عاملان اعطيا لمهرجان "المحبة والسلام" الذي أقامته الجالية الكردية في لبنان رونقاً مميزاً، العامل الأول: الاهتمام الرسمي من قبل الدولة اللبنانية، والعامل الثاني: للمرة الثانية بعد 19 عاماً تحضر المغنية الكردية كلستان برور لتغني لجمهورها وللبنان، وهي تعتبر الأولى بين الأكراد على المستوى الفني وعلى المستوى الثقافي والسياسي. أقيم المهرجان في 19 آب أغسطس في ملعب "برج حمود" وحضره جمهور غفير من الأكراد، في البداية رحب عريف الحفل بالضيوف والحضور وبدأ كلماته الأولى بعبارة "به جان، به خون، أم به ترن، أي سروك" وتعني "بالروح بالدم نفديك يا قائد"، ثم عزفوا النشيد الوطني الكردي والوطني اللبناني تلاه الفقرات الموسيقية وتقديم الفنانين "خليل غمكين" و"كلستان" و"خالد الصوفي" وعازف الكمان "لازكين" وعازف البزق "شيار" و"سامي حواط". ولم نستغرب ولم نفاجأ بأصوات أصدرها الجمهور وهي تطلق شعارات: "عاش القائد" و"عاش أوجلان" و"الحرية لأوجلان". وكما يعرف الأكراد أن ملعب "برج حمود" شاركهم بهمومهم وفي مناسبات عدة لكن في هذه المرة اختلفت المشاركة عن السابق، فالحضور الكردي بمختلف مشاربه واتجاهاته السياسية والفكرية، كان رداً على المهاترات والنقاشات وحرب الشوارع التي حدثت في ما بينهم حيث افتقرت الى الحضارة والديموقراطية وهم في هذه الحال جلبوا على أنفسهم المتاعب وأضاعوا فرصاً ثمينة. بدءاً من هذا اليوم شكل هذا الحشد الكردي أملاً بالانتصار على الذات وعلى الأنانيات، لا سيما ان الأكراد في كل أوقاتهم عاشوا على هامش المتغيرات سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى الرسمي... ومصدر أمل الأكراد بالانتصار هو اهتمام الدولة اللبنانية رسمياً بأفراحهم وأتراحهم، وكل ما حدث مع الأكراد في يوميات حياتهم كانت تعتبر دروساً أخرى أعادت قراءة علاقاتهم الاقليمية. الأكراد في هذا اليوم كانوا قريبين من الحياة الجدية وبعيدين في الوقت نفسه! قريبون لأن الحضور الحكومي والقوى الرسمية قارب الهموم الكردية وأخذ حيزاً واسعاً من اهتماماتها. وبعيدون لأن الأكراد ما زالوا يلعنون قدرهم وتعاستهم لأنهم ضحايا الظروف الدولية التي تحكمهم، وما زالت احلامهم وطموحاتهم أسيرة هذه الظروف. ولعل تأثير هذه العوامل أخذ مساراً ايجابياً لدى الأكراد. إذ فور علم الأكراد بالمهرجان الذي سيقام في لبنان بحضور الرمز النضالي والفني الكردي الفنانة كلستان، بدأوا بالتدفق نحو بيروت، قبل قيام المهرجان بيومين من كل المناطق اللبنانية، اضافة الى أكراد القامشلي وعين العرب وعفرين ودرباسية وعامودا وأكراد دمشق وحلب، إذ كان في نية جميع الأكراد الحضور لو أن في الأمر سهولة، ومع ذلك فقد وصل الحضور وعلى رغم الازدحام الهائل في ملعب "برج حمود" نحو 15000 شخص، وهو ما لم يكن في حسبان منظمي المهرجان، إذ أحدث خللاً فنياً لديهم وارتباكاً اعلامياً أيضاً أدى الى اختطاف الفنانة كلستان من بين الجمهور المرتبط بها الى ما لا نهاية. لم يقف الحضور على الجمهور الكردي سواء على المستوى الفني أو على مستوى الجمهور، إذ شكل الحضور