ضبط 3 مخالفين في عسير لتهريبهم (18) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    الرياض يزيد معاناة الفتح في دوري روشن    زيلينسكي يدعو إلى رد «حازم» على «ابتزاز» بوتين بشأن التهديد الصاروخي لكييف    تحديد موقف حمدالله من مواجهة الشباب والهلال    إعادة انتخاب االسعودية لعضوية المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أول امرأة تؤلّف كتاباً عن السبح.. تمزج التراث بالابتكار في معرض "بَنان"    الجيش اللبناني يتهم إسرائيل ب"خرق" اتفاق وقف إطلاق النار "مرات عدة"    وزير الحرس الوطني يرعى ملتقى قادة التحول بوزارة الحرس الوطني    فرع ⁧‫هيئة الصحفيين السعوديين‬⁩ في ⁧‫جازان‬⁩ يختتم برامجه التدريبية بورشة عمل "أهمية الإعلام السياحي    السفير الأميركي: سعيد بمشاركة بلادي في "بلاك هات"    التعاونية توقِّع شراكة جديدة مع شركة اليسر للإجارة والتمويل (اليسر) لصالح قطاع التأمين على الحياة    تكلفة علاج السرطان بالإشعاع في المملكة تصل ل 600 مليون ريال سنويًا    طلاب مدارس مكتب التعليم ببيش يؤدون صلاة الاستسقاء في خشوع وسط معلميهم    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برعاية أمير جازان.. الأمير محمد بن عبدالعزيز يفتتح المعرض التقني والمهني بالمنطقة    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية التوحد بالمنطقة    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    وزير الداخلية يلتقي رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية    بناءً على توجيه ولي العهد .. عبدالعزيز بن سعود يلتقي رئيس الجزائر    الرياض تستضيف غدًا نهائيات دوري المقاتلين المحترفين للمرة الأولى في المملكة    وزير البلديات يقف على مشروع "الحي" بالمدينة    أمير تبوك يوجه بتوزيع معونة الشتاء في القرى والهجر والمحافظات    انعقاد الاجتماع التشاوري للدورة 162 لمجلس الوزاري الخليجي    الأمير عبدالعزيز الفيصل يتحدث عن نمو السياحة الرياضية    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    القيادة تهنئ رئيس جمهورية ألبانيا بذكرى استقلال بلاده    اليونسكو: 62% من صناع المحتوى الرقمي لا يقومون بالتحقق الدقيق والمنهجي من المعلومات قبل مشاركتها    انخفاض أسعار النفط وسط زيادة مفاجئة في المخزونات الأميركية وترقب لاجتماع أوبك+    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    محافظ صبيا يؤدي صلاة الإستسقاء بجامع الراجحي    «الدرعية لفنون المستقبل» أول مركز للوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا    27 سفيرا يعززون شراكات دولهم مع الشورى    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي ل«الأرابوساي»    «مساندة الطفل» ل «عكاظ»: الإناث الأعلى في «التنمر اللفظي» ب 26 %    الداود يبدأ مع الأخضر من «خليجي 26»    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    الكشافة يؤكدون على أهمية الطريقة الكشفية في نجاح البرنامج الكشفي    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    شخصنة المواقف    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    الشائعات ضد المملكة    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    التويجري: السعودية تُنفّذ إصلاحات نوعية عززت مبادئها الراسخة في إقامة العدل والمساواة    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة وثائق ال "سي. آي. أي" عن الجعايكة كادت تفجر المحاكمة في كامب زايست الحلقة العاشرة . غاوتشي: المقرحي يشبه الزبون الذي اشترى الملابس من محلي ... وأبو طالب أيضاً !
نشر في الحياة يوم 25 - 06 - 2001

تُعالج حلقة اليوم من كتاب "لوكربي الفضيحة الخفية" شهادة ثاني شهود الإدعاء "الثلاثة الكبار" توني غاوتشي، بعدما عالجت حلقة أمس شهادة ادوين بولييه صاحب شركة "ميبو" السويسرية. كذلك تطرح مسألة وثائق الاستخبارات الأميركية عن العميل الليبي عبدالمجيد الجعايكة والتي كادت تُفجّر المحاكمة في كامب زايست.
