يفرد كتاب «مارية القبطية في البحث عن أم المؤمنين» لمؤلفه محمد علي السيد، مدير تحرير مجلة «آخر ساعة» المصرية، ضمن قصص عديدة قصة السيدة ماريا القبطية، وعنده أنه على أعتاب قرية الشيخ عبادة في صعيد مصر ومحافظة المنياجنوبالقاهرة، وجدت المنطقة التي تلخص تاريخ مصر، فلو نظرت إليها من سفح الجبل الشرقي ستجدها تبدأ بالفرعوني فالروماني والإغريقي والمسيحي، ثم الإسلامي، وإذا نظرت إليها من غرب النيل لوجدتها حاضراً إسلامياً، مسيحياً في عمقه وإغريقياً ورومانياً، ثم في الأصل... فرعونياً، فهذا هو موطن زهرتَي مصر: السيدة مارية القبطية وأختها سيرين. يأخذنا هذا الكتاب في رحلة للبحث عن أم المؤمنين زوج رسول الله مارية القبطية، متتبعاً نشأتها وكل أماكن تواجدها، كما يفتح آفاقاً لم يطأها أحد من قبل في البحث عن صحابة رسول الله. في قرية الشيخ عبادة بدأت رحلة ربط الأرض بواقع التاريخ والجغرافيا، وفي البحث عن صحابة رسول الله، الرحلة لم تنته بعد... من هي ماريا القبطية أم إبراهيم؟ بيضاء البشرة... مجعدة الشعر... أثارت بجمالها وملابسها المصرية «القباطي» وسفور وجهها شغف نساء المدينةالمنورة من الأنصار والمهاجرين... وغيرة زوجات النبي اللواتي تخفّين في دار «حارثة بن النعمان الأنصاري»، حيث أنزلها الرسول قرب مسجده ومنازل زوجاته الملاصقة له، قبل أن يسكنها بعد عام ونصف العام في منطقة «العالية» على بعد 3 كم في مزرعة على مجرى سيل البطحان كانت غنيمة له في غزوة بني قينقاع «تشابه موطنها من النيل والخضرة»، وهناك حملت في ابنها إبراهيم ووضعته. ففرض عليها الرسول ارتداء النقاب لأن ابنها أعتقها وأصبحت من أمهات المؤمنين. ماريا بنت شمعون، والدها مصري قبطي مسيحي، وأمها مسيحية رومية. أصلها من مدينة أنطونبولس - أنصنا - قرية حفن - الشيخ عبادة في شرق النيل، مركز ملوى بالمنيا حالياً، واسمها الحالي يعود إلى الصحابي عبادة بن الصامت، الذي بحث عن قريتها بعد الفتح الإسلامي لمصر (21 ه)، بعد 14 سنة من زواجها من الرسول، وبعد خمس سنوات من وفاتها، وأقام لها مسجداً، ثم جاء بعده ابنه أو حفيده وأقام له مسجداً في القرية أو جدد المسجد الأصلي وسمي «مسجد عبادة بن الصامت».. ثم مسجد الشيخ عبادة، وسميت به القرية. كان سنها ما بين 12و 15سنة، وكان المصريون - ولا يزالون - بخاصة في القرى يزوجون فتياتهن صغاراً، وقد شاءت أقدارها أن تحولها من واحدة من ملايين المصريات إلى علامة في تاريخ الإسلام «وبنص رسالة المقوقس عنها وأختها سيرين» - جاريتين لهما مكانة في القبط - ومصاهرة الرسول المصريين «القبط» فأصبحوا «أخوال» ابنه (إبراهيم)... وهم أيضاً أخوال نبينا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، من هاجر المصرية التي عمرت مكة وكشفت بئر زمزم. يكتمل الشرف في إبراهيم، لأنه المولود الوحيد للرسول من زوجاته العشر بعد السيدة خديجة، التي أنجب منها البنين والبنات، ما زاد من غيرة نسائه، وخصوصاً السيدة عائشة، التي تمنت أن يكون لها ولد منه. يقول المؤلف: لم أقاوم المشهد العاطفي للرسول حاملاً ابنه بكامل فرحته به ليريه أحب نسائه، فانفعلت وبكت، فأخذ النبي رضيعه مسرعاً وهو يدعو لها بالهداية. ضم بيت النبي سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبى بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث (توفيت عام 4ه)، وصفية بنت حيي، وأم حبيبة، وميمونة بنت الحارث (تزوجها عام 7ه). وهناك أيضاً ثلاثة من «السراري» غير ماريا، وهن نساء عشن في بيته لم يتزوجهن، وهن ريحانة بنت زيد، وكانت أسيرة وأعتقها الرسول، وجميلة وكانت سبية في إحدى الغزوات وأعتقها، وجارية أخرى أهدتها إليه زوجته زينب بنت جحش. في الطريق من الإسكندرية إلى المدينةالمنورة (45 يوماً)، وفق سطور الكتاب، كانت الحوارات بين ماريا وشقيقتها سيرين والعبد «مايور» وبين حاطب بن أبي بلتعة سفير رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط والي مصر الروماني، وكانت أحاديثهم بالقطع عن الرسول والإسلام، والعرب وحياة المدينة.. وجهاد المسلمين لنشر دعوتهم. فأصبحوا على دراية بما هم مقبلون عليه. وفور وصولهم عرض النبي دين الإسلام عليهم، فآمنت ماريا