تتوافر الانترنت، في الحديث عن دورها في حدث عام وراهن مثل "انتفاضة الأقصى"، على هيئة أداة تقنية ذات قدرات وازنة، تأتيها من العلم والتكنولوجيا، ما يجعلها جاذبة للانتباه، وخصوصاً لدى الجمهور العربي. ويستحضر لسان الحدث "شيئاً ما" شبه محدد، هو علاقة تلك القدرات مع الإعلام العام Mass Media. وثمة من يرى في الانترنت الواسطة الصاعدة للإعلام، وحلولها تدريجاً محل باقي الوسائط، خصوصاً التلفزيون الذي نعيش ذروة إمساكه بالإعلام. ذهب الأنّاس الفرنسي جان بوديارد الى القول ان تغطية التلفزة وشبكاتها، وخصوصاً "سي.ان.ان." لحرب الخليج هي ما أحضر تلك الحرب الى عيون الغرب بعد مضي أربعين سنة على آخر حرب عاشها حقاً. وتبدو تلك الخلاصة البودرياردية بعيدة، راهناً، من الانطباق على واقع الحال الإعلامي للانترنت. ليس بعد... ولكن كأنما قرُبَ زمن أن يناقش الجمع حرباً، لأن الانترنت "أحضرتها"، في معنى التظهير والوجود والمرور الى العقل من نوافذ كالعين، الى الإعلام العام. لا يزال التلفزيون هو الحدث الأقوى إعلامياً، وبعض مواقع الانترنت جعلت صور الكاميرات في صدر صفحات منازلها، أي ان استدراجها العيون ودخولها المجال العام، ما زال متكئاً على ما قبل الانترنت من وسائط. ويعلن موقع "النشرة" من غزة، نفسه موقعاً رسمياً للانتفاضة، فيجعل من الصور التلفزيونية للطفل محمد الدرة في صدر صفحته: http://www.multimania.com/annashra حرب المعلوماتية في غيبة أدواتها صدَّر الكاتب الراحل غسان كنفاني دراسته "في الأدب الصهيوني" بعبارة مفادها ان الصهيونية قاتلت في جبهة الأدب قتالاً يفوق ما فعلته على أي جبهة أخرى. وبعد عقود، تبدو هذه العبارة مدعاة للتفكير والنقد، خصوصاً لجهة تصنيف ما هو "قتال"، وجعلها أساساً في مقصد الكتابة! ويجدر تفحص تلك السابقة إذا قُصد النظر الى النصوص المعلوماتية وحركتها على الانترنت، من منظار القتال والحرب. ويخشى أن يصبغ المنظار الرؤية بلونه، وأن يحوّر أبعادها بأفعال عدسته. لنحاول تفحص السؤال: هل ثمة حرب عربية - اسرائيلية على الانترنت؟ للقياس على الشواهد، يمكن العودة الى حرب كوسوفو، حين خاض الصرب حرباً معلوماتية إبان الغارات الأطلسية على يوغوسلافيا. إذ أُمطرت مواقع البنتاغون بالفيروسات الالكترونية التي حاولت المناوشة على خطوط اللوجستيك المعلوماتي للأطلسي. وفي الولاياتالمتحدة الأميركية، ظهرت مجموعات حربية حاولت وأفلحت أحياناً في اختراق أنظمة الكومبيوتر للبيت الأبيض والكونغرس والمارينز وغيرها... وفي حينه، لفت الإعلام الى خطورة أدوات المعلوماتية وأساليبها كمثل الاختراق، ومجموعاته "هاكرز" والفيروس، على أنها قد تشكل مستقبلاً وسائل الدول الصغيرة في مواجهة قوى تفوقها. وفي ذلك قياس على الأسلحة الجرثومية البيولوجية التي يرى الاستراتيجيون انها السلاح الأقل قوة. ويُعزى الأمر فوراً الى تذكر الأخوة عزام، المكفوفين الذين اعتقلتهم اسرائيل قبل أشهر، لأنهم قدروا على اختراق أنظمة الأمن المعلوماتي الإسرائيلية. فهل يمكن الحديث عن حرب في غيبة أدواتها؟ اصطفاف اعلامي وفي الوقائع، يُسجل لإسرائيل تفوقها الكاسح في المعلوماتية، وهي تضم وحدها قرابة نصف مستخدمي الانترنت في المنطقة. والمثال قطرة من فيض. ومن النافل استعادة قوة الإعلام الإسرائيلي عموماً. وتبرز كثافة لافتة في المواقع الإعلامية الإسرائيلية على الشبكة، خصوصاً مواقع الصحافة الإسرائيلية. ومن حيث المضمون، فإن الخيط المشترك في الإعلام المعلوماتي الإسرائيلي ان "المخاطب المضمر" هو الفاهمة العامة الغربية وعقلها. وبالمقارنة تبدو المواقع العربية، وخصوصاً تلك التي تنهض بالنطق عن الانتفاضة أو تدعمها، موجهة عموماً الى العربي. ويعطي موقف "حزب الله" و"حماس" أمثلة عن تلك المخاطبة: http://www.moqawama.org http://www. palestine - info.net ويصلح موقع "نساء خضر" نموذجاً للدعم الإعلامي للجيش الإسرائيلي وتبرير عنفه المفرط ضد الفلسطينيين. فهو يمزج المرأة بالبيئة ومقولات "السلام"، ويستشهد بمقالات لصحافيين أميركيين وأوروبيين، في مزيج قريب من الذائقة الغربية عموماً. http://www.womeningreen.org وفي المتابعة اليومية للانتفاضة، تشكل الانترنت منفذاً لمواقع فلسطينية لنقل وقائع الانتفاضة الى الانترنت، مع ملاحظة ضعف البيئة التحتية للمعلوماتية في أراضي السلطة الفلسطينية، علماً ان نسبة مهمة منها تستخدم خادم Server الجامعة العبرية في القدس. http://www.at carma.com ولوحظ ان الوصول الى المواقع الرسمية للسلطة الفلسطينية صار صعباً، عقب الغارات الإسرائيلية. http://www/.pna.net وتلفت مبادرات عربية جعلت نفسها على وقع الانتفاضة، خصوصاً تلك التي دعت الى جمع تواقيع لتأييد مطلب تشكيل لجنة دولية للتحقيق في العنف الإسرائيلي، وأبرزها موقع "نيوز أوف ذي غلف" و"أروب" اللذان تمكن كل منهما من جمع نحو عشرة آلاف توقيع، قبل ان يتوقفا بعيد مقتل جنديين اسرائيليين في رام الله.... http://www.aroob.com http://www.newsof the gulf.com وأقام موقع "أروب" بيت عزاء لشهداء الانتفاضة، في حين تولى موقع ww.hlf.org جمع الأموال لدعمها. وأعطى موقع الصحافة العالمية صوتاً خافتاً، على رغم أهميته، في دعم حقوق الصحافيين الفلسطينيين الذين استشهد عدد منهم في الانتفاضة. http://www.cpj.org/committee protect journalist اضافة الى اهتمام مواقع الاغتراب العربي، خصوصاً في الولاياتالمتحدة، بالتعريف بحيثيات الانتفاضة ويومياتها وخلفياتها. http://star.arabia.com http://www.arab rights/org http://www.1001 sites http://www.people mephis.edn/N palestine http://www.hanania.com http://www.merip.org ولربما ذكّرت هذه الصورة بالحال في وسائط اعلام أخرى. ولعل الواقع العربي هو الجذر المشترك بين متفرق "العبارات" العربية على وسائط الإعلام العام.