صعد ثاني شهود الادعاء "الثلاثة الكبار" الى منصة الشهود في 11 تموز يوليو. وبالمقارنة مع ادوين بولييه، كان صاحب المتجر المالطي ماريز هاوس توني غاوتشي 56 عاماً قد بقي بعيداً عن الاضواء خلال ال 11 سنة منذ ان اوردت تقارير وسائل الاعلام اسمه للمرة الاولى كشاهد ذي اهمية حاسمة. كانت شهادته امام المحكمة اول كلام علني له حول القضية. تولى نائب المدعي ترنبل التدقيق في افادته السابقة، في ايلول سبتمبر 1989، التي وصف فيها رجلاً دخل متجره واشترى ملابس. ورد غاوتشي، مشيراً الى المقرحي، "انه الرجل الموجود على هذا الجانب. انه يشبهه كثيراً. على هذا الجانب، على جانبي". وعندما سُئل هل يستطيع ان يقول أي يوم في الاسبوع اشترى الرجل الملابس، اجاب غاوتشي "كلا".
اكد غاوتشي ان الزبون اشترى قميصين من ماركة "سلالوم". ورداً على سؤال عن لونهما، اجاب: "بني، وضارب الى الزرقة. احدهما كان ازرق كما اعتقد، ذا مربعات، كما اعتقد، والآخر ضارب الى الخضرة. سأعرفهما اذا شاهدتهما". وعرض عليه قميص عينة من ماركة "سلالوم" وطُلب منه ان يصف لونه. فاجاب: "انه ضارب الى الخضرة وضارب الى الرمادي. انه ضارب أكثر الى الرمادي". ورداً على سؤال عن مدى الشبه مع القميص الذي باعه للزبون، قال "انه مشابه جداً. كان هناك نوعان من الالوان". وعندما عُرضت عليه صورة فوتوغرافية لبقايا القميص، أقر بأن لونه كان "مماثلاً جداً" للقميص العينة.
كان استجواب الادعاء لغاوتشي هادئاً وملطفاً، لكن كان متوقعاً على نطاق واسع بان محامي الدفاع بيل تايلور سيهاجم فوراً كل التناقضات في اقوال غاوتشي. ودقق تايلور ايضاً في بعض افادات غاوتشي القديمة، التي كان أدلى بها في 1989 و1990، لكنه فعل ذلك من دون حيوية. وخلال حديث معقد حول ما اذا كانت مصابيح عيد الميلاد مضاءة في شارع تاور امام متجر غاوتشي، بدا صاحب المحل مشوشاً، واشار الى وجود المصابيح عندما جاءت الشرطة لمقابلته، وليس في اليوم الذي اُشتريت فيه الملابس. وترك تايلور المسألة معلقة في الهواء. ما كان مثيراً للاستغراب بدرجة اكبر، مع الاخذ في بالاعتبار ان موكله هو الشخص الذي زُعم انه اشترى الملابس، ان تايلور لم يثر ابداً موضوع تعرف غاوتشي الى هوية محمد ابو طالب.
واصل غاوتشي الاصرار على انه لا يستطيع ان يحدد بدقة اليوم الذي اُشتريت فيه الملابس. وكان الادعاء زعم انه 7 كانون الاول ديسمبر. وما كان تايلور يعرفه، لكنه لم يبلغ غاوتشي، هو ان اليوم التالي، 8 كانون الاول ديسمبر، كان يصادف عطلة "الحبَل بلا دنس" للكاثوليك. واستطاع تايلور ان يجادل في مرافعته الختامية انه لو كان اليوم المعني هو 7 كانون الاول ديسمبر فعلاً، فإن قربه من هذه العطلة المهمة كان سيساعد غاوتشي بالتأكيد على ان يتذكر.
لم تكن افادة غاوتشي ذات صلة فعلاً، بالطبع، الاّ بالتهم الموجهة ضد المقرحي، لكن ريتشارد كين محامي الدفاع عن فحيمة شعر على رغم ذلك بضرورة استجواب الشاهد في شأن محمد ابو طالب. وذكّر غاوتشي بأنه بحسب افادة سابقة، ادلى بها في وقت اقرب بكثير من التاريخ الفعلي لشراء الملابس، كان شقيقه بول اطلعه على صورة فوتوغرافية لابو طالب من احدى الصحف واعتبر توني ذاته انها تشبه ملامح مشتري الملابس. واشار كين الى احدى الافادات بشكل خاص، وقرأها بصوت عالٍ:
"دوّن السيد بل إفادة مني. يمكن ان اقول فقط ان بين كل الصور الفوتوغرافية التي عُرضت عليّ، فإن هذه الصورة، الرقم 8، هي الوحيدة التي تشبه فعلاً الرجل الذي اشترى الملابس، لو كان اكبر سناً بعض الشيء". وبعدها، بخط يد أصغر قليلاً: "ما عدا تلك الصورة التي اطلعني شقيقي عليها".
