عرقلت التيارات الجوفية والأمواج العاتية عمليات اجلاء طاقم الغواصة النووية الروسية "كورسك" التي غرقت في بحر بارنتس الشمالي بسبب انفجار طوربيد أو لاصطدامها بقطعة بحرية تابعة لإحدى دول حلف الأطلسي. وأعلن القائد العام للاسطول ان الأمل في انقاذ 116 بحاراً "ضئيل". وغدا الحادث صدمة للرأي العام والقيادات العسكرية والسياسية، نظراً إلى أن "كورسك" تنتمي إلى جيل أحدث الغواصات المصنفة في الغرب ضمن "الأوسكار" أي الأفضل. وقد غرقت الغواصة التي تحمل الرقم "ك 141" مساء السبت، ولكن أول بلاغ رسمي صدر عن موسكو كان نهار الاثنين بعد ظهور أنباء في وكالات الأنباء الغربية. وشكلت لجنة حكومية للاشراف على عمليات الانقاذ عهد بقيادتها إلى نائب رئيس الوزراء ايليا كليبانوف الذي يشرف على ملف التصنيع العسكري. وقد أعلن اثر سلسلة اجتماعات عقدها أمس ان "الوضع معقد"، وقال إن قراراً اتخذ باجلاء الطاقم المؤلف من 116 شخصاً، غالبيتهم من الضباط وضباط الصف، وهذا يعني ان اللجنة أقرت بعدم وجود أمل في انقاذ الغواصة ذاتها. وكانت أعمال الانقاذ بدأت في الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الاثنين - الثلثاء، إلا أن التيارات الجوفية والأعاصير فوق سطح البحر أعاقت انزال جهازين غاطسين من طراز "كولوكول"، وهو عبارة عن غواصة صغيرة، إلى عمق 108 أمتار، حيث استقرت "كورسك". وكان من المفترض أن يقوم الجهازان بتزويد الغواصة الكهرباء والاوكسجين وسائر مقومات إدامة الحياة، إلى جانب فحص أماكن العطب والشروع باجلاء البحارة على دفعات. وكانت "كورسك"، التي تعمل بالطاقة النووية، تشارك في تدريبات في بحر الشمال وعلى متنها طوربيدات وصواريخ "غرانيت" المضادة لحاملات الطائرات. وأعلن انها غرقت مساء السبت لأسباب غير معروفة، وذكر قائد سلاح البحرية فلاديمير كوريدوف أنه يرجح وقوع انفجار في قسم الطوربيدات أو اصطدامها بسفينة أو غواصة ليست روسية. ولكن القائد السابق لأسطول الغواصات يفغيني تشيرنوف نفى احتمال العطل الفني الداخلي، وتحدث عن "أسباب خارجية". واعترفت وزارة الدفاع الأميركية بوجود قطع بحرية تابعة لها في بحر بارنتس كانت تتابع مناورات الاسطول الروسي، إلا أنها نفت "تورط" أي منها في الحادث. وعرضت الولاياتالمتحدة وبريطانيا ودول أخرى مساعدة روسيا في انقاذ الغواصة، إلا أن كليبانوف قال إن بلاده "تملك ما يكفي" من المعدات اللازمة ولا تحتاج لأي مساعدة، وشدد على أن المفاعل النووي للغواصة توقف عن العمل ولم يعد يشكل خطراً على البيئة. إلا أن وقف المفاعل يعني كارثة للطاقم، إذ أنه يحرم البحارة من الهواء النقي والإنارة ووسائل الاتصال. وقدر الخبراء ان البطاريات الموجودة قادرة على تأمين تنقية الهواء لمدة تراوح بين 2-3 أيام. وللتعويض عن أجهزة الاتصال جرى استخدام "شيفرة النقر" للتخاطب مع الطاقم الأسير في قاع البحر، وحتى هذا الاسلوب لم يعد اتباعه ممكناً بسبب الأعاصير التي تمنع تلقي "الرسائل". وقد أعاقت الرياح عمليات الانقاذ التي بدأت بعد ظهر الثلثاء وذكر وزير الدفاع ايغور سيرغييف انها ستتسارع مع انخفاض سرعة الرياح. واعتبر الجنرال رومان بوبكوفيتش، المستشار العسكري لرئيس الدولة، ان الحادث هو "نتيجة السياسة الخاطئة لوزارة الدفاع وللموقف من الجيش عموماً"، وانتقد "الشحة" في تمويل القوات المسلحة. وكان كثيرون من الخبراء والقادة العسكريين أشاروا إلى أن الجيش والاسطول يعانيان من نواقص خطيرة في المعدات التي لا تجرى صيانتها بسبب ضآلة الموارد. ووجهت الصحف الروسية انتقادات مريرة إلى القيادتين السياسية والعسكرية لاهمالهما رعاية القوات المسلحة. يذكر ان "كورسك" تنتمي إلى جيل من الغواصات بدأ تصنيعه أواسط الثمانينات وقدرت كلفة الغواصة الواحدة آنذاك ب220-230 مليون دولار، أي ما يعادل 10 في المئة من قيمة حاملة الطائرات الأميركية "روزفلت". ومعروف ان غواصات "اوسكار 1" الروسية مخصصة لضرب حاملات الطائرات والسفن المرافقة لها.