ربما شكل دخول عالم التكنولوجيا رغبة عامة، اذ تتكاثر من حولنا الأجهزة بأكبر من قدرتنا على معرفة خصائصها أحياناً. يربض التلفزيون أمامنا، وإلى جانبنا الثلاجة وفوق رؤوسنا جهاز التكييف، وتملأ الألعاب الإلكترونية مساحة الترفيه العائلي، ويتعرض كل شبر من البيت لزحف الأجهزة. ثم وفد الكومبيوتر إلى البيت، وكانت له هالة مختلفة، لأنه يحمل وعداً بعلاقة أكثر مباشرة مع العالم بواسطة الإنترنت، وبتسهيل التراسل والاتصال. ولكن كيف تتخذ الأسر العُمانية قرار شراء الكومبيوتر؟ وهل يملك جميع أفرادها معرفة كافية بهذه السلعة الجديدة؟ في مسقط، تتكاثر محال بيع أجهزة الكومبيوتر في شكل عنيف. وكلمة العنف تعني أنها تصدم المرء أينما يمم وجهه، كأنها تهدد من لا يزورها بالخروج من العصر. وأتاح معرض "كومكس"، الشهر الماضي، فرصاً متعددة للشراء، ضمن صفقات شملت تقسيط الكومبيوتر والكرسي والطاولة. والسؤال المهم هو من يملك القرار في الأسرة للسماح للكومبيوتر بدخول البيت؟ وكيف يتم الشراء؟ القرار للرجال... ولكن ويوضح حمد خميس السعدي، من ولاية السويق شمال مسقط، أن قرار الشراء انطلق "مما كنت اسمعه عن الكومبيوتر وعالم الإنترنت، وأحسست بالشعور بالتخلف إن لم أبادر بشراء جهاز. وأقنعت نفسي بأن اخوتي وأولادي سيفيدون منه، خصوصاً أن زوجتي موظفة وتحتاج إليه في أداء مهام عملها". ويضيف السعدي أنه لم يشاور أحداً في الأسرة في أمر شراء الكومبيوتر، وأنه تردد كثيراً بعد قرار الشراء وتدبير مبلغ المال الذي هو أقل من ألف دولار تقريباً. وعزا تردده إلى كثرة الأنواع "إذ لا أدري ما النوع الذي يناسبني. فالانسان عدو ما يجهل. وكنت أجهل كل شيء عن الكومبيوتر ما عدا ميزاته التي أسمعها من الأصدقاء. استعنت بصديق لي اشترى جهاز كومبيوتر قبلي، وجلت معه على محال بيع الأجهزة الكثيرة، وجمعت منها معلومات تتعلق بالسعر وما يقابله من ميزات... فازدادت حيرتي أكثر. كان لا بد من إغماض العين وشراء أي جهاز، خصوصاً بعدما ضمنه لي البائع، عاماً، مع صيانته". ويتابع السعدي: "في اليوم الأول، لم أتنفس من مزاحمة بقية الأسرة لي، وفي اليوم التالي اتصل بي أحدهم يخبرني أن الجهاز توقف، فأدركت أن المعرفة يجب أن تسبق شراء جهاز كومبيوتر!". قرار مفتوح ويقول أحمد علي، من ولاية لوى، إن شراء جهاز كومبيوتر كان قراراً عادياً، نظراً إلى الحاجة الماسة إليه. "لدي ولدان، وأسكن في بيت والدي، وكنت مدركاً أهمية هذا الاختراع الرائع في حياتنا، ولم أفكر في قرار الشراء كثيراً، بل انتظرت توافر المبلغ لتنفيذه". ولكن هل استشار والده؟ "والدي رجل طاعن في السن لا يتدخل في مثل هذه القرارات، بل يركز على أن يتعلم اخوتي الصغار الكومبيوتر لأنه أصبح في صلب المناهج المدرسية". وكيف نفذ قرار الشراء؟ "كانت المعلومات متوافرة لدي وذهبت إلى المحل مباشرة وقارنت الميزات بالأسعار. ونظراً إلى قرب الولاية التي أسكن فيها من دبي، ذهبت إلى هناك لمعرفتي بالسوق والأسعار والمنافسة القوية التي تخفض الثمن إلى حد مقبول". وفي تجربة زمزم محمد، من مسقط، أن القرار داخل العائلة كان مفتوحاً لمن يملك ثمن شرائه، ولا دخل لكون رب الأسرة رجلاً أو امرأة. "ذهبت إلى معرض "كومكس 2000" لأفاجأ بأن القرار ليس سهلاً، إذ ثمة عشرات من الأنواع المتباينة ميزة وسعراً، ما اضطرني الى العودة إلى البيت والاتصال بزملائي الذين لديهم خبرة في هذا المجال". وأضافت زمزم: "بعدما اشتريت الجهاز، لم أستمتع به بسبب إصرار اخوتي الصغار على الافادة من الألعاب الموجودة فيه. وفي اليوم التالي ذهبت إلى البائع لتصليح "اللخبطة" التي ضربته منذ اليوم الأول". نصيحة البائع ويؤكد خميس الخوالدي أن الطلب على شراء أجهزة الكومبيوتر ازداد كثيراً لدى الأسر العمانية بفعل حال من التفتح في المجتمع، مع وصول جيل من الشباب إلى مرحلة تكوين أسر تضم زوجات متعلمات وأطفالاً يذهبون إلى مدارس حديثة ومعاهد لتعليم الكومبيوتر. ويشير أصحاب محال الكومبيوتر، مثل المهندس ناصر العطية من شركة "مدينة المعلومات" في مسقط، إلى وجود نوعين من الزبائن: أحدهما مدرك بالضبط ما يريد شراءه، والآخر يسأل عن النوع المناسب له، وهذا لا بد من تقديم النصيحة إليه. "وأحرص على أن أضع نفسي مكان الشخص الراغب في الشراء، من خلال معرفة الجهاز الذي يناسبه، وفق متطلباته وموازنته". وكيف يمكن الحصول على ثقة الزبون، في ظل وجود أجهزة التجميع وتباين الأسعار بين الأجهزة المجمعة والماركات المعروفة؟ يرد العطية بربط انتشار التجميع مع حاجة الناس إلى أجهزة متطورة ورخيصة، ولو غابت عنها الماركة العالمية، و"نحصل على الثقة من التعامل المستمر مع الزبون وتأمين الصيانة الدائمة والاستعداد لحل مشكلات الاستعمال وغيرها".