لم يترك المثل الشعبي شأناً من شؤون الحياة إلا تناوله. "المثل ما ترك شيء ما قاله". ويردده الباحث حسين نشوان، في بحث يحاول فيه تلمس واقع المرأة وأدوارها وتجليات صورتها في واقع الأمثال الشعبية، في الأردن وفلسطين، من خلال رصد عدد كبير من هذه الأمثال، ومقاربتها بواقع تطور التشريعات والقوانين التي تخص واقع المرأة التعليمي والعملي، وأثر هذه التحولات في المثل. ومع ان هذه الدراسة ليست الأولى تتناول المرأة وصورها في المثل الشعبي، لكنها - بحسب المؤلف - الأولى تحاول تجاوز الدراسة المعجمية والتوثيقية في اتجاه دراسة شمولية لجوانب تمثل واقع المرأة وتفاصيله المختلفة. ولأن المثل الشعبي يمثل الخبرة الاجتماعية المختزلة في اللهجة المحلية المحكية، يلجأ الباحث الى جمع الأمثال، واجراء قراءة مسحية لها بوصفها مرجعية ثقافية، وهي قراءة غايتها رصد محركات النظرة الى المرأة في المجتمعين المذكورين. لكن قارئ الكتاب يلمس ان هذه الأمثال تقال في الكثير من الأقطار العربية، في شيء من التحوير أحياناً، وكما هي نفسها احياناً أخرى. ما يعني ان البنيات الاجتماعية العربية متقاربة جداً. لكن البحث يخص الأردن وفلسطين، بوصفهما مجالين متداخلين في بناهما الاجتماعية التي انعكست على اداة تعبيرهما الى درجة لا يمكن الفصل بينهما. يقسم الباحث بحثه الى ثمانية فصول، يتناول في أولها مفهوم المثل وخصائصه ووظيفته ومصادره، وفي الثاني صورة المرأة في المثل والعلاقات غير المتكافئة. وتحتل صفات المرأة الفصل الثالث، فيما يختص الفصل الرابع بحقوق المرأة، والخامس بحاجاتها، والسادس بواقعها، والسابع بالقوانين التي تتحكم بمكانة المرأة، ويرصد الثامن صور المرأة في المثل الشعبي. ويستند الى المصادر التاريخية والدينية والفكرية، بوصفها مرجعيات أساسية لبناء المثل الشعبي ودلالاته، ففي حين يجد في المصادر التاريخية صورة مشرقة للمرأة في الحضارات القديمة، يجد صورة المرأة في المجتمع العربي القديم تراجعت، عبر عدد من التحولات وتوزيع الأدوار المتعلقة بالعمل قبل الإسلام، وباتت المرأة تفتقد الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية، وعلى رأسها حقها في الحياة، إذ كانت تتعرض للوأد فور ولادتها. وعلى رغم انصاف الإسلام المرأة في مجالي الملكية والحقوق واكرام انسانيتها، عاد العرب في مراحل لاحقة الى عادات ما قبل الإسلام، وجاءت صورة "الحريم" في مرحلة الحكم العثماني لتحظر على المرأة الخروج من منزلها والمشاركة في نشاطات المجتمع. ثم جاء الاستعمار الغربي ليكرس معاناة المرأة ويضاعفها، فتصبح معاناتها اجتماعية وسياسية واقتصادية ووطنية. ولعبت النصوص الأدبية والثقافية عموماً، كما يرى نشوان، دوراً في تكريس صورة سلبية عن المرأة، ومن هذه النصوص قول الشاعر العربي القديم: كل أنثى وان بدا لك منها آية الود حبها خيتعور ان من غره النساء بودٍّ بعد هذا لجاهل مغرور وحتى في الثقافات العالمية، ثمة صورة تنم عن سيادة الذكورة ودونية المرأة وهامشيتها، ففي المثل الاسباني يقال "احذر المرأة الفاسدة ولا تركن الى المرأة الفاضلة"، وفي الروسي "المرأة مثل البساط بين الحين والآخر تحتاج الى النفض"، ويقول الالماني "ما لا يقدر عليه الشيطان تقدر عليه المرأة". ويركز الباحث على الأمثال بوصفها قوانين غير مكتوبة، تقيد المرأة كما تحصر النظرة اليها في اطار صورة متخلفة مهما بلغ شأن المرأة ومستواها العلمي أو العملي. لكن التمييز ضدها يبدأ من لحظة الولادة. فالقول الشائع هو "للصبي فرحة ولو انه قد القمحة" أو حتى "صبي مجنون ولا فتاة خاتون" و"المرأة لو وصلت المريخ مصيرها للطبيخ"، و"شهادة المرأة مطبخها". كما يهتم البحث بالأمثال المعبرة عن حال التمييز ضد المرأة، فالتمييز يتخذ أشكالاً عدة، ويجري التعبير عنها في صور شديدة القسوة، ربما كان أبرزها قولهم "لو كانت فلة ع القلب علة"، بينما الرجل لا يعيبه ان كان وسيماً أم شديد البشاعة، وهكذا فالفتاة الجميلة "نص مصيبة"، أما المصيبة الكبرى فهي ان تكون "قردة وجابت بنت". لذا يبقى "موت البنات من المكرمات". وتتجاوز حال التمييز الحد الإنساني حين يطلب المثل من الوالد تمييز الذكر عن الأنثى فيأمره قائلاً "ذلل ابنك يغنيك ودلل بنتك بتخزيك"، والمثل يكاد يتكرر في صورة مختلفة أشد وطأة، ف"ان ماتت اختك انستر عرضك، وان مات أخوك انكسر ظهرك..."، وثمة صورة مختلفة للتمييز تتمثل في النظر الى الزواج بين رجل صغير السن وامرأة تكبره، فيقال "من كثر همه أخذ واحدة قد أمه"، ولم يقل المثل شيئاً عن الرجل الذي يتزوج فتاة من جيل أبنائه! وعلى صعيد حرية التعبير، وقيمة رأي المرأة، فثمة ازدواجية تنبني على ثنائية فقير/ جواد، وفي حين أن المثل الدارج الشائع هو "شاوروهن واخلفوا رأيهن"، لأن "طاعة النسوان نذالة" من جهة، و"طاعة النسا بتورث الندم" من جهة ثانية، فإننا سنجد شذوذاً عن هذا الشائع، لكنه شذوذ يؤكد القاعدة ولا ينفيها، فليس في المثل القائل "بنت الجواد شاورها، شورها من شور أبوها" شذوذ كامل، بل من وجه واحد، لأنه في الوقت نفسه يجعل قيمة رأيها مرتبطة بقيمة والدها، وهو جواد بالضرورة، أما غير الجواد فلا قيمة لرأيه فضلاً عن رأي ابنته! فالقاعدة هي ألاّ يؤخذ رأي المرأة، بل ألا يترك لها أمر اختيار شريكها في حياتها، لذا قيل "ان خلّوا البنت ع خاطرها يا بتاخذ زمّاز يا طبّال". * الكتاب صدر عن دار أزمنة، عمان، 2001.