بعد تخرجها في كلية الإعلام والتوثيق، فتحت لها "المؤسسة اللبنانية للإرسال" أبوابها وما زالت. في رصيدها، مجموعة في البرامج ذات الطابع الثقافي والوثائقي، آخرها "حوار العمر" الذي يستضيف شخصيات فكرية وثقافية وسياسية ممن وقعت اسماءها في سجل التاريخ، كل في مجالها. حاورت أهم الشخصيات، وكل واحدة منها تركت لديها ذكرى لا تنسى. حيث يكون ضيفها تكون هي. لذلك تراها تتنقل من مكان الى آخر، من القاهرة الى باريس فلندن... في حديث الى "الحياة" تروي جيزيل خوري تجربتها في عالم الإعلام. ما الذي جذبك الى عالم الإعلام؟ - الوضع السياسي الذي كان سائداً في لبنان هو الذي دفعني الى اختيار هذه المهنة. فأنا أساساً لم أكن أفكر في الصحافة. وكنت أحب التخصص في الهندسة المعمارية. لكن الظروف كانت أقوى. فالأحداث السياسية جعلتني أقتنع بفكرة القيام بأمر يكون قريباً من الناس. وهكذا خضت مجال الاعلام. كم أفادك تخصصك في الإعلام لدى ممارستك المهنة؟ - كلية الإعلام وضعتني في جوّ الصحافة والصحافيين، الأساتذة في غالبيتهم، من العاملين في الحقل الإعلامي، فيما عدد الطلاب قليل. لن أقول انني استفدت على صعيد التقنية، بل استفدت من المناخ العام. أما الأمر المميز الذي نتعلمه فهو الابتعاد عن "الحشو" الذي نجده عند الحقوقيين ورجال الأدب. في كلية الإعلام اكتسبت المنهجية، وليس أكثر من ذلك. ويبقى اللافت الجو العام: جوّ مسيّس، جوّ شعر وموسيقى. أما الآن فأعتقد ان الأمور اختلفت كثيراً. علاقتي بالمشاهد ما نظرتك الى مشاهد اليوم؟ - اعتقد ان لا وجود لي من دون المشاهد. علاقتي به هي علاقة وجودية من دون شك، مع العلم انني لا أعرفه جيداً. هل يقدم برنامج "حوار العمر" الى شريحة معينة من الناس؟ - في البداية كنت أعتقد ان البرنامج موجّه الى نخبة معينة من الناس لكنني فوجئت في ما بعد، نتيجة الاحتكاك المباشر بالأشخاص العاديين، بمقدار تنوع جمهور "حوار العمر". هناك أشخاص لا أتوقع اهتمامهم بحلقات معينة والمفاجأة تكون حين أعلم مدى اهتمامهم بالحلقة من خلال رسائلهم واستفساراتهم. وهذا ما يدفعني الى القيام بما هو أفضل. كيف تحاولين استقطاب أكبر شريحة ممكنة من الناس؟ - هنا تؤدي مقدمة البرامج دوراً أساسياً في هذا المجال. فتقديم البرنامج في شكل قريب من الناس من الأمور الضرورية، من دون تنازلات كثيرة، بمعنى المحافظة على هيبة البرنامج، وفي الوقت نفسه استخدام لغة مبسطة تجذب الجمهور. مع انتشار الفضائيات العربية يتجه المشاهد أكثر فأكثر الى برامج الربح والألعاب. فإلى أي مدى لا تزال البرامج الثقافية تستهوي الجمهور؟ - منذ زمن في لبنان، وقبل انتشار الفضائيات، كان يُقال ان المنوعات تحتل المرتبة الأولى، بعد مدة، احتلت الأفلام المكسيكية هذا المركز. أما اليوم فبرامج الألعاب في الصدارة. هذا لا يعني ان على المحطات التلفزيونية تقديم شبكة برامج من نوع واحد. فصورة المؤسسة في الواجهة. وليس صحيحاً ان الناس لا يريدون إلا التسلية والربح، بل على العكس هم يريدون الإلمام بكل جديد وعلى كل الصعد. أما على المستوى الفضائي، فتكوّن لدى البعض الاقتناع بولادة مشكلة على صعيد برامج "توك شو" والحوار السياسي. ولكن في النهاية أصبحنا أمام قناة ل"الجزيرة" تقوم على أنواع من هذه البرامج. وهي محطة ذات مكانة في عالم الإعلام من دون ان تكون المحطة الأولى في العالم العربي. وبهذا ندرك اهمية النقاش السياسي في العالم العربي في هذه المرحلة. ما الذي أدى الى استمرار "حوار العمر" سنوات؟ - الخليط الثقافي - السياسي في البرنامج هو الذي أنقذه وأدى الى استمراره. فهو سلط الأضواء على قضايا العالم العربي بأسلوب قريب من الناس من دون ان ننسى التقنية العالية، فضلاً عن ضيوفه المميزين. وهنا لا بد ان أذكر دور المؤسسة اللبنانية للإرسال. فالشاشة المعروفة والبرنامج الناجح عاملان يشجعان الضيف على الحضور. الشخصية تفتش خصوصاً عن الاحتراف أكثر من الراحة. أثر استضفت عدداً كبيراً من رجال الفكر والأدب والسياسة. من منهم ترك أثراً فيك؟ ولماذا؟ - لكل شخصية حكاية مع البرنامج، وللبرنامج حكاية معها. أذكر محمد حسنين هيكل، وهو من الشخصيات التي سعيت الى مقابلتها ولم أندم، بل على العكس زاد اعجابي به أكثر فأكثر. وأيضاً تأثرت بمحمود درويش إذ ادهشني كل ما فيه. فإلى شعره الرائع، هو يتمتع بذكاء حاد وثقافة واسعة واحساس مرهف. ولا بدّ أن أذكر أيضاً أنسي الحاج. ما هي أهم الصعوبات التي تواجهك في عملك هذا؟ - هناك الكثير من الصعوبات. أولاً نحن موجودون في لبنان عموماً وفي أدما تحديداً، ونحن لسنا "سي ان ان" حيث تجد مراسلين أكفياء يحضرون الشخصية اينما كانت. والصعوبة هنا تكمن في كوننا نعمل من مكان واحد الى العالم كله. أما الصعوبة الثانية فهي في افتقاد العالم العربي الأرشيف، لذلك نتحايل في الريبورتاجات، فنضع افلاماً اذا لم تكن لدينا الصور، وإذا لم تكن هناك أفلام، نضع لقطات من الحقبة التاريخية التي عاصرتها الشخصية. وأيضاً هناك مشكلة معرفة البلد من الداخل. لنأخذ مثلاً القضية الجزائرية التي نتعامل معها في شكل شامل وعام، لأن ليس لدينا المقدرة على الدخول في خصوصيات البلدان، ولا بدّ من وجود أشخاص أكثر على الأرض ولوقت طويل. وهذا غير متوافر الآن. ما مدى سقف الحرية المسموح به في العالم العربي؟ - كما يقول الأميركيون: الشيطان يكمن في التفاصيل. ونحن نعتمد هذه المقولة فلا ندخل في التفاصيل. ولكن لا شك في ان لدينا هامش حرية مضبوطاً ببعض الخطوط الحمر، علماً ان السقف السياسي العربي يعلو شيئاً فشيئاً. وهو له علاقة بالفضائيات والحوارات السياسية، ولكن أيضاً له علاقة بالأوضاع الداخلية للدول العربية. هل تلومين نفسك على اختيار المجال الإعلامي؟ - أبداً. أنا أحب عملي كثيراً وبسببه نجوت من أمور قاسية جداً في الحياة. فأنا اتخذت قراري واخترت هذه المهنة وأخوضها اليوم بحلوها ومرّها.