العم توم مهّد الكاتب الكاريبي ف.س. نيبول لروايته الأخيرة "نصف حياة" التي ستصدر الشهر المقبل، بالقول ان الكاتب البريطاني أ.م. فورستر لم يعرف الشعب الهندي حقاً، وان روايته "الطريق الى الهند" كانت "هراء كاملاً" وحوت مشهداً حقيقياً واحداً هو حفلة الشاي الحمقاء في مطلعها. غرض فورستر المثلي من الذهاب الى الهند، قال نيبول، كان استغلال الفتيان الفقراء في علاقته بهم كما فعل صديقه الاقتصادي جون مينارد كينز الذي استغل عمله كمدرّس في جامعة كمبريدج لإقامة علاقات مع طلبة امتنعوا عن الشكوى خشية ان تؤثر في دراستهم. بعض الليبراليين والمثليين رد باتهامه بالرجعية، ولكن بدا ان الكاتب هاجم الاستغلال في المثلية لا هذه نفسها من دون ان يتضح حقاً ما اذا كان ميّز بين الاثنتين. تعاطف فورستر مع الهند في روايته وهجا سلوك المحتل الانكليزي، لكن نيبول وجد "الطريق الى الهند" زائفة وكاذبة وصاحبها كريهاً. فورستر من أبرز الكتاب العشرين وان قال انه أكيد من انه لم يكن روائياً كبيراً، ولئن كتب ليكسب المال والاحترام جرّده نيبول من الثاني من دون حاجة الى التنازل لبلده الثاني. كان اجداده من الهنود الذين نقلهم الاستعمار البريطاني من وسط الهند الى افريقيا والبحر الكاريبي لاستغلالهم في العمالة الرخيصة. ولد في ترينيداد في 1932 وعندما زار الهند صدم بالقذارة والفقر والغيب واحتقر أهله الأصليين. ألقى نظرة باردة، ساخرة على تخلف العالم الثالث وفساده وشمل جزر الهند الغربية، بلاده، والهند وافريقيا. نيبول أصلاً مثال ساطع على قدرة المرء على تخطي حدوده. تميزه في المدرسة عاد عليه بمنحة جامعية في أكسفورد حيث شعر بالوحدة واللانتماء، وحاول الانتحار مراراً. رسائلة الجميلة الى والده دونت قتام روحه في تلك الفترة، وعززها موت الأخير قبل تخرجه. مثل مهاجرين كثر غيره لا ينتمي تماماً الى المجتمع الانكليزي على رغم أن اتقانه اللغة يتجاوز معرفة كتاب انكليز كثر بها. من أفضل كتاب جيله البريطانيين، وكوفئ بدكتوراه من جامعتي اوكسفورد وكمبريدج ولقب سير ونال وجوائز عدة منها بوكر في 1971. امتنع عن انجاب الأطفال من زوجته الانكليزية وعاشر بنات الهوى لكي يكتسب ثقة في السرير. لم ينجب لأنه أحب وحدته وفسحته وخصوصيته، قال، لكنه تزوج ثانية عندما توفيت باتريشيا في 1996، من سيدة آسيوية. العام الماضي هاجم نيبول الذي يسكن في الريف الانكليزي رئيس الوزراء البريطاني وقال انه قرصان يتزعم ثورة اشتراكية و"يدمر فكرة الحضارة في هذه البلاد"، علماً ان توني بلير ألغى أفكاراً اشتراكية من مبادئ حزب العمال. ولئن تقرب بلير من المغنين والممثلين اتهمه نيبول بخلق "ثقافة العامة التي تحتفل بنفسها". لم يحتج الى الكفاح لينجح، وبرز في عشريناته مع رواياته الثلاث الأولى The Mystic Masseur وThe Suffrage of Elvira وMiguel Street. حظي بمديح النقاد والجوائز لكنه حمّل الناشرين مسؤولية فشله في بلوغ "الأكثر مبيعاً". عندما نال جائزة ديفيد كوهن للأدب البريطاني التي تمنح عن الانجاز مدى الحياة قال انها اعتراف باخلاص المرء الأدبي و"صموده" الى النهاية. أصدر خمس روايات في الأعوام الثلاثين الأخيرة وكتباً عدة عن السفر، وكان فتيان اقصى الجنوب الاميركي اليمينيون من الناس النادرين الذين اعجبوه. انتقد ادوارد سعيد وسلمان رشدي نزعته الكولونيالية وسمياه العم توم تيمناً بالرجل الأسود خائن قومه في رواية هارييت بيتشر ستو. لكن خيبته من العالم الثالث في الستينات والسبعينات تغلبت على آماله بحركات التحرير في افريقيا وآسيا. وكان كعادته صادقاً وجريئاً الى درجة اتخذ معها مواقف ضد الموضة الفكرية الرائجة. لم يعظ كغيره في الفضائل الروحية للفقر في الهند وهو في مسكنه المريح في الريف الانكليزي، ولا جعل العالم الثالث شعاراً لأدبه أو دافع عن نفسه عندما اتهمه الشاعر الكاريبي بأنه لا يحب السود. فيديادار سوراجبراساو نيبول لم يقل لا ولم يجد ما يقنعه كفاية بقول نعم. فرويد الحفيد رساماً أغلى الفنانين البريطانيين الأحياء وربما أكبرهم، لكن لوسيان فرويد يبدو كأنه يراجع حياته شخصياً وفنياً. حفيد سيغموند فرويد البالغ من العمر تسعة وسبعين عاماً صادق أخيراً فتاة في