بات جهاز الكومبيوتر من الأمور الضرورية لدى عائلات كثيرة، وجزءاً من الحياة اليومية، سواء للتسلية أو لاكتشاف الجديد أو للتواصل مع الأشخاص البعيدين. وهو يطرح تساؤلات عن تأثيره في الحياة العائلية الاجتماعية، كونه يقلّص مساحات التواصل مع الغير، إذ يلتهم وقت مستعمله. ويتأفف الأهل، عادة، من تمضية أولادهم معظم أوقاتهم في اللعب على الكومبيوتر أو الإبحار عبر شبكة الإنترنت، إضافة إلى مشكلات أخرى يكبر حجمها أو يصغر. وثمة إشكالية خفيّة لا يتنبّه اليها كثر تتعلّق بالمكان الذي ينبغي "حجزه" لجهاز الكومبيوتر في المنزل. قد يبدو الأمر بسيطاً بالنسبة إلى البعض، لكنّه يطرح مشكلة حقيقية لدى عائلات كثيرة، ولم يكتشف أي حلّ لها. وفرض الكومبيوتر نفسه ضرورة ملحّة، خصوصاً مع إدخاله في مناهج الدراسة، ولكن يبدو أنه لم يتمكّن إي اليوم من فرض مكان "طبيعي" يختص به وحده دون سواه. والجهاز ليس قطعة أثاث عادية يمكن تنسيقها مع الديكور في المنزل، ولا لعبة نرميها في زاوية، ولا تلفزيوناً يجد موقعه الطبيعي في صدر الصالون، ولا برّاداً يحتلّ المكان الرئيس في المطبخ، ولا غسّالة ليوضع في غرفة الغسيل... إلخ. إنّه كومبيوتر: صاحب "وظائف" متعدّدة، ويصلح للعمل والتسلية والاتصال والبحث والدّرس وما إلى ذلك. وتصعّب هذه الخصوصية على العائلة تحديد مكان خاص به على غرار ما حصل، مثلاً، مع الراديو والتلفزيون اللذين تقبلتهما العائلة في الصالون، من دون أن يسبّبا إزعاجاً لأحد، في حين نرى الكومبيوتر تائهاً ومشتتاً. ويتمثّل الرّكن الأكثر "شعبيّة" في غرفة النوم. ويقول هادي 19 عاماً: "في غرفتي أدرس وألعب وأستمع إلى الأغنيات على صوت عالٍ، وأجد حرية أكبر في التصرّف". ويمثل الهدوء سبباً آخر لوضع الكومبيوتر في غرفة النوم، على ما تؤكّد دنيز 28 عاماً، وهي تنهي دراسات عليا في العلوم السياسية. "أحتاج أحياناً إلى القيام بأبحاث على الإنترنت تفوق الساعات الست، والأمر صعب جدّاً في الصالون بسبب الزوّار و"العجقة"، لذا فضّلت أن أضع الكومبيوتر في غرفتي إلى جانب مكتبي". ويحتل مكتب العمل المرتبة الثانية، وفيه يتصدر الكومبيوتر زاوية أساسية. وربما بدا هذا الموقع مثالياً، لكن قلة من الأسر تقدر على تخصيص مكتب خاص للعمل في منزلها. ويضع السيّد ريشار بريدي، وهو مدير بنك، الكومبيوتر النقّال أمامه على المكتب، فيما يرتاح الكومبيوتر الكبير الى جانبه... وذلك ترف لا يحظى به كثر من الناس! لا شكّ في أن مشكلة المكان تتقلّص بالنسبة الى الكومبيوتر النقّال الذي يمكن الاحتفاظ به في حقيبة خاصّة قد يضعها صاحبها حتى في خزانة الألبسة، إذا لزم الأمر. أمّا المكان الأقلّ شعبية، على ما يبدو ممّن التقتهم "الحياة"، فهو الصالون، إذ يوضع الجهاز هناك بسبب ضيق الغرف وعدم وجود مكتب خاص. ولهذا المكان سيّئات كثيرة، وتقول السيّدة جورجينا عبّود، وهي في العقد الرّابع من عمرها: "تحوّل الصالون عندي نادياً للألعاب، إذ يتجمّع يومياً، عصراً، أكثر من عشرة أولاد من أصدقاء إبني للتسلية بالألعاب الإلكترونية، وكثيراً ما ينتهي بي الأمر بطردهم جميعاً، لما يحدثونه من ضجّة وصراخ"! أمّا أحمد 20 عاماً فيعاني الأمرّين في الدّراسة: "لا أستطيع التركيز على أي بحث أقوم به، ولا على أي رسم أو تصميم، بسبب كثرة الزوّار وأصواتهم، وبسبب نشرة الأخبار التلفزيونية التي يأبى والداي الاستماع إليها إلا على صوت عالٍ".