يدخل بعض الأجهزة الكهربائية البيوت السورية بأبهة وعظمة، ويكون مجالاً للتباهي والتمايز وإشارة إلى المكانة الاجتماعية. لذا تختار العائلة مكاناً ظاهراً للجهاز الجديد في شكل يراه كل من يزور المنزل، ولعل الصالون هو المكان الأنسب ل"العرض". ووجد التلفزيون مكانه، في سهولة، خصوصاً أنه جهاز مشترك للعائلة والضيوف. وبدا تربعه في صدر الصالون أمراً طبيعياً. وحل البرّاد الثلاجة أيضاً في الصالون، ولم يسترح في مكانه، أي المطبخ إلا بعد سنوات طويلة، وحين صار امتلاكه أمراً عادياً. وتتذكر مريم 67 سنة: "كان البراد يوضع في غرفة الجلوس، وإذا حضر أحد الضيوف يكرّم بأن يجلس في الكرسي الأقرب إليه!". أبهة أقل وراهناً، يحل الكومبيوتر على العائلات السورية "ضيفاً عزيزاً"، ويبقى اختيار مكانه محكوماً لدى البعض بفكرة التباهي. وتقول هدى: "الصالون هو المكان الأنسب للكومبيوتر ليعرف الجميع أننا نواكب الحضارة والتقدم!". وتدفع أسباب أخرى العائلات السورية إلى اختيار المكان. ومثال ذلك ما قاله عماد: "من المفترض أن يكون الكومبيوتر جهازاً مشتركاً". ويؤكد حسن العادلي: "بعد شراء الجهاز اختلفنا أين نضعه، خصوصاً أنه جاء بناء على رغبة الأولاد، لكنني أعمل عليه أحياناً، وكذلك زوجتي، لذا قررنا وضعه في غرفة الجلوس". وفي منحى المكان المشترك، يؤكد جلال عودة: "أنا وزوجتي ليس لدينا أدنى اهتمام بالكومبيوتر، لكن إصرار الأولاد ورغبتنا في أن يتعلموا لغة العصر، دفعنا إلى شراء كومبيوتر، وضعناه في غرفة إبني البكر. وبعد أشهر عدة، أثار هذا الجهاز فضولي وطلبت من إبني أن يعلمني وكذلك زوجتي... وانتقل الجهاز إلى غرفة الجلوس، وخصصنا له ركناً واسعاً مع كرسي مريح". وعلى رغم ان 60 في المئة من السوريين يشترون الجهاز من أجل أولادهم، إلا أنه لا يوضع في غرفة الاولاد! وتشير إحصاءات إلى أن أكثر من 70 في المئة من العائلات السورية المتوسطة الدخل يمتلك كل منها جهاز كومبيوتر واحداً تضعه في غرفة الجلوس، و20 في المئة في غرفة الاولاد، والبقية في غرفة المكتب. ويختلف الأمر لدى العائلات الغنية، والتي تستطيع امتلاك أكثر من جهاز، ما يعني تخصيص جهاز لكل فرد من الاسرة، ولا يشكل هؤلاء سوى شريحة صغيرة من المجتمع السوري. وبلغ عدد اجهزة الكومبيوتر في سورية عام 1999، بحسب احصاءات قام بها الاتحاد الاوروبي، 250 ألفاً، اي ما يعادل 5،1 في المئة من عدد السكان، وهي نسبة متدنية مقارنة بباقي دول العالم. وتشير ارقام انتشار اجهزة الكومبيوتر إلى ان 60 في المئة منها موجودة لدى مؤسسات القطاع العام، و20 في المئة في مؤسسات القطاع الخاص. اما الافراد فلا يحصلون على سوى 20 في المئة. وكانت الاسرة السورية اظهرت في السنوات الخمس الماضية اهتماماً متزايداً بشراء الكومبيوتر. ويشير الخبراء الى ان "الاستهلاك ارتفع من سبعة آلاف عام 1994 الى 15 ألفاً العام الماضي". وقدروا حجم الانفاق العام على الكومبيوتر بنحو ثمانية ملايين دولار. ونظراً الى ارتفاع اسعار الكومبيوتر، لا يتسنى للجميع اقتناءه، وفي غالب الاحيان تستطيع الاسرة شراء جهاز واحد. ويقول المهندس عمر عبدالرحمن: "لا شك في ان لمستوى دخل الفرد تأثيراً كبيراً في عملية اقتناء اجهزة الكومبيوتر للاستخدام الشخصي، إذ يعادل ثمنه في أحسن الأحوال وأبسط النوعيات أضعاف الدخل الشهري للموظف". وتختلف اسعار الحواسيب، بحسب ميزاتها، وهل هي اصلية ام جمعت محلياً. ومتوسط السعر هو ثلاثون ألف ليرة سورية نحو 600 دولار، اي ستة اضعاف متوسط دخل المواطن في سورية.