حرص الفنان أحمد زكي على القاء كلمة قبل بداية العرض الخاص الأول لفيلم "أيام السادات"، قال فيها إنه كان يود أن يكتب في بطاقة الدعوة: "ممنوع اصطحاب المحمول والأطفال والأفكار المسبقة". وذكَّر الحاضرين بأن الجميع يجلسون في سينما، وليسوا في مقر حزب سياسي أو مؤسسة حكومية، وأنه صنع فيلماً مصرياً لا علاقة له بالسياسة. ثم أكد حكاية المصرية ونفى العلاقة مع السياسة ثلاث مرات، وشكر لأسرة السادات حضورها عرض الفيلم، مع أن الحاضرين منها كانوا أرملته السيدة جيهان السادات وبنتيها وابنها، في حين لم تدع فروع أخرى من العائلة، بما فيها السيدة اقبال ماضي زوجة السادات الأولى، على رغم ظهورها في الفيلم، حيث أدت دورها الفنانة سلوى عثمان. فلم تحضر، لا هي ولا بناتها، لأن من الصعب اجتماعها مع جيهان في مكان واحد. لا يحسد عليه يبدو أحمد زكي في موقف لا يحسد عليه. فبعد ظهور موجة الشباب الجدد، وانحسار الفرص والمشاهدين عن جيله، وتدني عائد فيلمه الأخير "أرض الخوف" واصلاً الى مليون جنيه ونصف المليون فقط، وعدم قدرته حتى على اللحاق بعادل إمام، ومفاجأة الجميع بملايين محمد هنيدي، ثم علاء ولي الدين، وآخراً وليس أخيراً ظاهرة هاني رمزي... بعد كل هذا لم يعد أمام أحمد زكي سوى السير في هذه الطريق: تقديم الشخصيات العامة التي أدت أدواراً مهمة في تاريخ مصر. وهذه الفكرة ليست وليدة اللحظة الراهنة، إذ سبق له، هو نفسه، أن قدم شخصية طه حسين في مسلسل "الأيام"، وجمال عبد الناصر في "ناصر 56"، ويحاول الآن أن يؤمم أكبر عدد من الشخصيات ليجسد أدوارها، مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي، والرئيس حسني مبارك في فيلم عن الضربة الجوية الأولى، وهو مشروع أخذ الموافقة عليه من الرئيس شخصياً. ويواجه أحمد زكي مشكلات كثيرة في هذا الاتجاه. فهو يحاول أن يتناسى أن اقتناعات الممثل، إنساناً وفرداً، لا بد من وجودها عندما يتوقف أمام قضايا الحياة، وأنها تعبر عن نفسها، سواء رغب الفنان في ذلك أم لم يرغب. ومن المعروف عن أحمد زكي أن له موقفاً سابقاً ضد السادات. فمن منا لا يذكر حكاية الشريط المجهول المصدر الذي ظهر في باريس سنة 1982 ووصل إلى القاهرة؟ كان عنوانه "السادات يرثي نفسه"، وفكرته تقوم على تصور أن السادات يتحدث عن اغتياله وقتله. كان الشريط بصوت أحمد زكي، الذي برع في تقليد صوت السادات بطريقة كلامه. كان يمكن القول إن فكرة تقديم "أيام السادات" انطلقت من هذا الشريط، لولا أنه كان شديد العداء للسادات والسخرية منه، والتركيز على لازماته، أقصد لازمات السادات في الكلام. إدانة أحمد زكي لم يكتف بهذا، بل أن عدداً كبيراً من أفلامه، في عقدي الثمانينات والتسعينات، يدين حكم السادات مثل: "عيون لا تنام" 1981، "الحب فوق هضبة الهرم" و"البريء" 1986، "البيه البواب" 1987، "زوجة رجل مهم"، "أحلام هند وكاميليا" 1988، "ضد الحكومة" 1992، وعندما قام ببطولة فيلم "ناصر 56" 1996، شارك في صورة مباشرة أو غير مباشرة في الكثير من المواقف ضد السادات، بل كان يتصرف باعتباره ناصري الهوى والميل طوال مدة العمل في الفيلم وعرضه، مع أنه يصرح الآن أن "ناصر 56" لم يكن فيلماً ناجحاً من ناحية الاقبال