نزع الرئيس بشار الأسد فتيل أزمتين عشية سفره إلى باريس، ومهّد الأرضية لنجاح "زيارة الدولة" لفرنسا اليوم الاثنين، لاجراء لقائه الثاني مع الرئيس جاك شيراك بعد محادثاتهما العام 1999 قبل تسلم الاسد الحكم. فكانت المرة الأولى التي تتسم فيها الديبلوماسية السورية بالمرونة الكافية والقدرة على اتخاذ مبادرات عاجلة لازالة عقبات تعترض طريقها باعطاء اولوية كبرى ل"الديبلوماسية العامة" ودور الاعلام في تسويق الموقف السياسي والحصول على دعم رسمي خارجي. المشكلة الاولى التي كانت تعترض هذه الزيارة هي "سوء الفهم" الذي حصل نتيجة تصريحات سابقة للأسد تحدث فيها عن "عنصرية المجتمع الاسرائيلي التي تجاوزت النازية" واشارته الى "عذاب المسيح والغدر بالنبي محمد". وفُسرت في الاعلام الغربي على انها اساءة الى اليهود. ولأن باريس وخصوصاً "اشتراكييها" المؤيدين لليهود تمنت علناً وسراً "توضيح" ذلك، وبعد قيام "فريق عمل" ديبلوماسي واعلامي بزيارة فرنسا لفهم مزاج الشارع الفرنسي، ولاعتقاد الأسد بأن كلامه "اسيء فهمه"، اعطى مقابلتين الى التلفزيون الفرنسي وصحيفة "لوفيغارو" شرح فيهما مواقفه، فبقي متمسكاً بجوهرها لكنه لم يذكر أبداً كلمة "نازية" التي تثير حساسية كبيرة لدى الفرنسيين والاوروبيين. وقال في المقابلتين إنه تحدث عن "التسامح بين اتباع الديانات السماوية الثلاثة" وانه ك"مسلم ورئيس سورية" لا يمكن ان ينتقد اليهود اتباع أحد الديانات، غير انه شدد على "عنصرية إسرائيل وعدوانيتها". ولا شك ان هذا "التوضيح" سيترك أثراً ايجابياً في زيارته المرتقبة في الشهر المقبل الى المانيا حيث تثير كلمة "نازية" حساسية اكبر لدى مجتمعها لعلاقتها بال"هولوكوست". كما انه سحب البساط من تحت أقدام يهود يخططون للتظاهر ضده. صحيح ان العالم العربي لا علاقة له ب"عقدة ابادة اليهود"، لكن الرغبة في الحصول على دعم اوروبي للجانب العربي في عملية السلام وموازنته للانحياز الاميركي واغتنام فرصة وجود الارهابي ارييل شارون على رأس السلطة في إسرائيل، تفترض ترك التاريخ الاوروبي هناك... وشارون "كي يخدم العرب". أما "المشكلة" الأخرى، فكانت "لغز" نزار نيوف. وسواء كان "اختفى طوعاً" أو اعتقلته إحدى الجهات الأمنية، فإن ظهوره بعد ساعات قطع الطريق على توظيف ذلك ضد زيارة باريس، إذ قيل ان الأسد تدخل بكل سلطاته ل"اطلاقه فوراً"، لأنه أدرك مدى الضرر الذي يلحقه سجن نيوف مرة اخرى على لقاء القمة السوري - الفرنسي، خصوصاً أن منظمات ناشطة في مجالات حقوق الانسان وحرية التعبير والدفاع عن الصحافة ضغطت مرات عدة على الخارجية الفرنسية لإثارة قضيته مع السوريين، الأمر الذي دفع الوزير هوبير فيدرين إلى إثارة الموضوع مع نظيره السوري فاروق الشرع في لقائهما الاخير في دمشق. ولا شك أن قول الأسد إن ما يريد نقله الى سورية من فرنسا "هو خلاصة رسالتها الحضارية المتجسدة في مبادئ الثورة الفرنسية: الاخاء، العدل، المساواة، وحقوق الانسان"، لن يروق لمن سماهم "الانتهازيين" أو "حرّاس المصالح الشخصية" في سورية.