السابعة والعشرين، وأصدر ملصقاً عرض فيه مكافأة تبلغ نحو مئة ألف جنيه استرليني لإعادة رسم صغير ظهر فيه صديقه السابق الراحل فرنسيس بيكون. سرق الرسم من معرض في برلين قبل ثلاثة عشر عاماً ويقدّر ثمنه اليوم بمليون جنيه استرليني لأهميته الزمنية. جلس بيكون لصديقه وزميله منذ خمسين عاماً قبل أن يتحول الأول الى أكبر الفنانين البريطانيين منذ ترنر ويليه الثاني الذي ما لبث أن ورث الصدارة. السنة المقبلة تقيم غاليري تيت بريتن معرضاً قد يكون الأخير لفرويد، ويشعر الفنان انه سيكون ناقصاً ان لم يضم هيئة بيكون المشحونة بغضب يغلي ويقترب من الانفجار. فرويد رسام شكل عكس صديقه الذي تمسك بالفن المفهومي، ويفضل العري لمعرفة أكثر الممكن عن جلسائه وتصوير الوضع البشري. لا حسية في العري عنده، بل تساؤل وضعف وضيق ومجرد "طبيعة" وهو لا يستثني نفسه إذ حدق في المرآة ورسم تجاعيده وجسده المتحرر من اللباس وهو يحمل الريشة ولوح الألوان. ابتعد من الأجسام الشابة الجميلة ورسم عارضة أزياء حاملاً في شهرها الثامن وامرأة بدينة ورجلاً ضخماً أصلع. وأوحى انه يهدف الى مقارنته بالمعلمين القدامى ليضمن لنفسه مكاناً متميزاً. نظرة الفنان الثاقبة لا تبغي فقط اصطياد ضعف الوضع البشري كما فعل جده، أبو التحليل النفسي، بل مكانة كبيرة أيضاً. يتعمد وضع اعماله قرب لوحات روبنز، ويفضل متحف متروبوليتان الاميركي الفخم حيث تعلق أعماله قرب أعمال غوغان ومونيه وغويا على متحف الفن العصري. لقب بأكبر الفنانين الأحياء بعد معرضه في متروبوليتان، وبدا ان هيبة المكان وجيرته مع الكبار حققت له الصورة المطلوبة. تزوج مرتين وارتبط بكثيرات ورسم احدى بناته، روز، عارية عندما كانت في التاسعة عشرة فأثار التساؤلات. رغبته في التميز قد تفسر قسوته البصرية وتجنبه الجمالية، لكن عيشه مع فتاة تصغره اثنين وخمسين عاماً قد لا يجلب له سوى الشفقة ولقب "ختيار قذر". الفتاة اشترت شقة صغيرة بعد عيشها مع رجل مسن سابقاً، وفور استقرارها مع فرويد سعت الى شراء منزل أكبر. ذلك الشعور بالفوز انتهت اواسط الشهر الماضي استعادة بضعة أعمال للموسيقي دميتري شوستاكوفيتش شملت "ضجة الزمن" و"موسكو الجنة" و"الأنف" و"ليدي ماكبث متسنسك" في لندن ومدن انكليزية أخرى. وكانت اسكوتلندا احتفلت بمرور ربع قرن على وفاته بندوات واستعادات لموسيقاه العام الماضي. في 1936 دعت صحيفة برافدا الرسمية شوستاكوفيتش "عدو الشعب" بعد عرض أوبرا "ليدي ماكبث متسنسك" وباليه "الجدول البراق" على رغم ان الأولى صورت انحطاط الحياة في روسيا القيصرية، والثانية مدحت المزارع الجماعية الجديدة. أراد جوزف ستالين الفن دعاية شيوعية ملائمة لذوقه الخشن ولم يعجبه شوستاكوفيتش لسبب ما، على رغم مزجه بين الروحي والعادي. أوقف الموسيقي عرض السمفونية الرابعة وفكر بالانتحار عند اقتناعه بعجزه عن العمل وهو خائف، لكنه ما لبث أن استجمع شجاعته في العام التالي وبدأ يؤلف السمفونية الخامسة التي أرضى بها الجميع وأنهاها بنغمة متفائلة ظاهراً. بعض نقاد الموسيقى يشك في أصالة الشعور بالفوز في آخر العمل، لكن المهم ان الموسيقي تابع العمل وألّف خمس عشرة سمفونية. قورن بالايطالي جيوزيبي فردي لكتابته اعمالاً كبيرة قريبة من ذائقة الجميع، لكن كان عليه أن يتنازل ليحقق ذلك بالاقتراب من الابتذال. لم ينتقد شوستاكوفيتش النظام مرة واحدة ورضي ان يكون نائباً في البرلمان على رغم قوله في رسائله انه بكى وصلى بمرارة عندما تعرض للضغط لينضم الى البرلمان. لم يشأ ان يكون ضحية أو بطلاً، وربما كان رجلاً جباناً كفنانين وأدباء كثر غيره يموهون خوفهم بأولوية "الرسالة" لدى المبدعين. هجا في "موسكو الجنة" الفساد في سياسة الاسكان السوفياتية، واستند في "الأنف" الى قصة قصيرة لغوغول عن موظف في القطاع العام يقص أنفه وهو يحلق فيبحث عنه في سان بيترسبرغ في حين يكتسب الأنف حياة خاصة ويصبح مستشاراً حكومياً. كتب بعد الثورة عن المجتمع البورجوازي قبلها، وهو الذي دفعته نرجسيته الى الانهماك بأنف ضائع. أوبرا "الأنف" اختفت عن المسرح السوفياتي اربعين عاماً قبل أن تعود ويستعيد الروس اعمال مواطنهم الذي عانى من المرض قبل أن يتوفى في 1975 عن سبعين عاماً.