كان الرقم 8 يشير الى صورة للمقرحي، وكانت "تلك التي اطلعني شقيقي عليها" اشارة الى ابو طالب. كما اثار كين نقطة تتعلق بتناقض في التواريخ عندما اُخذت إفادة من غاوتشي في 1 ايلول سبتمبر ولم توقّع الاّ في الثاني من الشهر نفسه.
لا شك ان توني غاوتشي غادر منصة الشهود وهو يتنفس الصعداء، بعد يوم فقط من الاستجواب. وبقيت اسئلة كثيرة من دون جواب، من ضمنها تاريخ شراء الملابس. كان في امكان غاوتشي ان يتذكر ان شقيقه بول ذهب الى المنزل لمشاهدة مباراة كرة قدم على التلفزيون في ذلك اليوم. وكان معروفاً ان مباريات جرت في 23 تشرين الثاني نوفمبر و 7 كانون الاول ديسمبر. وكان في امكان بول، بالطبع، ان يسلّط بعض الضوء على المسألة، لكن الادعاء اختار الاّ يستدعيه، على رغم انه كان موجوداً في مبنى المحكمة. وكان السبب، من دون شك، هو انه كان حدد 23 تشرين الثاني نوفمبر باعتباره اليوم الذي غادر فيه الى المنزل لمشاهدة المباراة.
من الاشياء الاخرى التي لم يتناولها محامي الدفاع عن المقرحي هو القميص الرمادي من ماركة "سلالوم". وتمكن الادعاء بالاستناد الى افادة غاوتشي من الزعم بان قطعة القميص الرمادي المتضررة بالانفجار التي يُفترض انها احتوت جزء الدائرة الكهربائية ذا الاهمية الحاسمة كان مصدرها متجر غاوتشي. لكن القاء نظرة سريعة على إفادات غاوتشي بيّنت ان هذا الادعاء كان، في احسن الاحوال، موضع شك. فقد اعطى في افادته الاولى، في 1 ايلول سبتمبر 1989، لائحة مفصلة بالحاجيات التي كان الرجل اشتراها واسعارها. ولم تتضمن اللائحة أي قمصان. وفي 30 كانون الثاني يناير 1990، اطلعت الشرطة غاوتشي القطعة من قميص "سلالوم" الرمادي وعينة من قميص مشابه. واكد في إفادة اعطاها في اليوم ذاته انه كان لديه مثل هذه القمصان في المستودع على امتداد السنتين او الثلاث سنوات السابقة، واضاف: "لم يشترِ هذا الرجل أي قمصان، بالتأكيد". ولم يتذكر غاوتشي ان الزبون اشترى القميصين من ماركة "سلالوم" الاّ بعد اكثر من سنة على الادلاء بإفادته الاصلية. فبعدما كان لا يتذكر اي شيء عنهما طوال سنتين، اصبح الآن يتذكر انه باع القميصين بل يتذكر ايضاً سعرهما، 75،3 و 25،5 ليرة مالطية. لكن حتى هذه الافادة لم تدعم حجة الادعاء، لانه حسب غاوتشي لم يكن أي من القميصين رمادياً، فأحدهما كان ازرق وابيض والآخر بيجي.
وثائق الاستخبارات الأميركية
بين جميع شهود الادعاء كان المخبر الليبي عبدالمجيد الجعايكة الاكثر اثارة للفضول. لكن تعيّن على المحكمة قبل مثوله امامها ان تتعامل مع قضية ذات صلة كانت ستصبح نقطة الجدل الاكبر في المحاكمة كلها. وقد انفجرت بوجه الادعاء واثارت مرة أخرى المسألة المتعلقة بموقف الادعاء من المحاكمة ودور ال "سي آي أي".
