قفزتان في يوم واحد حوّلتا مدينة غلاسكو البريطانية قِبلة لأنظار ملايين مرضى الأورام الخبيثة في العالم. ففي بداية أعمال "المؤتمر الدولي عن السرطان"، أعلن البروفسور البريطاني بوب براون اكتشاف دواء جديد، هو "ديسيتابين" DECITABINE، يضعف خلايا الورم السرطاني، فيجعلها أكثر قابلية لاستجابة العلاج بالأدوية الكيماوية. وأحدث البروفسور الأميركي كارل أندرسون، الذي يعمل في أحد مختبرات نيويورك، هزّةً إيجابية بين المشاركين في "مؤتمر التنظيم الجيني والسرطان" بكشفه نوعين من الجينات يعملان على حفظ الحال الطبيعية من التركيب الجيني في الخلايا، مما يرفع مقاومة الجسم للورم الخبيث. ويربط بين الحدثين العلميين ارتكازهما إلى البحوث الحثيثة في مجال علم الجينات وهندستها. ومنذ اكتشاف الخارطة الوراثية الكاملة للإنسان الجينوم، تحركت الآمال بأن تساعد هذه الأبحاث على إيجاد علاج للمرض المميت، لكن الجهود العلمية لم تؤت ثمارها مباشرة. ويصلح ما كشفه أندرسون نموذجاً لهذا الأمر. فأثناء عمله في جامعة كامبريدج قبل 18 عاماً، اكتشف جيناً بشرياً يساعد على حفظ الخلايا وتجدّدها. ومع إعلان خارطة الجينوم، هذا العام، تنبّه إلى مقدرة ذلك الجين نفسه على حفظ النظام الداخلي في الخلايا الطبيعية وحمايتها من العوامل المُسَرْطِنة. والمعروف أن الأذى الذي تُلحقه هذه العوامل بالخلية هو نقطة البدء لدفع خلايا الانسان نحو نمط غير طبيعي من التكاثر، فتصير سرطاناً. ومع الحماية التي يعطيها الجين، واسمه DNA-PK، تتوقف تلك العملية من التحوّل الخبيث. وينطبق الوصف نفسه على جين آخر هو p53، الذي اكتشفه أخيراً البروفسور الاسكتلندي ديفيد لاين. وهو جين يعمل على تنبيه الخلايا إلى ما يلحق بها من أذى بفعل العوامل المُسَرْطِنة. وبسبب هذه الوقاية التي تعطيها الجينات الطبيعية، أشار أندرسون إلى الجينوم باعتباره "قلعة ضخمة". ولم تَغِب صورة حماية الجينات عن اكتشاف البروفسور براون دواء "ديسيتابين"، لكنه سار بها في الاتجاه المعاكس. ويعمل الدواء من خلال إضعاف الحماية التي يعطيها بعض الجينات لخلايا السرطان، مما يمكن هذه الأخيرة من مقاومة علاج بعض الأدوية الكيماوية. ويتيح "ديسيتابين" أملاً برفع نسب الشفاء، خصوصاً في حالي سرطان المبيض والقولون.