لا تزال الغواصة الروسية النووية "كورسك" ترقد في قاع مياه بحر الشمال الباردة، بعد عام على غرقها، وبالتالي فهي لا تزال تثير الأسئلة عن ملابسات الكارثة التي أودت بحياة 112 بحاراً كانوا على متنها. وشكل الحادث آنذاك صدمة للرأي العام وللقيادات العسكرية والسياسية نظراً الى ان "كورسك" تنتمي الى احدث جيل من الغواصات النووية. وعلى رغم ان الغواصة غرقت في 12 آب اغسطس من العام الماضي، الا ان الكشف عن الحادث تأخر يومين. ولم تعلن المصادر الرسمية الروسية الخبر الا بعدما تناقلته وكالات الأنباء الغربية، لكن هذه لم تكن المفارقة الوحيدة التي رافقت الحادث، اذ عاش الروس اسبوعاً من الانتظار في شأن مصير الغواصة. وتناقضت البلاغات التي صدرت عن الحادث واستمرت المصادر الروسية في الحديث عن مؤشرات تدل إلى وجود أحياء داخلها، وأكدت تلقي اشارات استغاثة وقدمت معلومات متناقضة عن وجود اتصال مع الطاقم. وظهر تباين آخر في تصريحات المسؤولين الروس عن وزن الغواصة وطبيعة الأسلحة الموجودة فيها، وعن احتياطي الاوكسجين داخلها. وفي حين رفض الجنرالات في شدة على مدار اسبوع كامل قبول اي مساعدة خارجية لانقاذ بحارتها، اضطروا الى الاستعانة بعد ذلك بفرق انقاذ بريطانية ونروجية. وفي محاولة للتخفيف من موجة الغضب لدى الرأي العام عمد المسؤولون الروس الى التأكيد أن جميع أفراد الطاقم قتلوا في الدقيقتين الأوليين للحادث، الا ان مفاجأة مثيرة لم تلبث ان وقعت بعد أسابيع قليلة، عندما عثر في جيب بحار انتشلت جثته على رسالة كتب فيها ان زهاء 23 بحاراً تجمعوا في القطاع التاسع بعد اخفاقهم في استخدام مخرج الطوارئ، وأشار فيها الى انهم ينتظرون العون الخارجي. وكان هذا البحار واحداً من 12 بحاراً انتشلت جثثهم قبل توقف عمليات الانقاذ بسبب تردي الأحوال الجوية. وما زالت الأسباب الحقيقية وراء غرق "كورسك" مجهولة على رغم تشكيل لجنة حكومية للتحقيق في الحادث. وكانت اللجنة طرحت في البداية احتمالات عدة، أبرزها اصطدام "كورسك" بغواصة أجنبية، رجحت المصادر الروسية ان تكون أميركية او بريطانية، لكن الخبراء بدوا أخيراً اكثر ميلاً الى الاعتقاد باحتمال ان يكون انفجار داخلي وراء الحادث. وسجل انفجاران داخل الغواصة التي كانت تقوم عند غرقها بتدريبات على اطلاق طوربيدات بحرية حديثة. ومنذ ان تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأهالي البحارة المنكوبين انتشال جثث ابنائهم، غدا الحديث عن رفع "كورسك" من قاع البحر نوعاً من "رد الاعتبار وحفظ ماء الوجه" لسمعة روسيا. ويرجح ان تتم المرحلة الأخيرة من عملية الانتشال في أيلول سبتمبر المقبل، بعدما بدأت شركات بريطانية وهولندية العمل في موقع الحادث، وتمكنت من تفكيك بعض أجزاء الغواصة لنقلها الى قاعدة بحرية وتحديد أسباب غرقها، محاولين بذلك إنهاء واحدة من اكثر القضايا التي أثارت الجدل في روسيا خلال حكم بوتين.