} أعلنت "بريتش ايرويز" و"اميركان ايرلاينز" أمس اتفاقهما على اقرار التحالف الثنائي بينهما والسعي الى منحهما حق التمتع بالحصانة من قوانين مكافحة الاحتكار، ليشكلا بذلك أكبر تحالف جوي في تاريخ صناعة النقل الجوي في العالم وعبر الأطلسي. لم يشكل الاعلان الساخن الصادر عن الناقلتين العملاقتين في لندن مفاجأة لمتتبعي المفاوضات الصعبة والعويصة التي تعثرت على مدى السنوات الثماني الأخيرة منذ أن طرح جدياً موضوع دخول الشركتين في تحالف يؤهلهما للهيمنة على صناعة النقل الجوي في سوقي أوروبا وأميركا الشمالية، اللتين تشكلان معاً أكثر من 63 في المئة من حركة النقل الجوي في العالم. وتنتمي "بريتش ايرويز" و"أميركان ايرلاينز" إلى تحالف "وان وورلد" عالم واحد الذي يعتبر أكبر تحالف جوي من نوعه في العالم. إلا أن العلاقة بينهما بقيت مجمدة بسبب اعتراض السلطات الجوية في أوروبا والولاياتالمتحدة على شروط الاندماج بين الناقلتين. وكانت مؤشرات عدة أشارت بوضوح منذ حزيران يونيو الماضي الى أن نوعاً من التفاهم قام بين مسؤولي "البريطانية" و"الاميركية" من جهة، وبين مسؤولي الطيران وهيئات مكافحة الاحتكار في كل من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، علاوة على المفوضية الأوروبية التي كانت تعتبر أكبر عدو شرس وقف في وجه ابرام هذا التحالف منذ ظهوره الى النور. وبين هذه المؤشرات المساعي الواضحة التي بذلتها "البريطانية" لممارسة ضغوط علنية على السلطات الاميركية لتسريع تحالفها مع "أميركان ايرلاينز" زيارة رود ادينتون، الرئيس التنفيذي ل "البريطانية" الى واشنطن منذ سبعة أسابيع لاجراء محادثات وتنسيق المواقف مع نظيره في "أميركان ايرلاينز" دونالد كارتي. كما اجتمع أيضاً الى وزير المواصلات الأميركي الجديد نورمان مينيتا الذي أصدر تصريحات مطمئنة للغاية الى مصير الشركتين وملف التحالف المزمع بينهما. ووقفت "مصادر" الناقلة البريطانية أيضاً وراء حملة اشاعات أكدت اهتمام "بريتش ايرويز" مجدداً بشراء منافستها الهولندية "كي.أل.أم"، مع احتمال دخول شريكتها الأميركية "اميركان ايرلاينز" المتوقع في الصفقة لاحقاً، وهو ما عنى أن الشركتين تنويان إعادة رسم سياساتهما لنقل المسافرين بين جانبي الأطلسي في شكل جديد إذا تواصلت عملية عرقلة اندماجهما. ويبدو أن التحرك البريطاني، عززته الاتصالات التي جرت بين الناقلة وبين مفوضة النقل الأوروبي لويولا دي بالاسيو التي أبدت تأييدها لموقف "البريطانية". وعُقد مؤتمر صحافي أمس، في لندن، بحضور كبار مسؤولي "البريطانية" و"الأميركية" عرضوا فيه مبررات القرار الذي اتخذته الناقلتان بالمضي قدماً في خطوة التحالف على رغم كل العثرات التي واجهتهما في الماضي. وحملت هذه المبررات دليلاً على قوة الموقف الجديد للناقلتين اللتين تعرضتا لحملة كبيرة من منافساتهما منذ منتصف التسعينات لمنعهما من التحالف وتهديد بقية الناقلات الجوية في أوروبا واميركا الشمالية. واستندت المبررات الى تحليلات واحصاءات أكدت أن "البريطانية" و"الاميركية" خسرتا الكثير من جراء القيود التي عرقلت اندماجهما من قبل، في وقت استطاع منافسوهما تحقيق نتائج نمو سريعة، لا سيما على خط الرحلات عبر الأطلسي وفي مواجهة هيمنة مطار هيثرو الدولي. وكانت المفاجأة ما أكدته الشركتان من أن مطار هيثرو اللندني، الذي يعتبر أكبر مطار للرحلات الدولية في العالم، لم يعد يعتبر المطار-المركز الأول في أوروبا بل تراجعت مكانته منذ عام 1996، وهي السنة التي أعلن فيها قيام تحالف "وان وورلد" الذي لم يُسمح له بالتطور بسبب منع أكبر شركتين فيه أي "البريطانية" و"الاميركية" من الاندماج. وتقود العالم في الوقت الراهن خمس تحالفات جوية رئيسية يرتبط بها أكثر من 40 شركة طيران. وأبرز هذه التحالفات، إضافة إلى "وان وورلد" الذي يتخذ من مطار هيثرو مركزاً له، تحالف "سكاي تيم" الذي يتخذ من مطار شارل ديغول مقراً ويتضمن "دلتا" و"الخطوط الفرنسية" و"اليطاليا"، وتحالف "ستار" الذي يتخذ من مطار فرانكفورت مركزاً لعملياته والذي تقوده "يونايتد" الأميركية و"لوفتهانزا" و"أس.آي.