استقبلت صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية اول من امس سفير اسرائيل الجديد في كوبنهاغن كارمي غيلون باعلان نشر على الصفحة الاولى: "مستوطن لطيف يقدم خدمات في التعذيب المعتدل والسيطرة الديبلوماسية التامة في عيادته الجديدة في منطقة هلوريب. العنوان: كلينيك كارمي/ السفارة الاسرائيلية". يأتي هذا الاعلان الساخر الذي لا يزال ينشر حتى الآن في الصحيفة المذكورة في اطار حملة عزل سياسية واعلامية وشعبية واسعة تشهدها الدنمارك ضد كارمي غيلون المتهم بممارسة اعمال تعذيب بحق 850 معتقلاً فلسطينياً وقتل معتقل في الثلاثين من العمر تحت التعذيب، وذلك اثناء ترؤسه جهاز الاستخبارات الاسرائيلي "شاباك" بين العامين 1995 و1996. ودافع غيلون مراراً امام الصحافة الدنماركية عن ممارسة اسرائيل التعذيب "المعتدل" بحق معتقلين فلسطينيين ما اثار موجة غضب عارمة في الدنمارك، ودفع العديد من المنظمات الانسانية وبعض البرلمانيين الى تقديم دعاوى قضائية بحقه لمحاكمته، الا ان الحكومة الدنماركية اعلنت ان غيلون يتمتع بحصانة ديبلوماسية بحسب معاهدة فيينا للتبادل الديبلوماسي ومن غير الممكن محاكمته لأن المعاهدة اقوى من قانون الاممالمتحدة لملاحقة ممارسي التعذيب بحق معتقلين. اثار موقف الحكومة جدلاً في الوسطين السياسي والشعبي في الدنمارك، وفتح باب النقاش القانوني على مصراعيه، اذ قدم النائب اليساري في البرلمان الدنماركي سورن سونديرغورد دعوى بحق غيلون ارفقها بسبع دعاوى من فلسطينيين مقيمين في الدنمارك كانوا تعرضوا للتعذيب بأيدي الاستخبارات الاسرائيلية التي كان يديرها غيلون. ويستند سونديرغورد في دعواه الى قانون الاممالمتحدة لمكافحة التعذيب القائل ان على "جميع الدول القيام باعتقال المتهمين بارتكاب جرائم حرب او ممارسة التعذيب في حال وجدوا على ارضها". واعلنت منظمات انسانية في كوبنهاغن دعمها للدعاوى المقدمة بحق غيلون، وأبدى النائب سونديرغورد استغرابه لعدم تطبيق الدنمارك قرارات الاممالمتحدة وقال ان "هناك تضارباً واضحاً بين قانون الاممالمتحدة لمكافحة التعذيب ومعاهدة فيينا لحصانة الديبلوماسيين، وهنا يجب على الحكومة ان تعلن بوضوح ما اذا كانت مع معاهدات الاممالمتحدة أو ضدها، وهل من المعقول استقبال اشخاص يمارسون الاجرام في مناصب ديبلوماسية؟". واكد سونديرغورد انه توجه شخصياً الى مركز الشرطة في منطقة جنتوفتي حيث تقع السفارة الاسرائيلية ووضع كل الاثباتات التي تدين غيلون بين يدي رئيس المخفر، واوضح: "قمت بهذه الخطوة السريعة كي نتجنب الخوض في جدل حول اي من القوانين يجب ان يطبق، فغيلون لم يقدم حتى الآن اوراق اعتماده للملكة مارغاريتا، ما يعني انه لم يتسلم مهماته الرسمية وبالتالي فهو لا يتمتع حالياً بحصانة ديبلوماسية ومن المفترض اعتقاله". وأكد رئيس مخفر منطقة جنتوفتي، الضابط ميكايل كلان، انه تسلم الدعوى من سونديرغورد بحق غيلون وقال: "لم اتمكن حتى الآن من دراستها كي اتخذ موقفاً من توقيف غيلون، ولكن قبل القيام بأي خطوة سأنظر بفحوى الدعوى قانونياً". غير انه اشار الى ان "عدم تسليمه غيلون اوراق اعتماده للملكة حتى الآن، يدخلنا في مسائل قانونية معقدة يجب دراستها قبل القيام بأي خطوة". ويتمتع الضابط كلان بصلاحية تامة تخوله اعتقال غيلون في حال وجد امكانية قانونية لذلك. لكن بيتر جنسون المسؤول القانوني في الخارجية الدنماركية قال انه "بحسب معاهدة فيينا للتبادل الديبلوماسي، يتمتع السفير بحصانة ديبلوماسية فور قبول اوراقه، او بالاحرى عند مغادرته بلاده. فغيلون يتمتع بحصانة ديبلوماسية منذ اللحظة التي اقلعت فيها طائرته من اسرائيل". واضاف ان "هناك تضارباً بين معاهدة فيينا وقانون الاممالمتحدة لمكافحة التعذيب، وبما ان معاهدة فيينا اقدم فذلك يعطيها ثقلاً قانونياً اقوى". ولا تستمد الشرطة الدنماركية سلطتها من الخارجية فهي تقع تحت سلطة وزارة العدل، ما يمكن الضابط كلان من ترجمة القانون حسبما يراه مناسباً، لكن كلان يقول: "لا اريد الاعلان الآن عن القرار الذي سأتخذه"، لكن وزير العدل فرانك جنسن اعلن ان غيلون يتمتع بحصانة ديبلوماسية ولن يتم توقيفه. وبغض النظر عما اذا تم اعتقال غيلون أم لا، فهو سيواجه صعوبات كثيرة في عمله، وتلك الصعوبات لم تنتظر طويلاً اذ كان من المفترض ان تقابله ملكة الدنمارك في الخامس عشر من هذا الشهر ليسلمها اوراق اعتماده الا انها أرسلت الى غيلون انها لن تتمكن من استقباله الا بعد شهر من الآن لاسباب لم تعلن عنها.