عدت لتوي من رحلة حملتني الى القارات الأخرى ورجعت منها محملة بأسئلة الأرض وخطانا عليها. في مطار الدمام استوقفتني تجمهرات الوجوه الآسيوية... عشرات من المجموعات المغادرة تنتظر السفر الى أوطانها في إجازاتها السنوية قبل ان تعود الى طاحونة العمل والاغتراب. وجوههم وأجسادهم تشي بنعمة الشبع بعكس تلك الوجوه في الصفوف الأخرى حيث القادمون يمتدون في الصفوف المتعبة التي تنتظر ان يستلمها الكفيل. وجوه أولئك منهكة وأجسادهم نحيلة مسحوقة. بعضهم يبدو ساهماً وكأن العودة همّ لا مفر منه... ربما هو إنهاك السفر الطويل من قراهم ومدنهم البعيدة... ربما هم أسعد هنا من اكتظاظ شوارع أوطانهم وصراع البقاء. في مطار هيثرو تتغير السنح واللهجات وتظل عالمية التنوع. في صالة الانتظار بالدرجة الأولى يسترخي العشرات من العابرين، الهواتف النقالة تحمل نتفاً من تبادل معلومات سفرات العمل وأجندات الاجتماعات واتصالات بالعوائل شرقاً وغرباً، تستغرب الغزو الشرقي. هنا أيضاً كل العاملين في خدمة البوفيه يحملون ملامح آسيوية لا تخفى. مطار نيور آرك في نيوجيرسي اقل اكتظاظاً من مطار جون أف كنيدي في نيويورك ولكنه يشابهه في تعدد الجنسيات والملامح. خصوصاً وهو موسم احتفالات التخرج في الجامعات. في حفل تخرج ولدي في جامعة برنستون اتأمل تنوع ملامح وجوه الخريجين والخريجات والحاضرين من عوائلهم للاحتفال بتخرجهم. من خلاسية العيون المشقوقة في أقصى الشرق الى الملامح الاسكندينافية الشقراء والملامح الافريقية والشرق أوسطية. يقول هاشم من دون ان يلاحظ انه يكرر نفسه ان كثيراً من زملائه وزميلاته المتخرجين في هذه الجامعة المشهورة ومثيلاتها، مثل هارفارد وكولومبيا وستانفورد وبيركلي سيظلون في الولاياتالمتحدة بعد ان تلقوا عروضاً للعمل مغرية مادياً ومعنوياً. أتوجس بيني وبين نفسي هل داعبت ولدي فكرة البقاء هنا ولو الى حين؟ ترى هل يدرك الشباب المتعطش امثاله معنى الغربة ومتطلبات الانتماء؟ في شوارع أوتاوا وتورنتو وأونتاريو وفانكوفر تبدو كندا صورة مصغرة لتنوع الأجناس في الولاياتالمتحدة. كندا تفتح أبواب الهجرة للشرقيين والغربيين. وكثيرون خصوصاً المؤهلين بتخصصات وشهادات وخبرات تقنية يجدون ترحيباً يليق بأحلامهم. ترى هل ستظل البوابات مفتوحة والأحلام ممكنة متى ابتدأ الاكتظاظ والاكتفاء. * خلال الأشهر الفائتة عادت الى البحرين بدعوة من الأمير شخصياً غالبية المبعدين السياسيين والمعارضين. الوطن مستعد دائماً للتسامح مع ابنائه والتفاهم معهم لا يجهل حبهم له ولا ينكر حقهم في حبه لهم. تبدو الوجوه والتصريحات سعيدة وآملة. كم هم حظيظون ان تظل أبواب وطنهم وقلبه مفتوحة لهم. * كثيرون بادروا للسعي الى الحصول على جواز بحريني حين سهلت البحرين اجراءات الحصول عليه قبل فترة. امتدت القائمة عند اللجنة المشرفة على الطلبات لتشمل آلاف الراغبين والحالمين من كل الجنسيات العربية القريبة والبعيدة جواراً. ما الذي يعنيه ان تحمل أوراقاً ثبوتية من هنا أو هناك؟ تصبح انت جزءاً من نظرة ذلك الوطن لنفسه واحترامه لبنيه. وطن قوي مثل الولاياتالمتحدة يمنحك حماية منعته، ووطن مكروه مثل الولاياتالمتحدة يمنحك أيضاً كره العالم لك. ووطن ضعيف سياسياً وفقير اقتصادياً تورثك جريرة ولادتك فيه معاناة داخل الوطن وخارجه. * عدت مشتاقة للظهران. ليعيدني هجير الصيف الى حقائق اجسادنا البشرية. ليس غريباً ان يغادر نصف السكان للسياحة في الخارج اثناء الصيف. من يستطيع تحمل كل هذه الحرارة والرطوبة؟ الشكر لله على ظلال الوطن الذي حين تقسو شمسه صيفاً يحمينا بنعمة المنازل والمكاتب والسيارات المكيفة.