كانت لدى الادعاء والدفاع على السواء، منذ بعض الوقت، نسخ تخضع لرقابة مشددة من برقيات ال "سي آي أي" في شأن الجعايكة. وفي شباط فبراير 2000، كتب كبير ممثلي الادعاء نورمان ماكفادين الى محامي الدفاع الستير داف وإدي ماكتشني ليخبرهما بأن الادعاء هو في وضع مماثل للدفاع في ما يتعلق بالبرقيات وان الملاحظات، او التعقيبات، التي توضح المقاطع المحجوبة ستقدم من قبل ويليام ماكنير من "سي آي أي" الذي كان مسؤولاً عن الرقابة.
وفي 22 آب اغسطس، اليوم الذي استأنفت فيه المحكمة جلساتها بعد عطلة الصيف، اذهل بيل تايلور محامي الدفاع عن المقرحي الحضور عندما كشف للمحاكمة بان ترنبل وماكفادين كانا اطلعا على نسخ من البرقيات وان البرقيات لم تُكشف للدفاع. واوضح تايلور كيف ان نائب المدعي كامبل ابلغ محاميي الدفاع بكيت وبيرنز، خلال لقاء لا علاقة له ببرقيات "سي آي أي"، بان الادعاء كان اطلع على برقيات "سي آي أي" بصيغة تضمنت تنقيحاً اقل بكثير. وجرى هذا في 1 حزيران يونيو، عندما اجرى اثنان من كبار زملاء كامبل في فريق الادعاء، المحامي الان ترنبل وماكفادين، لقاء سرياً مع مسؤولين في "سي آي أي" داخل السفارة الاميركية في لاهاي.
وقدم كبير ممثلي الادعاء كولن بويد بعدئذ روايته للاحداث في ما يتعلق بالبرقيات، وكشف في سياق ذلك بعض الحقائق المذهلة. واعلن قبل كل شىء انه يتحمل مسؤولية ما جرى، قائلاً ان ترنبل وماكفادين كانا يتصرفان وفقاً لقراره. وابلغ المحكمة ان رسالة وجّهت الى الدفاع في 5 حزيران يونيو 2000 تضمنت حاشيات اكثر تفصيلاً لبرقيتين من اصل 25 برقية "كنتيجة مباشرة للدراسة من قبل محامي الادعاء والسيد ماكفادين". وتابع ليؤكد ان الادعاء تصرف كما ينبغي، مستنداً الى سابقة قانونية.
وبدا بوضوح ان القاضي اللورد كولسفيلد لم يكن مقتنعاً كلياً بوجهة نظر الادعاء، وقال لبويد ان "ما يثير قلقي هو ان يبت الادعاء مدى وثاقة صلة اشياء مثل هذه بالموضوع من دون اعطاء محامي الدفاع الفرصة لأن يدرسوا المادة بانفسهم". وبعد ذلك بوقت قصير عبّر قاضٍ آخر، اللورد ماكلين، عن هواجسه ايضاً بشأن ما قاله بويد، وتساءل: "هل يوجد اي سبب معين يحول دون ان يطلع ممثلو المتهمين، على الاقل، بأنفسهم على مضمون هذه الاجزاء المنقحة؟". ورد المدعي العام بان الوثائق لم تكن خاضعة لسيطرته، بل تحت سيطرة الولايات المتحدة. وبعد مداخلات اخرى من جانب محامي الدفاع دعا اللورد ساذرلاند المدعي العام الى استخدام "افضل مساعيه" لاثارة الموضوع مع "سي آي أي".
لماذا لم يبلغ نائب المدعي كامبل محامي الدفاع بأن الادعاء اطلع على برقيات "سي آي أي" بصيغة اقل تنقيحاً بكثير؟ لقد كشفت مصادر داخل مكتب الادعاء، طلبت عدم كشف هويتها، لمؤلفي الكتاب السبب وراء قراره. لم يُبلغ كامبل فوراً بقرار الاطلاع على البرقيات غير المنقحة الى حد كبير، ورغم ان المدعي العام اعلن تحمله المسؤولية عن قرار الادعاء، فان المحرّك الاساسي وراء هذه الخطوة هو نورمان ماكفادين. وقد التمس بدوره مساعدة ترنبل وجرى الاتصال عبر برايان مورتاف في وزارة العدل الاميركية. وكان ماكفادين من أقدم اعضاء فريق الادعاء الذين تابعوا هذه القضية، ما اكسبه لقب "السيد لوكربي".