الجماهيري. أحمد زكي هو الفيلم، والفيلم هو أحمد زكي. كان المتحمس الاساسي والوحيد له، والدولة المصرية لم تكن كذلك، فاستخدم جيهان السادات لممارسة ضغوط عليها، وتولى هو الانتاج بنفسه، الى أن قررت الدولة مشاركته فيه. ولأن الفيلم كلف - بحسب أوراق أحمد زكي - ستة ملايين جنيه مصري، قدم قطاع الانتاج إليه ثلاثة ملايين، على أن يقسم عائد عرضه داخل مصر بنسبة 70 في المئة لقطاع الانتاج - على ما قال مدحت زكي رئيس قطاع الانتاج وهو ليس شقيق احمد زكي طبعاً - و30 في المئة لأحمد زكي، على أساس أنه سيحصل على مردود عرضه خارج مصر، كاملاً. اسم أحمد زكي يتكرر في عناوين مقدمة الفيلم، خمس مرات، كان أغربها أنه هو صاحب الرؤية السينمائية للفيلم. وهو تعبير مطاط يكتب كثيراً في مقدمات الأفلام، لكنها المرة الأولى تكتب عن ممثل. والجميع يعرف أنه لم يكتب حرفاً واحداً في السيناريو، الذي تولاه أحمد بهجت، هو الذي سبق له كتابة القصة والسيناريو والحوار لفيلم "امرأة من القاهرة" عام 1973، وكان من اخراج محمد عبد العزيز. وكان أحمد زكي قصد جيهان السادات اثناء كتابة السيناريو، للاتفاق معها على الخطوط العريضة للفيلم، وقالت له أثناء ذاك اللقاء: "إفعلوا ما شئتم، ولكن لا بد من التركيز على أمرين، الأول أن السادات هو بطل الحرب، والثاني أنه بطل السلام. هاتان هما معركتا عمره، ولا بد من إبراز هذا". مشكلة أحمد زكي أنه يركز على قدرته الفردية الخاصة في التمثيل، وهو فعلاً من أهم القادرين على التمثيل والتشخيص، بل ربما كان الأهم. لكنه لا يبدو معنياً بتقديم هذا التمثيل في اطار عمل فني مقبول، ولا أقول جيداً أو ممتازاً أو عبقرياً، بل أن فيلم السادات لا تتوافر فيه شروط الحد الادنى لأي فيلم سينمائي، ولا يزيد في أحسن حالاته عن عمل تسجيلي لا أكثر ولا أقل. ربما اعتقد أحمد زكي أن قدرته على التمثيل والتقمص والأداء كفيلة وحدها بإنجاح الفيلم والوصول به الى الحد الأقصى من الجودة والنجاح. حكاية أخرى محمد خان مخرج "أيام السادات" حكاية أخرى، فهو أحد أهم مخرجي السينما العربية في النصف الثاني من القرن العشرين. أفلامه تصل الى القلب مباشرة، لأنها افلام سينمائية مكتملة، تتوافر فيها كل الشروط الفنية، ثم أنه مؤسس سينما المكان، سينما الطرق. وفي أفلامه نشاهد شبق الشوارع والطرق والحارات، في شكل لم يسبقه اليه أحد من قبل في السينما العربية على الأقل، ولم يجرؤ أحد، إلى الان، على الاقتراب بعده من هذا المشروع. لكن مشكلة محمد خان مع فيلم "أيام السادات" تتجلى أولاً في أن مشروعه السينمائي قائم من أوله إلى آخره على ادانة عصر السادات، خصوصاً أفلامه: "ضربة شمس" 1980 و"الثأر" 1982 و"نصف أرنب" 1983 و"خرج ولم يعد" 1985 و"مشوار عمر" و"عودة مواطن" 1986 و"سوبر ماركت" 1990 و"فارس المدينة" 1992. وهذه الادانة تمت من خلال أعمال فنية بالغة حد الاكتمال الفني، والعذوبة. الأمر الثاني، أن محمد خان لم يكن على وفاق مع أحمد زكي. كان الأمر بينهما أقرب الى الحروب والمعارك، وقد نشر خان في جريدة "القبس" الكويتية يوميات إخراجه هذا الفيلم، وهي وثيقة شديدة الاهمية عن يوميات مخرج مبدع، يأخذ عمله بأكبر مقدار من الجدية والفن. وعندما قابلته آخر مرة، في منزل الفنانة معالي زايد، اقترحت عليه، بحسن نية، نشر هذه اليوميات في كتاب يتزامن صدوره مع عرض الفيلم. وقد وصف اقتراحي بأنه خبيث جداً، و"قد ينسف في حال تنفيذه الكثير من الأمور المستقرة". أين عبقريته؟ وكانت النتيجة ان من شاهد الفيلم، ومدته ثلاث ساعات كاملة، لم يعثر على عبقرية محمد خان وأدائه الجميل والعذب في أفلامه الكثيرة، التي كان من السهل الاهتداء إلى شخصيته فيها، حتى من دون وضع اسمه عليها. كان هناك من يشير دائماً إلى محمد خان، إلا في هذا الفيلم، ربما لأن الحروب والكراهية لا يخرج منها الفن الجميل أبداً. من مجموعة الفنانين في الفيلم، أتوقف عند الدكتور سيد عبد الكريم، الذي قدم شخصية وزير داخلية السادات محمد نبوي اسماعيل، وربما كانت هناك أوجه تشابه بين الاثنين من حيث الملامح والشكل الخارجي فقط. لكنني أحسست أن سيد عبد الكريم كان يشعر بحال من الخجل بسبب قبوله مثل هذا الدور. كان هذا واضحاً في أدائه، خصوصاً نظراته الموجهة نحو الأرض، والنبوي اسماعيل لم يكن هكذا قط، وأصل المشكلة أنني أعرف عبد الكريم جيداً، وكثيراً ما تشاركنا في العمل العام، وآخر مرة رأيته في رمضان الماضي واكتشفت شدة توهج موقفه وحماسته ضد كل ما ترتب على سياسات السادات في مصر. وأنا لا أعتقد أن قيامه بدور نبوي اسماعيل في فيلم "أيام السادات" من الأعمال الحرفية البحت، لكنه أداء فيه موقف يتنافى مع كل مواقفه. أما واضع موسيقى الفيلم فهو الموسيقار الشاب ياسر عبد الرحمن، نجل الكاتب عبد الرحمن فهمي، وكان ألف الموسيقى التصويرية لفيلم "المواطن مصري" التي حولته بكائية مصرية، إذ ذكرت مشاهده بمآسي الحياة المصرية منذ زمن الفراعنة إلى الآن. والسؤال هو: هل من المفترض بالموسيقار أن يكون له رأي في ما يقبل القيام به؟ أم أنه مجرد "صنايعي"؟ أنا أتصور أن الابداع الفني هو موقف من قضايا الوطن، وليس مجرد صنعة أو حرفة، لا علاقة لها بالمواقف. يبقى الرئيس أنور السادات موضوع الفيلم. ففي تشرين الأول اكتوبر المقبل، تكون مرت عشرون سنة على اغتياله. وكانت لدى الساداتيين نية للاحتفال بالمناسبة، وتحويلها ما يمكن أن يسمى "رد اعتبار إلى السادات". وصاحب هذا التعبير هو الدكتور سعد الدين إبراهيم، وله كتاب يحمل هذا العنوان، أصدره بوحي من المواقف الغربية في أحسن الأحوال، وكانت الغاية منه أن يجعل من الرئيس السابق بطل هذه اللحظة. لكن "هذه اللحظة" تحلّ لتجد سعد الدين ابراهيم مسجوناً بحكم محكمة، سبع سنوات، ولتجد أن السلام الذي أتى به السادات وصل الى طريق مسدود، إلى درجة أن الشرط الجوهري، بالنسبة إلى جمهور السينما العريض، لنجاح أي عمل فني الآن، أن يكون فيه موقف ضد إسرائيل والاميركان. هكذا اصبح الموقف الآن، في وقت من المفترض أن يرتفع الستار عن تلك الاحتفالات التي اطفأتها، قبل أن تبدأ، الانتفاضة الفلسطينية البطلة ورد فعل اسرائيل عليها. وهكذا انطفأت الاحتفالات قبل أن تبدأ، لذلك تم تغيير صيغة إعلان الفيلم الذي يعرضه التلفزيون المصري على كل قنواته. كان في الصيغة تعبير عن اللحظة التي يقول فيها السادات أحمد زكي انه مستعد للذهاب الى بيت اسرائيل، إلى