يتحدث مقربون من دمشق عن علاقتها برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب اللبناني وليد جنبلاط بلغة تجمع بين "الخيبة واللوم والمرارة شعوراً منها انها لا تريد أن تخسر حليفاً لها بوزنه السياسي، أخذت تشعر ابتعاده عنها تدريجاً، لأسباب ما زالت تجهلها، ولم تعرف حتى الساعة أبعادها وخلفياتها، سوى أنها راحت تراقب تماديه في الحديث عن الوجود السوري والعلاقات اللبنانية - السورية على نحو يشجع الآخرين على تناولها من زاوية سلبية". وأكد المقربون ل"الحياة" أن دمشق "صبرت على جنبلاط وتحملت موقفه في شكل يفوق قدرتها على تحمله من أي حليف آخر، رغبة منها في الحفاظ على علاقتها به، وانطلاقاً من تقديرها ان ما يحصل الآن لم يكن أبعد من سحابة عابرة، يعود بعدها الى مراجعة حساباته وتقويم علاقاته بعدد من الذين يراهنون على اندفاعه في اتجاه خانة المعارضة للتوجه السوري في لبنان". وتابعوا: "ان صبر دمشق في تعاطيها مع جنبلاط لم ينفد إلا بعدما سمح لنفسه بتجاوز الخطوط الحمر، في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر فيها لبنان وسورية في ظل التهديدات الاسرائيلية التي يحاول البعض الرهان عليها من أجل تنظيم هجوم مضاد ضدها لاستهداف وجودها الأمني ودورها السياسي". وأضافوا: "ان سورية اضطرت الى اتخاذ قرار في ضوء الموقف الذي صدر عن جنبلاط في جلسة الثقة النيابية، يعتبر استمرار علاقتها السياسية به غير مستحبة، ولم يعد من مبرر للتواصل السياسي معه على المستوى الرسمي السوري، من دون أن يبلغ حدود منعه من دخول الأراضي السورية". وأكد المقربون أن دمشق تحرص دائماً على دعم الصيغة السياسية اللبنانية القائمة على التوازن ولا تحبذ قهر فريق لآخر، وكيف إذا كان حليفاً تحرص على دوره كطرف فاعل في المعادلة الداخلية، أما وأن جنبلاط لم يبادر بمراجعة مواقفه، فلم يكن أمامها إلا توجيه انذار قد يكون نهائياً، ما لم يستفد من تجارب الماضي والحاضر في علاقاته، وصولاً الى عدم "تزويد" خصوم سورية مادة سياسية دسمة يوظفونها في هجومهم الذي أخذ يقترب من التعرض للهيبة السورية وهذا غير مسموح به". وتوقف المقربون من دمشق أمام الأجواء التي سادت العامين الأولين من ولاية الرئيس اميل لحود و"حرص دمشق على دعم رئيس الجمهورية وانجاحه، وكانت نصحت بأن يعطى الفرصة لأنه صادق في خياره السياسي الذي لا غبار عليه، لكنها شعرت ان المشكلة لم تكن فيه انما في الحكومة التي شكلت ولم تتدخل سورية في تأليفها". ورأوا أن دمشق "دخلت على خط اسداء النصح، خصوصاً بعدما تدهورت علاقة لحود برئيس الحكومة رفيق الحريري حين كان خارج السلطة، وبجنبلاط في آن، وقامت بكل ما في وسعها، لترميم العلاقة على قاعدة اشاعة المناخ الذي يسمح بفتح صفحة جديدة للتعاون". وأكدوا ان دمشق "نجحت في تبريد الأجواء بين لحود والحريري وكادت تحقق انجازاً مماثلاً على صعيد علاقة الأول بجنبلاط، علماً أنها بذلت جهداً فوق العادة، انتهى الى سحب معظم القضايا العالقة من التداول لأنها كانت تنذر بالحؤول دون التأسيس لتعاون جديد، فدهش الجميع، مؤيدين ومعارضين، للنفس الطويل