كانت المقاطع المحجوبة من البرقيات، كما اتضح للمحكمة بعد وقت قصير، بخلاف ما زعمه المدعي العام ذات صلة وثيقة جداً بقضية الدفاع وتمس في الصميم صدقية المخبر الجعايكة. واكدت مصادر المؤلفين ان ترنبل وماكفادين ادركا فوراً ان المعلومات الجديدة التي اُتيح لهما الاطلاع عليها يمكن ان تلحق اذى كبيراً بقضية الادعاء اذا تمكن الدفاع من الحصول عليها. ومع اقتراب موعد مثول الجعايكة امام المحكمة، اكد كامبل انه ينبغي ابلاغ فريق الدفاع وقرر ان يحطيه علماً بذلك. ولا شك ان استجواب الجعايكة من قبل الدفاع كان سيكون اقل نجاحاً بكثير لولا الخطوات المشرّفة لنائب المدعي كامبل.
خلافات
كانت الخلافات بين اعضاء هيئة الادعاء تسبق المحاكمة. وافادت مصادر في مكتب الادعاء بأنه خلال لقاء عقد قبل عشرة ايام من افتتاح المحاكمة، لُمح الى ان الادعاء قد لا يتمكن من اسناد الدعوى ضد فحيمة وينبغي ان ينظر في ملاحقة المقرحي وحده قضائياً. وحسب المصادر فإن رد ماكفادين على هذا الرأي كان "سكتياًُ" أُصيب بذهول كبير. فقد كرّس آخر 11 سنة من حياته في ملاحقة القضية ضد هذين الليبيين ولم يكن مستعداً للسماح لجزء منها بأن يفلت مع اقتراب موعد المحاكمة.
استمرت قضية برقيات "سي آي أي" تتفاعل، في انتظار لحظة الانفجار. وفي 25 آب اغسطس، ابلغ المدعي العام المحكمة بأن مجموعات جديدة من برقيات "سي آي أي" سُلّمت الى الدفاع. واقترح المحامي بيل تايلور تعليق جلسات المحكمة لفترة قصيرة كي يمكن لفريق الدفاع ان يناقش الوثائق الجديدة. وعندما استؤنفت المحاكمة كان واضحاً من نبرة تايلور وكلماته بان الدفاع سيحتاج الى مزيد من الوقت للتهيئة لشهادة الجعايكة.
وكان المحامي ريتشارد كين صريحاً في ملاحظاته، اذ قال مخاطباً المحكمة:
"لم تتسن الاّ قراءة وجيزة للمادة التي سُلّمت الى الدفاع من قبل الادعاء، لكن حتى هذه القراءة الوجيزة تبيّن بوضوح تام ان ما كُشف الآن يعتبر، من نواحٍ كثيرة، وثيق الصلة الى درجة كبيرة بالنسبة الى الدفاع، واجد بصراحة من الصعب التصديق بانه كان يمكن التفكير بخلاف ذلك ... بعض المواد التي كُشفت الآن تتعلق بجوهر جوانب اساسية في هذه القضية، ليس بمسائل تتعلق بالصدقية والموثوقية بل ابعد من ذلك. وقد وضع الدفاع الآن في موقع بالغ الصعوبة. لكن من المؤكد ان هناك حاجة لاجراء مزيد من التحقيقات وقد يحتاج الدفاع الى ان يدرس موقفه في ما يتعلق بالمحاكمة."
كان واضحاً ان الجعايكة لن يمثل امام المحكمة في وقت قريب وانه سيبقى في مجمع الشرطة اسبوعاً آخر على الاقل. وبدا ظاهرياً ان بعض التفسيرات قد تقدّم عندما تستأنف المحاكمة. هل يحتمل ان يكون السبب ان المعلومات المحجوبة في البرقيات ذات فائدة للدفاع؟ في غضون ذلك، كان مستوى الارتياب بين الادعاء وهيئة الدفاع يتزايد بوتيرة مقلقة.
وخاطب المدعي العام المحكمة يوم الاثنين وأقر للمرة الاولى بأن الانتقاد الموجّه الى الادعاء قد يكون مبرراً "بالاستناد الى امكان التلميح الى ان ما كُشف في البرقيات كان يُفترض ان يُكشف عنه قبل ذلك". كان هذا، كما ستكشف الأدلة، تقنيناً فاضحاً للحقائق، لكنه كان اقرب ما يمكن من تقديم اعتذار الى المحكمة من قبل المدعي العام.
