مع ان "الاعلام العربي"، بالعربية وللقراء والمشاهدين والمستمعين العرب، مجزأ تجزئة العالم العربي نفسه الى درجة لا تسوغ تسميته ب"الاعلام العربي"، فان السنوات الاخيرة شهدت تطوراً نوعياً في وسائل الاعلام العربية لجهة المضمون والتقنيات ولكن خصوصاً في مجال نشر الوعي في ما يتصل بالقضايا القومية العليا التي تلقى شبه اجماع في الرأي العام العربي، وفي مقدمها التوجه نحو ارساء الاسس الديموقراطية في مجتمعاتنا، والصراع العربي الاسرائيلي ومعاناة الشعب العراقي تحت الحصار الدولي. ولكن على الصعيد الخارجي، خصوصاً في الدول الغربية وفي مقدمها الولاياتالمتحدة، ما زال الصوت الاعلامي العربي خافتاً غير فعّال، وما زال الميدان مفتوحاً للدعاية الصهيونية الاسرائيلية التي تسرح وتمرح من دون ان يتصدى لها احد سوى عدد من الكتّاب الغربيين من اصحاب الوعي والضمير الحي. والاعلام الخارجي العربي الناجح يفترض وجود اجماع على مستوى الدول العربية في ما يتعلق بالقضايا العربية البارزة كقضية فلسطين وضرورة انهاء الحصار المفروض على العراق، والا فان تفرّق الكلمة في ما يخص مثل هذه القضايا سينسف النشاط الاعلامي الخارجي. واذا كانت دولنا القطرية تتعامل مع الدول الغربية على اساس ثنائي في امور كثيرة، فان التعامل على هذا الاساس امر سيادي لا يمكن الاعتراض عليه. اما عندما يتعلق الامر بقضية عربية عليا تتعلق بالامن القومي، فان الامر يصبح مختلفاً، بل يجب ان يكون مختلفاً وان يجري التعامل فيه ضمن اطار الجامعة العربية . وعندئذ يمكن ان يستند الاعلام الى النهج السياسي المشترك لمجموعة الدول العربية. لقد اتخذت جامعة الدول العربية في عهد امينها العام الجديد عمرو موسى خطوة اولى مهمة بتعيينها الدكتورة حنان عشراوي مسؤولة عن اعلام الجامعة العربية، وتزامن ذلك مع اهتمام موسى بتطوير اداء الجامعة واسلوب عملها، وهو ما لقي دعماً من دول عربية كبرى من بينها المملكة العربية السعودية. ويؤمل ان يكون هذا الاهتمام بتطوير اداء الجامعة وتعيين الدكتورة عشراوي بداية انطلاقة اعلامية عربية مدروسة في الغرب، خصوصاً في هذا الوقت الذي تشتد فيه الهجمة الصهيونية على الشعب الفلسطيني، اغتيالاً وقتلاً وقضماً للارض، وتضليلاً على الصعيد الاعلامي والسياسي في الغرب. ان المجتمعات الغربية الديموقراطية، مهما كان انحيازها وانحياز حكوماتها ضد العرب ومصالحهم، مفتوحة امام من يريدون اسماع صوتهم ويمكن فتح قنواتها المسدودة بالمثابرة والاهتداء الى الوسائل الصحيحة والمناسبة، ولا ينبغي ان نستسلم سلفاً قبل ان نطرق الابواب. وينبغي ان نتشجع بالاصوات الحرة في الغرب التي تميّز بين الجرائم الهائلة التي ارتكبها النازيون ضد اليهود وبين الجرائم الوحشية التي يرتكبها الاسرائيليون في حق العرب. كما ينبغي ان نتشجع بالجهود المبذولة الآن لمحاكمة مجرم الحرب رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون في بلجيكا وبمواقف المنظمات الدنماركية الشعبية المطالبة باعتقال السفير الاسرائيلي المعيّن لدى الدنمارك كارمي غيلون لممارسته التعذيب ضد الفلسطينيين عندما كان رئيساً لجهاز "شاباك".