أس" الأوروبيتان، وتحالف "وينغز" أجنحة الذي يعتمد على مطار سخيبول الدولي أمستردام كمركز لعملياته والذي كانت شركة "كي. أل. أم" الهولندية شكلته، مع "نورثوست" الأميركية، في أول تحالف عبر الأطلسي عرفه العالم قبل سنوات، وهو تحالف تعرض إلى هزة كبيرة العام الماضي، بعد فشل مساعٍ طويلة بذلت لادخال الخطوط الجوية الايطالية "اليطاليا" اليه. وقالت دراسة قدمت تفاصيلها أمس خلال المؤتمر الصحافي إن هيثرو تراجع منذ عام 1996 نتيجة تغير أجواء المنافسة بين المطارات-المركز في أوروبا إذ زادت نسبة تشغيل مطار باريس-شارل ديغول 63 في المئة، مقابل 67 في المئة لمطار فرانكفورت، و47 في المئة لمطار سخيبول في أمستردام. أما مطار هيثرو فلم يعرف زيادة تتجاوز 21 في المئة وهي نسبة ضئيلة مقارنة بمنافسيه، علماً أن الدراسة لم تبرر أسباب النمو ولا أهمية الزيادات مقارنة مع التوزيع الاجمالي لنمو حركة النقل الجوي وقدرة كل مطار من المطارات المتنافسة على تجاوز درجة التشبع التي يعرفها. وانتقدت الدراسة من ناحية ثانية تراجع حصة "وان وورلد" من حركة النقل الجوي بين الولاياتالمتحدة ومطار هيثرو الذي يعترب مركزاً لعملياته بنسبة 12 في المئة منذ عام 1996، في حين أن حصص التحالفات الأخرى في مطاراتها - المركز زادت بمقدار 37 في المئة لتحالف "ستار" في مطار فرانكفورت، و16 في المئة لتحالف "وينغز" في مطار سخيبول، و14 في المئة لتحالف "سكاي تيم" في مطار شارل ديغول. وكانت الانتقادات تركزت في الماضي على أن هيمنة الناقلتين المتحالفتين على مطار هيثرو ستضر المنافسة أوروبياً بقدر ما ستضر بريطانياً، كما ستضر أيضاً بمصالح بقية الناقلات الأميركية التي شكت من قبل من أنها لن تكون قادرة على مواجهة حجم المنافسة الكبيرة التي سيشكلها دمج أسطولي "البريطانية" 350 طائرة و"الأميركية" 980 طائرة ليشكلا بذلك أول أسطول طيران في العالم يقارب عدد طائراته 1400 طائرة. وفصّل المؤتمر الصحافي أمس حجم الضرر الذي لحق بتحالف "وان وورلد" نتيجة تعثر الاندماج فقال إن حصته من الرحلات عبر الأطلسي تراجعت منذ عام 1996 بمقدار 15 في المئة، في حين زادت حصة "ستار" 13 في المئة، مقابل تراجع حصة "وينغز" و"سكاي تيم" بمقدار خمسة في المئة تقريباً لكل منهما. واعتبرت الناقلتان أن المنافسة باتت تتم بين التحالفات وليست بين الشركات الفردية، واشتكتا من أن "المنافسين الرئيسيين يحظون بحماية من قوانين مكافحة الاحتكار ما يسهل عليهم الدمج الكامل لشبكاتهم عبر تنسيق الجدولة والأسعار". ونوهتا إلى أن رغبة الشركات الجوية الأوروبية والأميركية لتوسيع روابطها كان الحافز وراء ابرام 17 اتفاق أجواء مفتوحة بين الولاياتالمتحدة ودول أوروبية، واشارتا الى أن الدول التي وقعت هذه الاتفاقات شهدت زيادات في معد خدمات الطيران من وإلى الولاياتالمتحدة، في وقت تراجعت الأسعار للمسافرين بنسبة 20 في المئة، مقابل تراجع مقداره عشرة في المئة في الدول التي لم توقع هذه الاتفاقات. وبدا واضحاً من الاعلان الصادر أمس والحجج التي استخدمتها الناقلتان أن ثمة تفهماً أكبر لموقفهما، وأن التحالف الذي تعثر منذ ثماني سنوات بات ممكناً تحقيقه، والسبب هو "التغير في مشهد المنافسة في أوروبا وعبر الأطلسي"، وتفوق مطاري فرانكفورت وشارل ديغول على مطار هيثرو "نظراً إلى أنهما باتا يؤمنان خدمات من دون توقف إلى عدد أكبر من الوجهات، وقادران على استيعاب قدر أكبر من النمو". وقالت الشركتان إن حصتهما معاً من عدد الرحلات في مطار هيثرو تبلغ 37 في المئة، وهي نسبة تقل عن حصص التحالفات المنافسة في مطاراتها-المركز إذ تبلغ هذه الحصة 55 في المئة في مطار شارل ديغول و70 في المئة في مطار فرانكفورت ومثلها في مطار سخيبول. ويملك مطار سخيبول الذي خضع لعمليات تطوير واسعة في السنوات الخمس الأخيرة أربعة مدارج للطائرات، في حين يتم بناء المدرج الخامس حالياً على أن يفتتح عام 2003، وهو الأمر الذي سيكسبه مرونة كبيرة في عملياته، وفي خدمة شركات الطيران التي تستخدمه. أما مطار هيثرو الذي ينتظر أن تفتح في مدى أربع سنوات من الآن محطته الخامسة، ليصبح قادراً على استقبال 100 مليون مسافر سنوياً، فهو لا يملك أكثر من مدرجين. وبات الازدحام الخانق في هذا المطار أحد أكبر العوائق التي تهدد قدرة "البريطانية" على النمو في السنوات المقبلة، وهو ما يبرر حاجتها الى مركز عمليات ثانٍ رئيسي في أوروبا، يؤمن لها القدرة على منافسة مطارات ميلانووباريس وفرانكفورت وميونيخ ويتيح لها توسيع عملياتها باتجاه وسط أوروبا وشرقها وأميركا الشمالية وافريقيا والشرق الأوسط.