الكنيست، فحل محلها مشهد آخر، يقدم فيه السادات احتجاجه إلى سفير العدو الاسرائيلي في القاهرة، على قرار مناحم بيغن بضم القدس، الى دولة اسرائيل. وهو يكرر هذا الاحتجاج ثلاث مرات وبصوت عال، باعتبار أن المناخ العام في مصر والوطن العربي يرحب بمثل هذه الأمور الآن. لكن جوهر المشكلة أن هذا المشهد عابر، ولا يعكس جوهر الفيلم. وفي المقابل، ثمة مشهد آخر أكثر طولاً، يدور بين السادات وحلاقه الاسطى محمود، يقدم من خلاله صناع الفيلم رؤية السادات إلى السلام مع اسرائيل على النحو الآتي: الاسطى محمود وهو يحلق للسادات في شرفة قصره، يقول له: "بس يا ريس الناس تتكلم عن السلام". فيسأله السادات: "ماذا يقولون؟". فيجيبه الاسطى محمود إن الناس يتساءلون عن سلام السوريين والفلسطينيين مع إسرائيل، أين هو؟ فيقول له السادات إن الفلسطينيين والسوريين لا يريدون أن يفهموا. ويشرح السادات للأسطى محمود فهمه للسلام. يسأله عن عدد الكراسي في صالون الحلاقة الذي يملكه، فيقول له انها ثمانية. يسأله السادات: إذا أخذ أحد هذه الكراسي وحاول الاسطى محمود استعادتها وفشل، فاستخدم الحجارة وسيلة لاستعادة حقه، فسيقول عنه الناس انه مجنون لاحظ تشبيه الحجارة ووصف من يستخدمها بأنه مجنون ودلالة ذلك بالنسبة إلى الانتفاضة الآن. ثم يستطرد السادات سائلا الاسطى محمود الحلاق: إذا أعاد مغتصب بيته كرسياً واحداً من الثمانية، هل يقبل الكرسي أم يرفضه؟ يجيب الاسطى محمود أنه يقبله فوراً. أنه يأخذه ويشتغل ويكافح من أجل استعادة الكراسي السبعة. فيقول له السادات: "شفت تأخذ وتكافح من أجل الباقي، أنهم لا يريدون أن يفهموا، ولا أن يعملوا، هية دي المشكلة". ثم يضحك قائلاً للاسطى محمود: "إنما أنت جايز يرجع لك المحل بكل ما فيه". بهذا المفهوم، هل يمكن أن ينجح فيلم عن السادات في هذه الظروف التي تمر فيها الأمة العربية وفي خضم هذا الزمن من تطور قضية الصراع العربي - الإسرائيلي؟ هنا. والآن!. نجاح مفاجئ... وأوسمة رئاسية يرى الفنان أحمد زكي أن من حقه يسعد ويفرح ويرقص - لو أراد - بعد النجاح الجماهيري اللافت الذي حققه فيلمه "أيام السادات"، وبلغت ايراداته في خمسة أيام نحو ثلاثة ملايين جنيه. وهذا النجاح الجماهيري، على ما جاء من القاهرة، أسعد أحمد زكي وأسرة "أيام السادات"، بدءاً بالمخرج محمد خان مروراً بالمؤلف أحمد بهجت، والممثلتين منى زكي وميرفت أمين، وصولاً الى كل العاملين في هذا الشريط الذي يتناول، من خلال قصة حياة الرئيس الراحل أنور السادات، مرحلة مهمة من تاريخ مصر. وكانت المفاجأة الكبرى لأبطال الشريط، على أي حال، مشاهدة الرئيس حسني مبارك الفيلم، في عرض خاص حضره أبرز رجال الدولة في مصر وقادة القوات المسلحة. وعقب مشاهدة الشريط بأيام، كانت المفاجأة الجديدة قرار الرئيس مبارك منح أفراد فريق العمل، وسام العلوم والفنون من الدرجتين الأولى والثانية. فنال أحمد زكي وأحمد بهجت ومحمد خان وسام الدرجة الأولى، وميرفت أمين ومنى زكي وأحمد السقا وسام الدرجة الثانية. واعتبر كثر من المتابعين أن تكريم الرئيس مبارك أبطال "أيام السادات" حدث فني وسابقة تحسب للإدارة السياسية وللحكومة التي دعمت هذا الشريط منذ بدء تصويره.