"أوقفوا نهب المواقع الأثرية، وسرقة القطع، وتخريب الآثار المهمة، لا تساعدوا الناهبين ولا تشتروا الاشياء الممنوع تصديرها، أحموا التراث الثقافي لجميع البلدان". هذا هو شعار اليونيسكو في دعوتها لاحترام الممتلكات الثقافية وحمايتها. وفي هذا الإطار استضافت القاهرة أخيراً اجتماعاً دولياً حول "الممتلكات الثقافية الاسلامية المسلوبة"، شاركت في تنظيمه اللجنة الوطنية المصرية لليونيسكو والمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم الثقافية ايسيسكو وجمعية الدعوة الاسلامية العالمية وحضره مندوبون من الاردن وايران وباكستان والبوسنة والهرسك وطاجيكستان وسورية، والعراق وفلسطين وليبيا ومالي والسنغال والمغرب واليمن وبروناي ومصر. وحضره أيضاً ممثلون لجامعة الدول العربية ورابطة الجامعات الاسلامية وعدد من الاختصاصيين في التراث والآثار من مصر. وخلال الاجتماع قدم جعفر عبدالسلام، الامين العام لرابطة الجامعات الاسلامية، ورقة عمل اوضح فيها ان الممتلكات الثقافية للدول الاسلامية تشمل ما أنتجته حضارات سابقة على الاسلام. وأشار الى أن الممتلكات الثقافية عموماً تنقسم الى الممتلكات المنقولة أو الثابتة ذات الاهمية التراثية الكبرى مثل البنايات، سواء ذات الطابع الديني او الدنيوي التي تكتسب قيمة تاريخية او فنية والمخطوطات والكتب والمجموعات العلمية. كما تشمل المتاحف ودور الكتب والابنية التذكارية. وعاد بالذاكرة الى ما تعرضت له الممتلكات الثقافية الاسلامية عبر الزمن من اضرار "فهي تارة سد تسير عليه اقدام المغول، وتارة تسرق او تهدى لتحقيق مصالح شخصية، كانت محل نهب الاستعمار دائماً، وبالتالي فإن جزءاً كبيراً من نتاج الفكر العربي الاسلامي ليس في يدنا، على رغم أننا نحتاج الى اكتشاف كنوز هذا الفكر المخبأ في المعارض والصالات المغلقة". وخلال الاجتماع الذي استمر ثلاثة أيام نوقشت أوراق عمل حول وجهات نظر البلدان المشاركة في كيفية استعادة الممتلكات الثقافية المسلوبة. ومن جانبه اشار المستشار القانوني للمجلس الاعلى المصري للاثار هشام سرايا الى أن اتفاق اليونيسكو الذي أقر في باريس العام 1970 سجل فصلاً بين عهدين: عهد تواصلت فيه سرقة الآثار، وعهد آخر قررت فيه دول العالم احترام الممتلكات الثقافية. ولكن عيوب هذا الاتفاق كما يقول سرايا - تتلخص في أنها غير ملزمة لأي دولة إلا منذ تاريخ توقيعها عليه. وأضاف أن هناك عيباً آخر في موضوع التعويض، فأحياناً يكون الحائز على الأثر ليس هو من سلبه، وبالتالي يقضي الاتفاق بتعويضه فأصبح الأمر وكأننا نشتري الأثر، كما أن استرداد الأثر لا يتم إلا من خلال التقاضي أمام المحاكم في الدولة التي يوجد فيها الشخص الحائز على الأثر أو المنتج الثقافي. وحذر اتفاق روما للعام 1995، والتي دخلت حيز التنفيذ في تموز يوليو 1998، وقال إنها تصب في مصلحة الدول التي تستورد الآثار وتتعامل مع المهربين، فهي تقرر مبدأ تقادم المطالبة بالأثر وتحدده بثلاث سنوات من تاريخ العلم أو افتراض العلم بسلبه من دون أن توضح كيف يجري هذا، إذ أنها تتعامل مع الدول كما تتعامل مع الأفراد في القانون المدني، ولذلك لم توقع عليها مصر. ومن جانبه أكد مندوب جمعية الدعوة الإسلامية العالمية إبراهيم علي الربو ضرورة التنسيق العربي والإسلامي لاسترجاع الممتلكات الثقافية والآثار التاريخية. وأضاف: "إننا نحتاج إلى حملة إعلامية دولية تستخدم تقنيات ثورة المعلومات لتنبيه مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى خطورة هذه القضية". وفي كلمتها أمام الاجتماع أكدت ممثلة منظمة اليونيسكو ماري رودل أن هذه المنظمة ستواصل جهودها لمساعدة وتشجيع الدول على استعادة ممتلكاتها الثقافية. وأشارت إلى دور الانتربول في هذا الموضوع. وقالت: "إن المدير العام لليونيسكو اقترح مشروع اتفاق دول لحماية الممتلكات المغمورة بالمياه، سيعرض على المؤتمر العام المقبل للمنظمة". وأشارت المسؤولة عن ملف القدس في جامعة الدول العربية فريال بيرقدار إلى محاولات إسرائيل المستمرة لتهويد القدس والمسجد الأقصى وتسجيل موقع "جبل داود" ضمن ممتلكاتها الثقافية، وهو ما يخالف قرارات الشرعية الدولية واتفاق حماية التراث العالمي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والتوصيات الصادرة عن اليونيسكو والتي أدرجت مدينة القدس على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر. وأوصى الاجتماع بضرورة مساعدة الدول لحصر وتسجيل وتوثيق ممتلكاتها الثقافية المسلوبة وإعدادها في قوائم، ونشرها على مواقع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الايسيسكو على شبكة "الانترنت". كما أوصى بالعمل على إنشاء اتحاد للأثريين في الدول الإسلامية وتشجيع الدول على التصديق على اتفاق اليونيسكو للعام 1970 باعتباره الإطار القانوني العام الذي يحمي الممتلكات الثقافية لشعوب المجتمع الدولي، ودعوة الدول الأعضاء في المنظمة الإسلامية إلى رفض توقيع اتفاق روما لسنة 1995 لأنها تتعارض مع مصالح الدول المسلوبة آثارها. واهتمت التوصيات بالقدس والممتلكات الثقافية للشعب الفلسطيني اهتماماً خاصاً، فكان من أهم التوصيات في هذا الشأن حشد الجهود الإسلامية الرسمية والشعبية لرفض الطلب الإسرائيلي المقدم الى لجنة التراث العالمي لليونيسكو بشأن تسجيل "جبل داود" تحت مسمى "جبل صهيون" ضمن ممتلكات إسرائيل الثقافية، وطالب الاجتماع بمخاطبة الرأي العام العالمي لدعم الموقف الفلسطيني والعربي والإسلامي في مواجهة الطلب الإسرائيلي في الاجتماعات المقبلة للجنة التراث العالمي في العاصمة الفنلندية هلسنكي في كانون الأول ديسمبر المقبل.