أمير الجوف يُعزّي العتيبي    نائب أمير جازان يدشن مركز تطوير البن    "أمانة المدينة" تجري 811 اختباراً للمواد المستخدمة في مشروعاتها    مليون دولار لمن يخترق نظام Apple    ساحة الفل بيئة تنافسية والمسنين يتصدرون    د. الربيعة: المملكة من كبار الدول المانحة في العالم    مؤثرون ومشاهير ينخرطون في السباق الأمريكي الرئاسي    القيادة تهنئ الرئيس النمساوي    وزير الإعلام يرعى أعمال مكاتب الاتصال الحكومي    الأفلام الكوميدية الأعلى صعوبة في الموسيقى    الدماغ البشري يدرك بسرعة تفوق التوقعات    ولي العهد الماليزي يشيد بدور القيادة في طباعة ونشر المصحف الشريف    الشيخ د. المعيقلي: التوازن في الحياة والتوفيق بين الحقوق والواجبات من أهم المهمات    الشيخ د. البعيجان: المحافظة على الصلاة أفضل معين على تربية النفوس وتزكيتها    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يُعيد حركة ذراع خمسينية إلى طبيعتها بعد استئصال ورم بطول 11 سم محيط بالشرايين    جدة.. تستضيف مؤتمر الحصوات السعودي العالمي    الضربة المحدودة تجنبت النووي    الرائد يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    مركز الأمير سلطان الحضاري بجازان: معلم ثقافي وتنموي بارز في المنطقة    تعليم الرياض يطلق معرض إبداع 2025    القبض على 5 يمنيين في عسير لتهريبهم 100 كيلوجرام من نبات القات المخدر    إخماد حريق في مبنى غير مأهول بالرياض    البراهيم يزور ركني جمعيتي كسوة الكاسي والثريا للمكفوفين في مهرجان الفل بأبي عريش    244 مروحة لتبريد المسجد الحرام    نائب مفتي القرم: التقنية سهلت رحلة العمرة    المملكة تقدم دعما غذائيا لليمن ب25 مليون دولار    الهدى يسيطر على ذهب الفضية    جاهزية المغربي بونو لديربي الرياض    لماذا تخلّت «واشنطن بوست» عن دعم هاريس؟    دوري روشن: الاهداف العكسية تمنح الرائد فوزاً هاماً على الفتح بهدفين لهدف    «حرس الحدود» بالمدينة المنورة ينقذ مواطناً تعطلت واسطته البحرية في عرض البحر    منظمة الصحة العالمية: الوضع في شمال غزة «كارثي»    البدء بإجراءات نزع ملكية المباني المجاورة لمقر رئاسة أمن الدولة بجدة    وزير الاقتصاد والتخطيط : رؤية المملكة 2030 تقود تحولًا جذريًا    بريطانيا تحظر السجائر الإلكترونية ابتداءً من العام المقبل    "صافرة البداية" مسلسل وثائقي عن الدوري السعودي على نتفليكس الشهر المقبل    ضبط مخالفات بيئية بذهبان في جدة    3 إصابات في النصر قبل مواجهة التعاون    «الداخلية»: ضبط 20896 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في أسبوع    تكريم الفائزين بجائزة الأمير محمد بن فهد في دورتها الثالثة لأفضل أداء خيري في الوطن العربي    هل أبلغت إسرائيل إيران بالهجوم؟    "الأرصاد" هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الأول من نوعه في العالم.. استئصال أورامٍ دماغية بتقنية جديدة !    جهاز خارق يشخِّص السرطان في 60 دقيقة    العتيبي يحصل على الدكتوراه    10,159 ريالاً.. متوسط رواتب الموظفين السعوديين    إجراء 460 عملية ضمن برنامج نور السعودية التطوعي لمكافحة العمى في مدينة كيفة بموريتانيا    المملكة توزع 1.039 سلة غذائية في مديرية الضالع باليمن    مدرب برشلونة يشيد بوحدة الفريق قبل مواجهة ريال مدريد    وزير الإعلام: نمتلك الأدوات اللازمة لتقديم محتوى إعلامي أكثر تميُّزًا وفاعلية    وكيل الأزهر يشيد بجهود القيادة في خدمة الإسلام والعناية بالحرمين    كونوا أحياء    من صراع الأدوار إلى تدافع الأفكار    الناعقون وشيطنة «السعودية»    وزيرة الدفاع الإسبانية تستقبل وزير الدفاع ويعقدان جلسة مباحثات رسمية    نائب أمير الرياض يعزي أسرتي بن شوية وبن حضرم    «الحسكي».. واحات طبيعية ومكونات سياحية مميزة    وزير الدفاع يجتمع مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الصناعية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللاعودة قدر أم هجّرتها الحرب
نشر في الحياة يوم 29 - 11 - 2012

إنها الحرب الأهليّة اللبنانية من جديد. الحرب التي غيّرت في مسار الرواية اللبنانيّة إلى حد كبير، وفرضت نفسها كأحد أبرز موضوعات هذه الرواية الجديدة. تركت تلك الحرب التي عاشها اللبنانيون ومن بينهم الكتّاب، بطبيعة الحال، أثراً كبيراً فيهم.