على الفور وانتظرت أختها ومايور ساعة، فاتخذ النبي من ماريا سرية «يتسرى ويسعد بها». وأهدى أختها سيرين لشاعره حسان بن ثابت، وجعل العبد في خدمة ماريا. أعجب الرسول بماريا، فأخذ يمضي عندها عصر يومه، ما أثار غضب زوجاته، فنقلها إلى العالية، وفى شهر ذي الحجة 9ه جاءته بشارة المولود من قابلتها (الداية) أم رافع سلمى، زوجة أبي رافع مولى رسول الله (ص) وقد أهداهما له عمه العباس، فأهداها هدايا كثيرة، وتصدق بوزن شعر إبراهيم من الفضة على فقراء المدينة... وأعتق إبراهيمُ أمَّه من الرق. وقدم الأنصار مرضعة لإبراهيم وسبعة من الماعز إذا احتاج للبن، لتتفرغ ماريا للنبي. ويشاء الله أن ينتقل إبراهيم إلى جواره في سن 18 شهراً، ودفن في البقيع، وبكى النبي عليه كثيراً. لكنه رفض كل ما قاله أهل المدينة عن مصادفة موته كسوفَ الشمس في هذا اليوم، ثم صلى بالمسلمين صلاة الكسوف، وطيب خاطر ماريا قائلاً إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعته في الجنة. لاحظت السيدتان عائشة وحفصة حبَّ النبي عسل بنها الذي جاء مع ماريا، فادّعتا أن به رائحة، وكان النبي حريصاً على طيب رائحته، فامتنع عنه. ثم كانت ماريا سبباً في اعتزال النبي نسائه مدة شهر عربي (29 يوماً)، حتى شك المسلمون أنه طلقهن، وأقام في عش بسيط أعلى شجرة. وكانت السيدة حفصة تزور والدها عمر بن الخطاب في يومها مع الرسول، الذي كان يقضي قيلولة في منزلها، فجاءت إليه ماريا لبعض أمورها، فدعاها النبي إلى منزل حفصة وقضى معها الظهيرة، فغضبت حفصة وقالت ما كنت لتصنعها لولا هواني عليك، فطيَّب خاطرها وأسرَّ لها بأن ماريا حرام عليه من الآن، ومن فرحتها فشت سرها للسيدة عائشة، التي قالت لا تبقى ماريا في المدينة بعد اليوم، فأبلغ سيدُنا جبريل النبيَّ بما حدث، فغضب غضباً شديداً لإفشاء سره. واعتزل زوجاته، فأُنزلت عليه الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ * تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ * وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ * وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ * وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ * فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا * قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)» [التحريم: 1 – 3]، فعاد النبي إلى زوجاته... فأصبح لماريا مكرمة للنساء كفارة تحرير رقبة عند يمين التحريم بدلاً من تحريم الزوجة تماماً، ولها مكرمة أخرى للجواري، بتشريع عتق الجارية «أم الولد» التي تلد ولو «سقطاً» ميتاً لسيدها والتي أصبحت أهم وسائل تحرير الجواري وتحولهن زوجات بعدما أنجبت إبراهيم، وقال النبي عنها: «حررها ابنها». آثار بقاء مارية في منطقة العالية وحدها مع العبد «مايور» هواجس منافقي المدينة، ما أغضب النبي فأرسل علي بن أبي طالب يستطلع الأمر، فوجد العبد «خصياً». وكان النبي يتولى في منطقة العالية قطعة أرض يزرعها بالشعير لاحتياجات آل البيت وفقراء المسلمين، وعقب وفاته طلبت السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي من الخليفة أبي بكر الصديق أن تتولى أمر أرض العالية لتصرف منها كوالدها على آل البيت والفقراء، لأنها الوريثة الوحيدة، فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: «نحن الأنبياء لا نورث»، وانتهى الأمر وضمت إلى بيت مال المسلمين. بعد وفاة النبي عام 11ه اعتكفت السيدة ماريا في بيتها حتى انتقلت إلى جوار الله بعد خمس سنوات، لتدفن في البقيع عام 16 ه، بعدما أمضت 9 سنوات في المدينة، منها أربع مع رسول الله وهى في حدود سن العشرين، وكانت أولى زوجات النبي لحاقاً به... وآخر من مات من زوجات النبي أم سلمة (61ه)... عاشت بعده 51 سنة. في عام 41 ه، بعد 20 عاماً من فتح مصر، تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان مقابل شروط، فأرسل له معاوية رسالة مختومة يضع فيها ما يشاء، وكان منها إعفاء أهالي قرية حفن وأنصنا بناحية البهنسا (المنيا)، من الجزية المقررة على القبط «غير المسلمين» دينارين عن الرجال، تقديراً لزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووافق معاوية.