لم يكن إحياء حفلة فرقة «air» الموسيقية الإيطالية في دمشق سهلاً، بغياب عازف الترومبيت الإيطالي فلافيو بولترو الذي فرضت عليه وعكته الصحية البقاء في بيروت. فما كان من عازف البيانو جيوفاني ميراباسي وزميله عازف الترومبون روبرتو روسّي، إلا أن يغتنما فرصة التقائهما بعازف الترومبيت السوري دولاما شهاب، ليكون البديل بعد أربع ساعات من التمرين في يوم الحفلة، واليوم السابق. فتناغمت الموهبة الإيطالية والموهبة السورية على مسرح الدراما في دار الأوبرا الدمشقية، لتقديم «هواء» موسيقي نقي ردّ الروح الى الجمهور السوري المتعطّش الى مثل هذه الحفلات. ويعتبر صاحب فكرة مهرجان «liban jazz» ومنظم الحفلة كريم غطاس أن ما أنجح الحفلة هي «قوة الموسيقى وتوافر الموهبة لدى شهاب، إذ لم نعد نحتاج الى تحضيرات وترتيبات كبيرة». «الهواء» أو «air» كإسم للفرقة الموسيقية الإيطالية، التي أحيت حفلة مميزة مساء أمس في بيروت أيضاً، نابع من تأليف الجاز وارتجاله كموسيقى إيطالية رومانسية خفيفة مثل الهواء تماماً. فالمتلقي يسبح في غيوم حلم اليقظة لحظة سماعه مقطوعات الفرقة التي يعتبر عازفوها من أشهر العازفين في إيطاليا. تتحدى الفرقة الجمهور من خلال أعمالها، لإدخاله في دائرة موسيقية جديدة، يكون فيها العالم أفضل مما هو عليه. وعلى هذا الأساس، فإن الثلاثي الإيطالي أبعد لحظة تأليفه لأسطوانته الأولى كل النوتات المكتوبة بدقة، وبدأ التسجيل في الأستوديو وكأنه يقدم حفلة حية. ولأن الثلاثي الإيطالي يعطي موسيقاه من القلب قبل كل شيء، فإن العازفين بعيدين عن التنظير، وهم أقرب إلى الأداء الحر لموسيقى مبهجة وخفيفة كالهواء. ويرى ميراباسي الذي ألّف المقطوعات الثلاث التي كانت وراء نجاح المجموعة على مستوى الجاز الأوروبي أن «موسيقى الجاز ديموقراطية بالقدر الكافي، ليقول فيها كل عازف ما يريد، حيث له الخيار في استحضار ما يرغب به موسيقياً خلال ارتجاله. وعلى هذا الأساس يكون التعاون والانسجام بين أعضاء الفرقة، لتصل المقطوعة في شكلها الأجمل». عزفت «air» في حفلها نصف أسطوانتها تقريباً معتمدة على الارتجال على رغم أنها التزمت بالنوتة المكتوبة الموضوعة أمام كل عازف، لكن المجال كان مفتوحاً للعازفين لأن يقوموا بتفريداتهم الخاصة بعد تقديم المتفق عليه موسيقياً؛ وقدمت «air» بعضاً من مؤلفات الجاز العالمية الكلاسيكية، والمعروفة كتلك التي سمعناها في الفيلم الرومانسي كازابلانكا. ويرى كريم غطاس بعد تجربته التي بدأها في لبنان أن الموسيقى ليست بحاجة إلى الفهم. وبما أن التقاطعات كبيرة بين الموسيقى العربية والجاز، فالأحرى بالموسيقى أن تكون عالمية قبل كل شيء، من دون الانتماء إلى جنسية معينة، وهذا ما جعل غطاس يعيش اليوم قصة حب بينه وبين مدينة دمشق، لا سيما أن جمهورها يريد حقاً أن يتعرف الى موسيقيين عالميين كالذين يستضيفهم «liban jazz» في لبنان. المهرجان الذي تأسس عام 2004 في بيروت، لم يعُد مرتبطاً وفق تسميته بلبنان وحسب، فقد قدم المهرجان في لبنان وفرنسا أكثر من 40 حفلة موسيقية، استضاف فيها فنانين مثل آرتشي شيب، وأنور براهم وإيريك تروفاز وباولو فريزو وظافر يوسف وغيرهم. ويسعى غطاس الى أن يكون مشروعه فاعلاً في الشرق الأوسط أيضاً، حيث نظم سابقاً في دمشق حفلة منفردة لعازف البيانو النروجي بوغي ويسلتوفت، الحائز جائزة «غرامي» الموسيقية. «الاشتراك بين العازفين، والحرية، والجرأة هي الطريقة التي يدافع بها «ليبان جاز» عن موسيقاه»، يقول غطاس. ويُضيف: «وعلى هذه الوتيرة تضامن المهرجان، عام 2006، خلال حرب تموز (يوليو) مع اللبنانيين، فجمع أكثر من عشرين فرقة جاز في باريس، لتكون موسيقى الجاز مبذولة للمرة الأولى لتخفيف عبء ما خلّفته الحرب». ويفيد بأنه حاول بعد إلغاء المهرجان في حرب تموز (لبنان)، أن يجعل من تلك الأزمة حافزاً له على تنظيم حفلات مستقلة على مدار السنة في قاعة «Music hall» في وسط بيروت، بدلاً من جمع فرق كثيرة في أسبوع أو أكثر، وأصبح «liban jazz» اليوم في كل مكان موسعاً نشاطه في أنحاء العالم وفي أهم المسارح الأرستقراطية والرسمية.