«رسالة من كندا» رواية جديدة للكاتبة رينيه الحايك (دار التنوير للطباعة والنشر)، تروي فيها مأساة ثالوث بريء من الأطفال، طفلتان يكبرهما طفل. ثلاثة إخوة قُتِل والدهم (قتلته الحرب)، وأمّ بعث أهلها إليها برسالة من كندا، فتركت الصغار، واعدة إيّاهم بأن تأخذهم بعد ثلاثة أشهر على الأكثر.
لكنّ هذه الأشهر الثلاثة تمتد، وتتّسع لتصبح سنوات. سنوات تمضي ويكبر الأولاد من دون أهل. تتزوّج الأم «كارلا» في كندا، وترسل صوراً لها مع «عمّهم». وتنجب لهم «أخاً»، وترسل صور عائلتها الجديدة، مرفقة بشيء يسير من المال. الأمّ تسمن وتسمن، فيما تمرّ أيام على أطفالها، من دون أن يجدوا ما يأكلونه. يجوعون، يمرضون، ينكسرون، يلوذون بالملاجئ، ويحلمون.
ألتحق «روبير» بمدرسة داخليّة، تابعة لدير للرهبان. «كاميليا» في دير للراهبات. يعمل الاثنان في مقابل أن يتعلّما. تعلّما، وعاشا ما عاشاه من ظلم وقهر وجوع وأعمال شاقة. «جاين» أخذتها عمّتها العاقر، لتفرغ فيها عقد أمومة تنقصها. ما أصعب أن يولَد الطفل كبيراً! ليوزّع هو الحنان على إخوته، ويرعى تعليم نفسه بنفسه.
تبدأ الرواية، فندخل مباشرة في قلب الحدث والحركة، مع جملة تصوّر مشهد «أنطوان» (الوالد) الذي مات منذ توقّف هطول المطر قبل ساعات: «كان أنطوان متكئاً إلى المقود فيما المسّاحات تروح يميناً وشمالاً تطارد مطراً توقّف عن الهطول منذ ساعات». وتستخدم الروائيّة نوعاً من المشهديّة أشبه بالمونتاج السينمائي. فبينما يكون الطبيب خيرالله، (صديق أنطوان) عائداً إلى المستشفى، نرى «كارلا» (زوجة أنطوان) تستيقظ من نومها لتردّ على الهاتف يبلغها نبأ وفاة زوجها.
برعت الكاتبة في تصوير مأتم «أنطوان» في قريته، واصفة الأهل والأقارب والجيران القادمين ب «ثيابهم السوداء، يرشقون النعش الواصل بالرز والورود، الزغاريد، قرع الطبول، صور للزينة الحزينة... الورد يحزن أحياناً وكذلك الزغاريد». وتُدخلنا الحايك إلى حياة القرية وتقاليدها، سواء من خلال «روبير» الذي يحب زيارة بيت جدّه، لأنه «يركض في الحقول ويركب الحمار مع الأولاد، كما يرافق ابن عمته «ميخائيل» الذي يكبره بخمس سنوات إلى صيد الحجل في الوادي». أو من خلال الجدّين اللّذين يخصّص لهما «أنطوان» مبالغ تكفيهما للاستغناء عن البقرات والحمير والخراف؛ لكنهم يشترون بها مزيداً من الأراضي بدل أن يصرفوا تلك الأموال ويرتاحوا في آخرتهم. وكذلك «كاميليا» التي اعتادت أجواء القرية بعد سفر والدتها، فتقول جدّتها: «تتسلّق الأشجار لتطاول الفاكهة العالية. ضربات مطرقتها فوق كيس الزعتر أقوى من جدّتها. تنقي البرغل، وتسطّح التين في الشمس، وتعدّ ربّ البندورة». لا تذكر الجدّة أنّ بناتها كنّ بمهارتها. قليلة هي المرات التي رأت إحداهنّ في الكروم.
