أغلق الجيش الأميركي سبل النفاذ إلى غالبية مواقعه على الإنترنت، بعدما أصيبت خوادمه ملقّماته بفيروس جديد، اسمه "الرمز الأحمر Red Code. وهو من نوع "منع الخدمة"، لأنه يستنسخ نفسه من خلال قراءة الملفات الأصيلة، التي تقبع في خادم الشبكة، ويرسل النسخ إلى خوادم أخرى. بالتالي، يتكاثر ويعطّل النُظم، ويمنع دخول المستخدمين المخوّلين. وأُفيد أن الفيروس الأحمر ظهر، الاسبوع الماضي، في نحو 300 ألف من المواقع المدنية والحكومية والعسكرية في الولاياتالمتحدة، ولوحظ رصد خلل في بعض خوادم شبكة "مايكروسوفت". وكانت الشركة أعلنت عنه، الشهر الماضي، وأصدرت برنامجاً لتصحيحه. ولكن يبدو أن هذا البرنامج لم يُثبّت في كثير من المواقع العسكرية على الإنترنت، يفترض أن تكون محصّنة ومنيعة ضد أي نوع من الهجمات، فأمست "فريسة" للفيروس الأحمر. واستنفر البنتاغون خبراءه الالكترونيين، في معركة تذكر بالأفلام الحربية الأميركية: مبنى ضخم، خماسي الأضلع، يظهر في الشاشة بعيداً ثم يقترب، بينما "تُكتب" كلمات تشير إلى اسم المكان والوقت: Pentagon, 6:23:47am. وفي أكثر الأحيان، تصاحب المشهد موسيقى "هادرة"، تنمّ عن جدّية الموقف ورصانته ودقّته، في أحلك أوقات الخطر الخارجي على الولايات المتّحدة، أكان مصدره إرهابيين أم مخلوقات فضائية. إنه مبنى البنتاغون الرهيب، قلعة الهيبة الأميركية، حيث حُضّرت ولا تزال التكتيكات الحربية، صوناً للأمن القومي ودفاعاً عن "الحلم الأميركي". ووراء الجدران السميكة للوزارة، بدأ المخطّطون العسكريون، أواسط تسعينات القرن الماضي، الاستعداد، سرّاً، لغزو الفضاء الافتراضي تحسّباً لنشوب "حرب رقمية" cyber-war، أو "حرب معلوماتية"، info-war يخوضها عبر اجهزة الكومبيوتر "هاكرز" قراصنة من العسكريين، في محاولات لتدمير البُنى التحتية للأعداء من خلال لوحات المفاتيح، بدلاً من القذائف أو الرصاص. عام 1996 كشف كتيّب تدريب، عنوانه "الحرب المعلوماتية للجهلاء"، Information Warfare for Dummies، أعدّه البنتاغون، ويشرح الهدف الأول للمشاة المزوّدين اجهزة كومبيوتر محمولة، أثناء حرب معلوماتية: "تدمير نُظم الأشرار أو إضعافها وحماية نظامك". وفي الكتيّب معلومات عن الوسائل التي يستخدمها "المقاتلون المعلوماتيون"، info-warriors، منها الفيروسات واختراق الشبكات وتعطيل الدوائر الإلكترونية ضمن بقعة تمتد كيلومترات، وامكان اطلاق "القذائف" الرقمية المعطّلة من الطائرات... ويستطيع هؤلاء المحاربون تضليل أعداء أميركا، إذ يجعلونهم يشاهدون مناظر مركّبة، مثلما حصل في فيلم "فورست غامب" توم هانكس، أو "واغ ذا دوغ"، أي هزّ الكلب داستن هوفمان. ولم يهمل الكتيّب المسائل الأخلاقية، إذ أثار الأمر جدلاً بين المسؤولين العسكريين. ومنهم من يخجل من تلك الممارسات، بسبب القضايا الأخلاقية والقضائية الناجمة عن "الهاكينغ"، أو العبث بنُظم الآخرين. وإبّان الطلعات الجوية لقصف يوغوسلافيا، عام 1999، شنّت اميركا هجمات الكترونية على أهداف عسكرية وخدمات مدنية صربية. ثم أوقفتها بسبب المسائل الأخلاقية المحيطة ب"ميدان المعركة الجديد". ويذكر الكتيّب أن من أخطر وسائل التعطيل ما يُعرف بفيروسات "منع الخدمة"، وفيها تُمطَر الشبكات بوابل من البيانات، فتتعطّل. ويبدو أن الشبكات العسكرية الأميركية ضعيفة أمام هجمات من هذا النوع، لأنها تتوقّف على الشبكات العمومية المدنية لتنفيذ عملياتها المالية والتعبوية واللوجستية. وتوقّع بعضهم أن هجمة واسعة على البُنى المعلوماتية للولايات المتّحدة قد تُغرق البلاد في أزمة اقتصادية، كالتي حصلت في ثلاثينات القرن الماضي. وقد تأتي الهجمات المعادية كرد على الممارسات الأميركية، الافتراضي منها والواقعي. وبالفعل، شنّ "هاكرز" صينيون هجمات على مواقع رسمية أميركية على الإنترنت، بعدما قصفت الطائرات الأميركية خطأ السفارة الصينية في بلغراد. وفي نيسان أبريل الماضي، وإثر أزمة طائرة التجسّس بين الصينوالولايات المتّحدة، شنّ الجانب الصيني هجمات مماثلة ومتكرّرة على موقع البيت الأبيض ومواقع حكومية أخرى، ووضع صورة الطيّار الصيني، الذي قتل في الحادث، في موقع وزارة العمل.