سواء تدهورت الامور في الجزائر لاحتجاجات جماهيرية ام مذابح مروعة فستبقى شركات النفط الغربية هناك. فهذه الشركات جاءت لتبقى. فشركات النفط الكبرى لن تحزم امتعتها وتغادر بلداً يوفر لها المستوى الجيد من النجاح في التنقيب والانتاج في مناطق نائية على بعد آلاف الكيلومترات من الخطر. لندن - رويترز - قال توبي اودون المتحدث باسم شركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية: "الامور تسير كالمعتاد. ان ذلك لا يؤثر على عملياتنا على الاطلاق". وكانت الجزائر العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك مسرحاً للعنف الاكثر فظاعة في الشرق الاوسط في التسعينات بعد ان ألغت السلطات انتخابات عامة كان الاسلاميون على وشك الفوز فيها. وقتل اكثر من مئة الف شخص بينما تصارعت القوات الحكومية مع الاسلاميين على السلطة في الدولة التي تعد من بين كبار منتجي النفط في "أوبك". واندلعت اشتباكات بين الشبان وقوات الامن كل يوم تقريباً في الشهرين الماضيين في انتفاضة شعبية تتحدى حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. لكن شركات النفط الغربية تتعامل مع الامر ببرود وتضخ اموالاً سائلة في مشاريع للتنقيب والانتاج بينما شرعت الحكومة في تنفيذ خطة لانفتاح صناعات الطاقة والتعدين بالكامل لجذب المزيد من الاستثمار الاجنبي. وقال مصدر على دراية بسياسة النفط الجزائرية: "لم يلحق بانتاج النفط اي ضرر ابداً على مدى الاعوام الثمانية الماضية. ولا اعتقد انه سيكون هناك اي تأثير عليها على الاطلاق. ولا اظن ان الوضع يحتاج الى اي تدابير امنية اضافية لشركات النفط الغربية". واضاف: "ان القضايا الاجتماعية هي موضوع الصراع". والجغرافيا تساعد شركات النفط، اذ تقع معظم العمليات في المناطق الصحراوية الجنوبية النائية. ولن يجد اي من المتشددين الاسلاميين الذين يأملون بالاضرار بالمنشآت النفطية مكاناً يختبئون فيه بعد ذلك. وقال مستشار نفطي: "يستطيعون ضرب السياح اذا ارادوا. لكنهم لا يستطيعون النيل من شركات النفط الكبرى. ولم تعد هذه الشركات تشعر بالانزعاج من الطيران في الجزائر. فهي تطير الى مناطق قريبة من الصحراء في وسط البلاد المكشوف". والحقول الواقعة في مناطق اخرى تخضع لحماية مشددة من قبل قوات الامن. وقال محللون ان الجزائر التي تضخ نحو 800 الف برميل من النفط الخام يومياً مربحة الى حد يصعب تجاهله، اذ توفر فرصة كبيرة نسبياً لتحقيق الثراء ولابقاء الشركات مهتمة رغم ان الشروط المالية يمكن ان تكون افضل. وعلى سبيل المثال حفرت شركة "اناداركو بتروليوم" اكبر شركة نفط وغاز اميركية مستقلة 20 بئراً استكشافية في الجزائر وحققت نجاحاً بنسبة 70 في المئة وصنفت شركة "روبرتسون ريسيرتش" البريطانية للاستشارة النفطية الجزائر ضمن اكبر عشرة مواقع للتنقيب في العالم في مسح اجرته في آذار مارس الماضي. كما تعمل الحكومة الجزائرية ايضا لجعل الاستثمار طويل الاجل اكثر جاذبية. وتنوي الحكومة عرض ما يصل الى 60 موقعاً للتنقيب عن الهيدروكربونات على الشركات الاجنبية بينما تسعى لتمرير قانون جديد للهيدروكربونات وُضع لجذب الاموال الاجنبية من خلال انهاء احتكار "سوناطراك" شركة النفط والغاز المملوكة للدولة للسوق الداخلية. وتخطط الدولة لتسهيل مجيء الاستثمار في وقت تحتدم فيه المنافسة مع منتجين كبار اخرين في الشرق الاوسط يقومون كذلك بفتح ابوابهم على مصراعيها امام الشركات الاجنبية. وضمنت الجزائر بالفعل استثمارات من شركات مثل "بريتيش بتروليوم" و"اجيب" وهي فرع من مجموعة الطاقة الايطالية "ايني" وشركتي "ربسول" و"سبسا" الاسبانيتين. وتعد الجزائر مورداً كبيراً للغاز الطبيعي لاوروبا وتبلغ احتياطاتها منه نحو 135 تريليون قدم مكعبة، اذ تحتل المرتبة الثامنة في العالم وتسعى بالتالي لاغراء الشركات الاجنبية لضخ اموال في ذلك القطاع. ومن بين المشاريع المشتركة اتفاق قيمته بليونا دولار مع شركة "بتروناس" الماليزية وشركة "غاز دو فرانس" للتنقيب والانتاج من حقل للنفط والغاز في جنوبالجزائر على مدى 25 سنة مقبلة. كما شرعت شركة "بريتيش بتروليوم" في خطة قيمتها 2.5 بليون دولار لتطوير مشروع للغاز الطبيعي من المتوقع ان يزيد انتاج الجزائر من الغاز الطبيعي بمقدار 15 في المئة.