الذي اتبعته وأدت الى قيام زواج سياسي بين لحود والحريري، يجمع بين النار والبنزين في إناء واحد، من دون أن يتسبب ذلك بأي انفجار سياسي، لا بل قاد الى تعاون مثمر بدأت طلائعه تظهر في تأليف الحكومة الجديدة". وأضاف المقربون: "لكن دمشق لاحظت أن العلاقة لم تلحم بين لحود وجنبلاط على رغم الرغبة التي أبداها الأول في مقابل عدم تخلي جنبلاط عن بعض هواجسه القابلة للعلاج لو لم يستمر في تناغمه مع قوى معارضة في العمق للدور السوري، ما يخفي مشاريع خاصة، ورهانات قاتلة من الوجهة السياسية". وأكدوا أن العلاقة بين لحود وجنبلاط "كادت تنفجر أثناء الاستشارات لتشكيل الحكومة، لكن تدخل دمشق أدى الى التهدئة مع ان كلام رئيس التقدمي أمام رئيس الجمهورية لم يكن له ضرورة". ولفتوا الى أن "مشروع التشكيلة الحكومية التي تألفت من 24 وزيراً وسربت الى الاعلام، راعت جنبلاط وأعيد النظر فيها لترتفع الى 30، لاستيعاب ملاحظاته، وعدد من القيادات المسيحية في شأن التمثيل الماروني في الجبل". وتابعوا: "ان دمشق لم تعرف دوافع انتقال جنبلاط فجأة الى المعارضة. حاولت تهدئته، الى أن أطلّ من منبر المجلس بكلام في شكل يتعارض وحرصه على التحالف مع سورية، ما أدى الى طرح تساؤلات عن مستقبل العلاقة معه لمعرفة هل لديه خيارات بديلة وهل يريد التفريط بالعلاقة التاريخية، خصوصاً أن موقف المعارضة يستقوي بكلامه". وتحدث المقربون عن "القضايا التي طرحها جنبلاط فور وصول لحود الى الرئاسة وكيف أدت سورية دوراً في اشاعة تعاط ايجابي معها، ومنها قانون الانتخاب الجديد الذي كان أعرج لعدم مساواته بين اللبنانيين، لكنه أرضى جنبلاط، الذي عاد واعترض عليه لاستيعاب الجو المعارض اضافة الى تعديل قانوني الأوقاف الدرزية ومشيخة العقل، وامتناع دمشق عن فرض تحالف قسري مع خصمه النائب طلال ارسلان". ويشير المقربون من خلال هذه الوقائع الى "مدى الانفتاح السوري على جنبلاط، فضلاً عن اللقاء المهم الذي عقد بينه وبين الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد وساده جو من الصراحة المتناهية وخرج منه جنبلاط مرتاحاً واتفقا على ضرورة التواصل". واعتبروا ان المشكلة "لم تكن في دمشق، ويجب أن يسأل عنها جنبلاط، والحل عنده لا عندها ونحن نأمل بأن تشكل الصدمة بداية لإعادة احياء الحلف الذي يحتاج الى وقت لترميمه، ولن يستعيد وهجه في المدى المنظور". وعلى صعيد الاتصالات التي باشرها عدد من مسؤولي الحزب التقدمي مع رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري، فإن الأخيرين يتريثان في القيام بأي جهد "ما لم يساعدهم جنبلاط في ذلك، إضافة الى أن الجو الراهن لا يسمح في المدى المنظور بمفاتحة المسؤولين السوريين في هذا الأمر، وهما بعثا برسالة الى الأخير تشير صراحة الى عدم ارتياحهما الى المواقف التي اتخذها والى أن أي دور منهما يحتاج الى تحضير على قاعدة ان العلاقة مع سورية خيار استراتيجي، لا يخضع للتبدلات والظروف الطارئة. وقد أحيطا علماً بأن جنبلاط ملتزم البيان الوزاري وان ما طرحه لا يتناغم أبداً مع الآخرين، من الذين يطالبون بالانسحاب السوري".