عادت أيام السادات الى الأجواء المصرية ليدور جدل جديد حول شخصية الرجل بعد نحو 20 عاماً على حادثة المنصة التي قضى فيها. كان الازدحام شديداً مساء الثلثاء امام قاعة "هيلتون رمسيس" حيث قدم عرض خاص لشريط احمد زكي "أيام السادات". ووجدت السيدة جيهان السادات وأفراد عائلة الرئيس الراحل وأقاربه وعشرات من الفنانين المصريين والعرب صعوبة بالغة في دخول الصالة. قبل أن يبدأ الحضور بالتعرف الى أسرار الشريط التي سمعوا عنها الكثير طوال ثلاث سنوات واثيرت حولها ضجة منذ الاعلان عن بدء إنتاج الفيلم. الممثل أحمد زكي الذي جسد شخصية السادات تمنى للحضور "الاستمتاع بالأحداث"، موجهاً تحية الى الرئيس حسني مبارك الذي "لولاه لما خرج "أيام السادات" الى النور". ومع توالي المشاهد التي ترصد 40 سنة من عمر السادات اشتغل الجدل بين المشاهدين، وظهر اعتراض "الناصريين" منهم على الشكل الذي قدم به الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فالممثل الذي جسد شخصيته لم يُظهر وجهه ابداً وكان يطل عليهم دائماً بظهره. في حين اعترض محبو السادات نفسه على إسهاب الفيلم في رصد تفاصيل فترة ما قبل ثورة 23 يوليو 1952 وتلاحق المشاهد التي تتعرض للأحداث بعد توليه الحكم في العام 1971، فظهر معظم قراراته انفعالياً من دون تعمق. استند الفيلم الى كتاب السادات نفسه "البحث عن الذات" وكذلك كتاب زوجته "سيدة من مصر" وبدا السيناريو الذي كتبه احمد بهجت كأنه قراءة في الكتابين من دون تدخل أو تعديل لصالح الفيلم كعمل فني، وانشغل بالرد على منتقدي السادات ومعارضيه. وعكست العبارة التي قالها السادات في اليوم الأول لتوليه السلطة حين عرض عليه سكرتيره الأوراق الرسمية المطلوب توقيعها طبيعة الرئيس الجديد، فهو رفض التوقيع قائلاً: "أكوام الورق دي هي اللي موتت جمال الله يرحمه"... ثم غاص في تاريخ السادات ونشأته الفقيرة والتحاقه بالجيش وروحه المرحة، فهو الوحيد الذي تمكن من اضحاك عبد الناصر حين ألقى عليه نكتة مصرية، ثم عرض لمواقفه الوطنية ونشاطه في الجيش وتعاونه مع الاستخبارات الالمانية ضد الاحتلال الانكليزي "من اجل مصلحة الوطن" ما كان سبباً في فصله من الجيش وحبسه، ثم مشاركته في اغتيال رجل القصر الملكي أمين عثمان ما أدى إلى اعتقاله ثم فراره ليعيش مطارداً. وحين التحق بتنظيم "الضباط الاحرار"، بدت غالبية اعضاء التنظيم ما عدا عبد الناصر غير راضية بانضمامه ولم يقدم الفيلم تبريراً لذلك رغم أنه اغرق في عرض العلاقة بين السادات وزملائه في التنظيم، ولوحظ الاصرار على إظهار حب عبد الناصر ومودته للسادات بصور مبالغ فيها. وأظهر الفيلم زملاء السادات القدامى اركان الحكم بعد وفاة عبد الناصر وكأنهم لم يستفيدوا من خبرات تكونت في الماضي فوقعوا في اخطاء بديهية حتى تمكن السادات من الاجهاز عليهم. وتلاحقت مشاهد سريعة للمرحلة التالية بدءاً من الاستعداد لحرب تشرين الأول اكتوبر وفترة الحرب وسياسة الانفتاح الاقتصادي وعودة الاحزاب ومروراً برحلة السادات إلى القدس واتفاق السلام وانتهاءً بحادثة المنصة، ووجد المشاهدون انفسهم مضطرين لسماع خطبة السادات في الكنيست الإسرائيلية كاملة تقريباً. لعل براعة أحمد زكي في تجسيد شخصية السادات كشفت ضآلة تجسيد بقية الشخصيات في الفيلم، فبدا مرشد الإخوان السابق عمر التلمساني مثلاً وغيره من المشاهير وكأنهم في مشاهد كاريكاتورية. ورافق صوت السادات مكرراً عبارة قالها في الكنيست خروج الحضور من الصالة وسط جدل محتدم بين مؤيد ومعارض يتجاوز التقويم الفني الى صراع جديد حول شخصية الرجل... وأيامه.