويرون ان تجربة الاتحاد الأوروبي في القمة الافرو - اوروبية التي استضافتها القاهرة العام الماضي بين الافارقة وبلدان الاتحاد الأوروبي تشكل مرجعية، كون الأوروبيون رفضوا مشاركة "بوليساريو" في المؤتمر. وتراهن على حوار ثلاثي المعالم بين افريقيا وأوروبا والعالم العربي يدعم هذا التوجه.