والجدّة هي من أبرز شخصيّات القرية، بل الرواية. هذه الجدّة التي أدّت دوراً أساسيّاً في حياة الأطفال. فرفضت أن تترك المنزل في الحرب. وهي التي أصرّت على تطويب المنزل والأرض لأحفادها، أولاد ابنها. كأنّها تهيّء لجيل يأخذ مكانها، تهيّء لعلاقة متجذّرة بالأرض، وبالعائلة. وبالفعل، انتهى الأحفاد جميعاً في الأرض، يزرعون ويأكلون من جني أيديهم.
كذلك عمّت صور الحرب الرواية، بمزيج من الواقع والمتخيّل، كان من أبرز محطاتها: طلب «متري» (ابن عمّة روبير) من رفاقه الحزبيين ورقة لتسهيل مرور جثمان خاله. يمدّ السائق أوراقاً يتفحّصها مسلحون ملتحون ثمّ يدخلون رأسهم من شباك السيارة ويتأمّلون أرملة جميلة تنام في حضنها ابنة لم تتجاوز الخامسة. تستقر بعض العائلات البيروتيّة في الضيعة. المدرسة مقفلة. في واحد من الأحياء وَلد أصغر من «روبير» يحمل رشاشاً ويصوّب باتجاه كلب أعرج. ليس مشهداً غير مألوف. في الملجأ، الذين لم يموتوا من القصف سيميتهم هنا الجوع والعطش وعدم النوم. الجنود صادروا مبنى الحضانة وحوّلوه إلى مكان للاعتقال. اشتباكات مستمرّة بين منظمتي «فتح» و «الصاعقة». يقول «شارل» إنه صديق للجميع، وكل الحواجز تعرفه، ويأتي للمسلحين بهدايا من الشركة المتخصّصة في شحن البضائع. لكنه خُطِف ورفيقه ثم تركا مذبوحَين في المطار. تتعالى أصوات الانفجارات. ما كانوا يجفلون لتلك الأصوات، اعتادوا عليها. وها هي إحدى الأجنبيات «لا تدري عن لبنان سوى أنه في حرب أهلية حيث يتقاتل المسلمون والمسيحيون على السلطة».
برعت رينيه الحايك في نسج الأحداث، فأوصلت القارئ، بأسلوب خفيّ، وتشويق آسِر جاذب، إلى عالم الرواية وعالم المرحلة السياسية والاجتماعيّة معاً. وتعرض لهذه الوقائع، في نسيج هادئ، تسعى من خلاله إلى استحضار الأمكنة والأزمنة، فترسم واقعاً يوحي بالواقعيّة والحقيقيّة.
ولكن، يُلاحَظ أنّ فكرة الزواج بين الطوائف، تكرّرت كثيراً في الرواية اللبنانية منذ جبران، من دون أن تقدّم أيّة رؤيا جديدة وراهنة لهذه القضيّة. فقصة حب «متري» المسيحي و «زينب» المسلمة، والتي تكاد تكون قصة الحب الوحيدة في الرواية، باتت تقليدية. هذه القصة اللبنانية، التي، غالباً، لا تنتهي إلى زواج. حتى تعب الحب من حبّنا الناقص، وكفر الدين ب «إيماننا» هذا.
من ناحية أخرى، نلحظ أنّ ثمة نسبة وعي عالية جداً، عند كل من «كاميليا» وأخيها «روبير»، خلافاً لكلّ الأولاد في سنّهم، وحتى في الدير نفسه الذي يدرس كل منهما فيه. فها هي «كاميليا» تظلّ تحكي متنقلة في حلولها الخياليّة، وتسعى إلى تبسيط الأمور حتى ترى «روبير» يعود للابتسام. من أين لفتاة هذه الحكمة! تقول الجدّة «كأنها في أقلّ من سنة تجاوزت طفولتها لتصبح كبيرة حقاً». فهل كبِرَت حقاً! أم أنّ في كلامها بعضاً من كلام الكبار، وجانباً من آرائهم في آرائها!
اجتمع الأولاد الثلاثة، في بيت جدّهم، للقاء أمهم، القادمة من كندا. ولكن. لم تأتِ. ما الغريب؟ هل عاد أحد ممّن هاجروا! طوت كاميليا الرسالة وأعادتها إلى الجارور. فهلاّ يطوي اللبنانيون كل الرسائل الخارجيّة، كما طوتها كاميليا! وهل يتركون مكاناً يتّسع لإخوتهم، وينامون على وسادة واحدة، كما نام الأطفال الثلاثة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.