لم تكن الاجواء السياسية التي سبقت جلسة المجلس النيابي اللبناني أول من امس والتي اعقبتها، مريحة للذين يتابعون التطورات في المنطقة، ويعتقدون ان لا مصلحة لأحد في إبقائها تتفاعل الى امد غير منظور، تاركة المزيد من الارباك الذي يعميق الانقسام الداخلي على نحو تصعب معالجته، وبالتالي لا بد من المبادرة ليس لاحتواء التجاذب فحسب وانما أيضاً لإشاعة المناخ الذي يعيد الاعتبار إلى الحوار والانفتاح خوفاً من ان يذهبا في اجازة طويلة. بيروت - "الحياة" - لوحظ بعد انتهاء اليوم الاول من الجلسة النيابية التي خصصت أساساً لإقرار اقتراح القانون الرامي الى تعديل قانون اصول المحاكمات الجزائية، على خلفية ما شهدته الجلسة من حدة وانقسام برزا في كلمات النواب التي ألقيت، ان رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري خرجا منها غير مرتاحين، على رغم انهما نجحا من خلال كتلتيهما في عدم تعريض علاقتهما برئيس الجمهورية اميل لحود لاهتزاز يهدد العلاقات الرئاسية ويدفع بالبلد الى مصير مجهول. لكن حماية العلاقات الرئاسية لم تقلل من المخاوف السياسية التي سيطرت على الجلسة، ولا من التساؤلات التي طرحت وبقيت من دون أجوبة، واكدت مصادر وزارية ونيابية كانت ايدت التعديلات المقترحة على قانون اصول المحاكمات، أن الجلسة انتهت الى تكريس معادلة غير صحية قياساً بالتأزم المخيم على المنطقة. وقالت ل"الحياة" ان توافق الرؤساء الثلاثة على التعديلات لا يفي بالغرض المطلوب، وان كان انقذ العلاقات بينهم من ورطة هم في غنى عنها، في مقابل توليد مشكلة يخطئ من يستسهل التعامل معها، كأنها طارئة تزول مع الوقت. وأشارت المصادر الى ان هذه الاجواء امتدت الى القصر الجمهوري، حيث ان الرئيس اميل لحود الذي تابع عن كثب تفاصيل ما دار في الجلسة لم يكن مرتاحاً، رافضاً التعاطي مع النتائج على اساس انها انتهت الى فرز بين فريقين: رابح وخاسر، وبقي الاستنفار السياسي مستمر ويشتد. وأكدت المصادر ان مبادرة لحود بالاتصال ليل اول من امس ببري والحريري، تأتي في اطار تقويم الوضع انطلاقاً من عدم الاستخفاف بما حصل، وقد تجاوز في اتصاله الاحاديث الشخصية الى التداول في ما يمكن القيام به، تمهيداً لعودة الوضع الى مجراه الطبيعي، خصوصاً ان ما هو قائم في حال استمراره لا يشجع على مواصلة التحضيرات لاستضافة القمة الفرنكوفونية او الاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر باريس - 2 المخصص لمساعدة لبنان في تحقيق الاصلاح المالي والاداري الذي يتطلع اليه، بغية التغلب على المشكلة المتعلقة بهيكلة الدين العام وخفض خدمته السنوية. وتابعت ان اتصال لحود وان كان بمثابة مؤشر إلى فتح صفحة جديدة لتثبيت العلاقات الرئاسية، أتاح الفرصة للقيام بمبادرة لتطويق اجواء التوتر السياسي، على قاعدة التأسيس لها، بدعوة بري والحريري اليوم إلى تناول الغداء الى مائدته في بعبدا. ويبدو ان الغداء الرئاسي لن يكون الخطوة اليتيمة على طريق تنقية الاجواء، وانما سيتابع بدعوة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إلى "غداء سياسي" ظهر الخميس 23 آب أغسطس الجاري، اي ريثما يعود الاخير من زيارة خاطفة للاردن، اضافة الى تجديد الاتصال بالبطريرك الماروني نصرالله صفير ليس بهدف تبديد الاجواء السلبية التي رافقت جولته على الشوف وجزين وانما لاطلاق الحوار مجدداً. وأوضح القصر الجمهوري ان صفير وجه دعوة الى لحود لتناول طعام الغداء الى مائدته، فرد الأخير شاكراً وواعداً بتلبيتها خلال الايام المقبلة. ولم يعرف هل يلبي جنبلاط الدعوة وحيداً او يرافقه وفد من اللقاء الديموقراطي النيابي الذي يتزعمه، أقله حضور الوزراء الذين يمثلونه في الحكومة، علماً ان رئيس التقدمي على رغم الموقف الذي عبّر عنه في الجلسة والتحذيرات التي اطلقها، حرص على عدم الذهاب في موقفه الى حدود ضرب علاقته برئيس الجمهورية، مبدياً استعداده للحوار معه. ويبدو ان اركان الدولة اخذوا بنصيحة دمشق الداعية الى وجوب احتواء المواقف المحدثة وان مصلحة لبنان العليا تتطلب تثبيت الاستقرار السياسي والحفاظ على حد ادنى من التواصل كأساس لمتابعة الحوار وعدم تعريضه لانتكاسة يمكن ان تودي به الى المجهول، اذ ان الامساك بالوضع الامني لا يكفي ما لم يكن مدعوماً بتماسك سياسي.