واطلع سلف بويد، اللورد بيتر فريزر، المؤلفين على ما جرى في حوالي ايار مايو 1991 عندما قام بزيارة الى المدعي العام الاميركي في واشنطن. وخلال تلك الزيارة ذكر فريزر انه كان مستعداً للمضي قدماً بتوجيه الاتهامات في قضية لوكربي. ويدعي فريزر ان الاميركيين طلبوا منه "التريث" لانهم كانوا يكشفون أدلة جديدة. ونعرف في الوقت الحاضر ان هذه الأدلة "الجديدة" كانت الجعايكة.
وخلال مقابلات عدة سُئل اللورد فريزر من هم الاشخاص الذين كان ينوي توجيه الاتهام اليهم في ايار مايو 1991. واكد فريزر ان الاتهامات كانت تتعلق بالفعل بالمقرحي وفحيمة. وفي مقابلة اُجريت في وقت سابق قبل بدء المحاكمة، رداً على سؤال عن توقعاته لقرار المحكمة، اعطى التقويم المثير للاستغراب بعض الشيء بأن من المحتمل ان يتخلى القضاة عن الدعوى قبل انتهاء المحاكمة. وعندما سُئل هل سيكون السبب هو عدم وجود أدلة، وصف حالة كان صادفها شخصياً ذات مرة، لا علاقة لها بقضية لوكربي، حيث استدعى القاضي المحامي الى مكتبه وابلغه ان الاتهامات لن تصمد.
وفي 29 آب اغسطس اكد المحاميان بيل تايلور وريتشارد كين انهما غير مقتنعين بأن كل المعلومات الموجودة بحيازة "سي آي أي" عن الجعايكة قد اُطلقت، وعبّرا عن قلقهما الشديد لأن مواداً في البرقيات وتعليقات ال "سي آي أي" في الحواشي وصفتها ب "تشويشات"، حجبت فعلاً معلومات اعتبرا انها ذات اهمية حاسمة بالنسبة الى صدقية الجعايكة. وناشد كين المحكمة ان تصدر "رسالة طلب رسمية" الى الحكومة الاميركية في ما يتعلق بالبرقيات، لكن الفكرة رُفضت واُستبدلت بطلب من القضاة وتعهد من المدعي العام بأن يستخدم "افضل مساعيه" مع ال "سي آي أي".
اتضح حينها ان الجعايكة سيُعاد الى مقره السري في الولايات المتحدة وسيعود للادلاء بشهادته في 26 ايلول سبتمبر. ولم تكن علامات الاستفهام بشأن صدقيته مثار استغراب لاولئك الذين كان لديهم قدر من المعلومات عن الجعايكة، ولم تؤد كارثة البرقيات الاّ الى تعزيز الاعتقاد بأنه لن يكون شاهد الاثبات الرئيسي مثلما كان الادعاء ووزارة العدل الاميركية يلمحان.
اخيراً عاد الشاهد رقم 684، عبد المجيد عبد الرزاق عبد السلام الجعايكة، الى كامب زايست تحت حماية قافلة من جهاز الامن الاميركي المكلف حماية الشهود المشمولين ب "برنامج أمن الشهود" في الولايات المتحدة. وكان هذا البرنامج قدم منذ 1970 الحماية لأكثر من 6800 شاهد، من بينهم اعضاء في عصابات اجرامية وتجار مخدرات وقتلة. وكان البرنامج وفّر منذ 1991 ملاذاً للرجل الذي اعتقد البعض ان بحيازته الدليل القاطع على علاقة المقرحي وفحيمة بتفجير لوكربي.
وكانت ترتيبات خاصة اُقرّت مقدماً في ما يتعلق بظهور الجعايكة في المحكمة. فقد حُجب وراء شاشة عن انظار الجمهور والصحافة واُستخدمت اجهزة لتغيير نبرات صوته ومنعت الشبكة التلفزيونية المغلقة من تصوير الجعايكة في أي وقت. واُعفي من اعطاء اسمه الجديد او عنوانه الجديد الذي اُدرج على لائحة الشهود كالتالي: "بواسطة وزارة العدل، واشنطن".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.