غادر مركب مطاطي ساحل مدينة الحسيمة، شمال المغرب، يوم 30 تموز يوليو الماضي. كان يُقل 30 مهاجراً غير شرعي. وجهتهم: ساحل إسبانيا الذي لا يبعد أكثر من 15 كلم تفصل بين ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية، لكنها بالقدر نفسه تفصل بين الموت والحياة، وبين أوروبا وإفريقيا، وبين الواقع والتمنيات. سيكون للطبيعة تأثيرها على حياة هؤلاء المهاجرين. إذ ان فصل الصيف يُشجع المغامرين الشبان على الهجرة نظراً الى هدوء البحر وتراجع حدة الموج. لكن حظ هؤلاء - أو بعضهم - كان عاثراً هذه المرة. إذ فاجأتهم عاصفة عاتية في عرض البحر. كان عليهم ان يتدبروا أمرهم وان يختاروا بين الغرق الجماعي أو تخفيف حمولة مركبهم. لكن الأمر لا يتعلق هنا بسلع تجارية يمكن التخلص منها وتعويضها بغيرها، بل بأجساد وأرواح بشرية. وتفيد روايات أمكن جمعها لاحقاً ان شجاراً عنيفاً اندلع بين المهاجرين أدى الى سقوط 11 منهم في عرض البحر أو رميهم من المركب، في حين تابع آخرون طريقهم الى ساحل الميرية، جنوباسبانيا. وروى أحد الناجين ان راكباً اتصل بحرس السواحل الإسباني من هاتف نقّال كان يحمله طالباً النجدة. لكن بطارية هاتفه نفدت، ولم يتمكن الإسبان من تحديد مكان الزورق بالضبط. ليست هذه المرة الأولى بالطبع التي يموت فيها مهاجرون خلال رحلتهم الى إسبانيا. فقصص "قوارب الموت" معروفة. وقصص سائقي الشاحنات الذين يعثرون على جماجم بشرية مهشمة لأشخاص حاولوا الإختباء في شاحناتهم خلال عبورها من طنجة الى إسبانيا، معروفة بدورها. وفي حين ان حالات الوفاة هذه تحصل من دون عمد، فإن حادث "الغرقى" في قارب الحسيمة لم يتحدد بعد هل هو قتل عمد أم عرضي حصل خلال تدافع المهاجرين للنجاة بأنفسهم. في أي حال، لن تدفع حادثة الغرق هذه المهاجرين المحتملين الى وقف مغامراتهم هذا الصيف ولا الصيف الذي بعده. إذ افادت السلطات الإسبانية انها أوقفت أمس 289 مهاجراً غير شرعي وصلوا الى سواحل طريفة جنوب البلاد. وبين هؤلاء 230 شخصاً ضُبطوا على متن اربع زوراق مطاطية و55 على متن سفينة بمحرّك واحد. ومن صدف التاريخ ان الهرب من الموت كان حافزاً لدى مغاربة لعبور البحر المتوسط... سباحة. ولا يعرف كثيرون ان الملازم محجوب الطبجي الذي كان مرافقاً للجنرال أحمد الدليمي، غادر المغرب الى إسبانيا ثم فرنسا مباشرة بعد مقتل الدليمي في حادث سير سنة 1983. لم يغادر الطبجي بلاده كما يُغادر المهاجرون الحاليون ب "زوراق الموت". غادر سباحة من ساحل طنجة الى الساحل الإسباني. كان بطلاً مرموقاً في السباحة. لكن تمسكه بالحياة دفعه الى المغامرة بمغادرة المغرب. إذ انه كان يواجه اختياراً بين موت محقق في المغرب، وموت محتمل في البحر. ففضل الخيار الثاني بالطبع.