} استعرضت الحلقة الاولى وضع سوق التأمين في الدول العربية وحجمها وعدد الشركات العاملة في هذا القطاع، وأشارت الى ان معدل انتشار التأمين في المنطقة العربية لا يزال متدنياً مقارنة مع بقية مناطق العالم. تختلف مكونات سوق التأمين من دولة عربية الى أخرى، غير أن تأمين السيارات لا يزال يحتفظ بنصيب الأسد إذ تصل نسبته إلى نحو 32 في المئة من مجموع أقساط التأمين المختلفة، وترتفع هذه النسبة إلى ما يزيد على 40 في المئة في معظم الأقطار من غير دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن عدد شركات التأمين التي تزيد رؤوس أموالها على 100 مليون دولار هو أقل من 10 في المئة من المجموع. ومن بين شركات التأمين ال367 العاملة في المنطقة هناك 23 شركة تم تصنيفها من قبل وكالة "ستاندرد آند بورز" S&P ومنح معظمها درجات تصنيف جيدة. وهناك اصلاحات كثيرة تنوي دول عربية عدة إدخالها. ويكمن التغير الرئيسي في الخليج في محاولة زيادة مساهمة القطاع الخاص في توفير التأمين الصحي والاجتماعي. فعلى سبيل المثال سمحت دولة الإمارات العربية المتحدة بتأسيس شركات تأمين تابعة للقطاع الخاص لتوفير التقاعد والتأمين الصحي والاجتماعي للمواطنين. ويزداد الطلب في السعودية على التأمين الصحي نتيجة توجه الحكومة الى خفض الإنفاق العام. ومن المحتمل أن يزداد الطلب عندما يتم تطبيق خطة إلزام العمال الوافدين بالحصول على تأمين صحي توفره شركات القطاع الخاص. وتجري في مصر إعادة هيكلة لقطاع التأمين، وفتحت الحكومة الباب على مصراعيه للملكية الأجنبية الكاملة، وتنوي أيضاً تخصيص شركات التأمين الأربع المملوكة من الحكومة والتي تهيمن على هذا القطاع. التعاون بين شركات التأمين والمصارف كان العميل في السابق يرتبط بمصرف ما، يضع وديعة فيه ويأخذ قرضاً منه، نظراً الى ثقة معينة أو لعلاقة شخصية تربطه بهذا المصرف. غير أن الأمور اليوم لم تعد مبنية فقط على العلاقات الشخصية، وإنما على مصالح مشتركة وعلى خدمات متعددة، ومن هنا ولدت حاجة لدى المصارف لإيجاد أكبر عدد ممكن من السلع وشجعها ذلك على تقديم خدمات Bank Assurance. وهذا الأمر لا يشكل بالضرورة منافسة لشركات التأمين لأنه تكملة لما تقدمه هذه الشركات. وهذه التكملة نوعان: الأول توفير خدمات مشتركة بين شركات التأمين والمصارف والثاني أن شركة التأمين إما أن تكون مملوكة من المصرف أو العكس، اذ أن هناك شركات تأمين كبرى لها مساهمات في رؤوس أموال المصارف. ولا يمكن الحديث عن مخالفات قانونية في هذا التكامل. فالمصرف يبيع سلعة، وشركة التأمين تبيع خدماتها من خلال وسطاء التأمين، وفي هذه الحال يعتبر المصرف أحد هؤلاء الوسطاء. غير أن وسيط التأمين التقليدي لديه نوع آخر من الخدمات التي يمكن أن يقدمها لشركة التأمين ولا يستطيع المصرف أن يؤديها. فعلى سبيل المثال يستطيع وسيط التأمين أن يبيع بوليصة حريق ولا يوجد منتج اسمه حريق في Bank Assurance. لذا يكون تركيز المصرف على الشق المالي للتأمين ولا يتعاطى في الشق الخدماتي. فعلى سبيل المثال نجد أن وسيط التأمين التقليدي لا يستطيع أن يقدم خدمة التأمين التقاعدي للعميل، إذ يجب أن تكون هناك مؤسسة مالية يثق بها العميل ليتمكن من أن يضع مبلغاً من المال شهرياً ويجمده لقاء الحصول على بوليصة تأمين تقاعدي. كما ان التأمين الادخاري نوع مختلف من الخدمات لا يستطيع أن يوفرها وسيط التأمين التقليدي. فالشخص يمكن أن يضع مبلغاً محدداً شهرياً لدى المصرف لشراء بيت مثلاً أو لتوفير التعليم الجامعي لأولاده أو ما شابه، فالتأمين سيساعده على تحقيق هدفه في حال تعرضه لحادث ما. فالمصارف هنا لا تتعدى على وسطاء التأمين، وإنما تقدم خدمات تأمينية عامة لعملائها، وفي النهاية فان العميل هو الذي سيستفيد من أموال المصرف وخدماته. كما أن المصارف لا تتقاضى فائدة على هذا النوع من الخدمات، بل تدفع فائدة على ودائع العميل. فالادخار يتطلب شروطاً قانونية لا تستطيع شركات التأمين أن توفرها، والمفروض أن يكون لشركات التأمين احتياط إلزامي بمبالغ محددة، وأن تؤمن الحد الأدنى من الفائدة المالية للمدخر. لذلك نجد أن الادخار التأميني مع المصارف أكثر مرونة من الادخار التأميني مع شركات التأمين، كما أن هناك قواسم مشتركة بين شركات التأمين والمصارف. والهدف الرئيسي من الشراكة بين المصرف وشركة التأمين هو المحافظة على العميل الذي أصبح اليوم أسرع في الانتقال من مصرف إلى آخر للحصول على أفضل وآخر الخدمات المتوافرة والتي أصبحت تشمل خدمات التأمين الادخاري والتقاعدي. وكلّما وسع المصرف أفق التعامل مع العميل، كلّما حافظ على علاقة أقوى معه. فالمصرف اليوم لم يعد يهتم فقط بتقديم قرض إلى العميل أو أخذ وديعة منه، بل لا بد من أن يوفر له قروضاً شخصية وسكنية وبوالص تأمين وبطاقة ائتمان وغيرها من خدمات مكملة لعملية الإقراض. ويعاني قطاع التأمين العربي من تخمة بسبب الشركات الكثيرة الصغيرة والمتواضعة التي لا ترقى الى مستوى المنافسة المقبلة. فحجم نشاط التأمين العربي لا يزال محدوداً ولا يستدعي وجود هذا الكم الهائل من الشركات المتنافسة. ومن الأفضل تجميع هذه الشركات في نحو 40 شركة كبيرة تتمتع بالملاءة الكافية وتستطيع تقديم خدمات متطورة تتناسب مع المنافسة المنتظرة من جانب الشركات الأجنبية. كما أن محدودية التأمين على الحياة وندرة مشاريع التقاعد والادخار تتطلب قيام علاقة تعاون وشراكة بين المصارف العربية وشركات التأمين تمكن المصارف من لعب دور وسيط التأمين. * جوردان انفستمنت ترست جوردانفست