لوحة فسيفسائية: قومية وفنية، كان هناك فلسطينيون ولبنانيون وأرمن وأتراك. وعلى المستوى الفني كانت الأغنية العربية حاضرة فيها. إذ كان لسامي حواط دور كبير ذكرني بزمن الشعارات في أواسط الثمانينات، وعلى هامش المهرجان، التقينا به وسألناه عن اندفاعه في هذا الحضور، فقال: "اندفاعي هو اندفاع فكري وقناعات سياسية، كوني انتمي الى الفكر الإنساني العام، أينما وجد الناس المغلوبون على أمرهم وبخاصة الشعب الكردي، فأنا معهم، واعتبر القضية الكردية قضيتي شخصياً ولو أني لبناني". وعن علاقته بالأكراد، قال "علاقاتي مع الأكراد منذ زمن طويل، قبل أن أتعرف عليهم شخصياً لأنه جمعتنا القضية والفكر منذ زمن طويل. أما إذا سألتني عن علاقتي بالمشاركة فإنها مستمرة منذ خمس سنوات". وعن رأيه بالمهرجان والجمهور، أجاب: "أنا أرى في المهرجان علامة النصر الدائم، لأنه بذلك وطالما أحس أن هناك نظافة فكرية... إذاً هناك نجاح دائم". الأكراد في هذا المهرجان فتحوا بابهم على مصراعيه للفرح والبهجة، كما كان مفتوحاً على مصراعيه للهموم والتعاسة. وهم في هذا المهرجان بثوا رسالة قدرهم وأرادوا ان يسبحوا سوياً في هذا الفضاء المعبأ بالتعاسة حتى لا يكون الأكراد عبئاً على أحد ولا يكون القدر عبئاً على الفقراء والتعساء... ولهذا كان لكلستان دور كبير في الإسهام بإعادة التفاؤل الكردي من خلال صوتها العذب ونصائحها وأغانيها الجميلة التي حملت أكثر من معنى. التقنيا بها وسألناها، كيف استطاعت ان تصل الى هذا المستوى؟ فقالت: "أنا في الأساس من عائلة كردية عريقة، أنا من نتاج التراث والثقافة الكردية عمرها أكثر من ألف سنة، تبدأ من مدرسة احمدي الخاني الى الآن". وعن استثمار مواهبها لخدمة شعبها، قالت: "ان للتراث دوراً كبيراً في وعينا، واستخدمه لأجل خدمة شعبي وأمتي، ولهذا التراث جوانب عدة، انني مؤمنة به وايماني هو لخدمة شعبي". وعن بداياتها الفنية، أجابت: "ابتدأت بالفن بعد هجرتي الى أوروبا وذلك لسبب بسيط لأن في كردستان ليس هناك مجال للنشاط الثقافي والفني كما تعرف، اضافة الى ذلك كنت صغيرة السن وليس هناك مشجعون لتعليمي الفن، وليس هناك تنظيمات كردية قوية لتتبنى تنمية المواهب، لأن في ذلك الوقت من كان يتعامل مع الثقافة الكردية يجب ألا يكون كردستانياً، ولذلك تعلمت واهتممت بالموسيقى والثقافة الكردية في أوروبا. وبمن تأثرت، قالت: "كما تعرف ان لأبي "سرخبون" حضوراً دائماً في أذهاننا، وغنيت اغانيه في هذا اليوم كما رأيت وللحقيقة إن لشفان برور دوراً كبيراً في حياتي". وعن وجودها في لبنان، قالت: "اني مسرورة جداً بوجودي في بيروت، بيروت اعادت ذكرياتي منذ تسعة عشر عاماً، وكانت زيارتي الأولى اليها، كنت أتمنى لو أن غير دول سمحت لي مثل بيروت لأقيم حفلاً فيها، لكنت من المسرورين جداً، لكن كما تعرف هذا أصبح مستحيلاً، على كل إني مسرورة جداً بوجودي في بيروت، أتمنى لبيروت ان تتطور أكثر وتصبح نموذجاً رائعاً في الشرق الأوسط، وهي هكذا، لذلك أرى بيروت أكثر مجالاً لأعبر ما تألمت به، وهي رائعة وافتخر بها وبشعبها الإنساني الراقي".