68 % نمو السجلات خلال 20 شهراً منذ سريان نظام الشركات الجديد    «السياحة»: نسبة إشغال الفنادق في الرياض تجاوزت 95%    رئيس مجلس الشورى يرأس وفد السعودية في الاجتماع البرلماني بدورته ال 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في باكو    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يصل إلى البرازيل لترؤس وفد السعودية المشارك في قمة دول مجموعة ال20    انتظام اكثر من 389 ألف طالب وطالبة في مدراس تعليم جازان    "سعود الطبية" تستقبل 750 طفلاً خديجًا خلال 2024م    فريق طبي ينجح في استخدام التقنيات الحديثة للتحكم بمستوى السكر في الدم    علاج فتق يحتوي 40% من احشاء سيده في الأحساء    "دار وإعمار" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب جلوبال" بتوقيعها اتفاقياتٍ تمويليةٍ وسط إقبالٍ واسعٍ على جناحها    "ثبات للتطوير العقاري" تختتم مشاركتها الناجحة في "سيتي سكيب 2024" بتحقيق مبيعاتٍ نوعيةٍ وتوقيع اتفاقياتٍ مع بنوكٍ رائدة    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية (GCAT)    "المواصفات السعودية" تنظم غدًا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    «الطاقة»: السعودية تؤكد دعمها لمستقبل «المستدامة»    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    20,124 مخالفاً في 7 أيام وإحالة 13,354 إلى بعثاتهم الدبلوماسية    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    أغرب القوانين اليابانية    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    أشبال الأخضر يجتازون الكويت في البطولة العربية الثانية    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    عروض ترفيهية    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    ابنتي التي غيّبها الموت..    ألوان الأرصفة ودلالاتها    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" تفتح ملف اغتيال المطرب البربري ... والجدل على دور المؤسسة العسكرية و"الجماعة الاسلامية" . قصة معطوب الوناس كما ترويها زوجته وشقيقته : دفع ثمن مواجهته وحشا برأسين
نشر في الحياة يوم 24 - 06 - 2001

في 25 حزيران يونيو 1998 اغتيل معطوب الوناس، ليتحول من مناضل من اجل الثقافة البربرية رمزا، بالنسبة الى القبائيليين وايضا بالنسبة الى فهم ما تشهده الجزائر منذ بداية ازمتها في نهاية الثمانينات، نظرا الى ما اختزنته الروايات عن اغتياله. وفي مقدار الاقتراب من القصة الحقيقية لمقتل الوناس يمكن فهم آليات القتل في الجزائر.
وتنشر "الحياة" اليوم رواية مقتل المطرب القبائلي معطوب الوناس، في الذكرى الثالثة لاغتياله. وتنقل شهادة أرملته، ناديا، التي نجت من المكمن الذي نُصب لسيارة زوجها، وروايات معارضين جزائريين في شأن تورط المؤسسة العسكرية في تصفيته، وتبادل الاتهامات بين الأحزاب البربرية، وكذلك تبني جماعة حسان حطاب الاغتيال ثم تراجعها عنه.
ولد الوناس في 24 كانون الثاني يناير 1956 في منطقة يسر في ولاية بومرداس 50 كلم شرق العاصمة. إبن عمر ومهاري علجة. عاش خارج الجزائر لفترات طويلة كان يمتلك مطعماً في باريس وكذلك في قريته آيت موسى بلدية بني دوالة. وهو أصدر أغاني عدة، ويُعد من أبرز الناشطين في الحركة الثقافية البربرية التي نشأت عقب أحداث "الربيع الأمازيغي" العام 1980.
اعتقلت قوة من الدرك في مدينة يسر معطوب الوناس في 26 نيسان ابريل 1974 بتهمة الضرب العمد وجرح أحد الأشخاص وحمل سلاح أبيض. وقُدّم لمحكمة برج منايل ووضع رهن الحبس الاحتياطي. في 4 تموز يوليو 1982، نشّط الوناس سهرة فنية بمشاركة عدد من الفنانين البربر الكبار مثل إيمازيغن إيمولا، إيدير ومليكة دومران. وكانت تلك الحفلة بوابة دخوله عالم الفن بقوة.
في التاسع من تشرين الأول اكتوبر 1988، أُصيب الوناس بجروح على يدي عسكري اتهمه بعدم احترام تعليمات الأمن خلال عبوره حاجزاً تابعاً لفرقة الدرك في قرية عين الحمام. وخلال تلك الفترة، قُبض عليه مع شريكين للإشتباه في تورطهم في إصدار "منشورات سرية تحريضية".
في الأول من تشرين الثاني نوفمبر 1991، نجح معطوب الوناس في حشد عدد كبير من الشباب للتظاهر قرب فرقة الدرك الوطني في عين الحمام لتأييد مطلبه الحصول على نسخة من ملف التحقيق المتعلق بالجروح التي اصيب بها العام 1988 عندما اعتدى عليه أحد العسكريين.
وفي 26 ايلول سبتمبر 1994، قُبيل منتصف النهار، خلال وجوده في حانة "الطاحونة القديمة"، قرب منطقة تاخوخت، خُطف الوناس بعدما جُرّد من سلاحه الشخصي. الخاطفون كانوا تسعة، ينتمون الى مجموعة إسلامية مسلحة عُرف منهم بايلاش رشيد وستيتي عبدالرحمن. استمر خطفه 15 يوماً أُطلق في 10 اكتوبر. في البداية، شككت أوساط بربرية في ضلوع الحكومة في عملية خطفه، قبل أن يتبيّن أن الخاطفين ينتمون الى جماعة إسلامية مسلحة. بعد إطلاقه بسنة، في 1995، نشر الوناس كتاباً تحت عنوان "متمرد" وصلت مبيعاته في ذلك الوقت إلى 12 ألف نسخة.
سجّل معطوب في أواخر ايار مايو 1998 اسطوانة توزع في الجزائر في شكل كاسيت تضم إحدى عشرة أغنية بينها "رسالة مفتوحة" يقتبس فيها المغني النشيد الوطني الجزائري ويدين التقارب بين السلطات وبعض الإسلاميين. وهو طلب أن تصدر الاسطوانة في 5 تموز يوليو، يوم الاستقلال، والتاريخ الذي كان سيبدأ فيه تطبيق التعريب في كافة المناطق الجزائرية. وصدرت الاسطوانة بالفعل، ولكن بعد هذا التاريخ بقليل، حاملة غلافاً صمّمه رسام الكاريكاتور الجزائري علي ديليم يُصوّر العلم الجزائري ملطخاً بالدم ومعطوب ينظر إلى البعيد يحيط به ممثلون عن الحكم، من جهة، ووجوه بعض الإسلاميين، من جهة أخرى. وجاء في نص التقديم الذي وضعه في 16 حزيران 1998: "أليس فاضحاً أن نحضر إنكار الهوية البربرية من دون أن ترتفع أي شكوى؟ ألا يوجد سوى عدد قليل جداً من العقول العادلة والنيّرة والمستعدة لمجابهة الإبادة الدستورية للهوية البربرية؟".
وفي 25 حزيران 1998، في حدود الأولى والنصف بعد الظهر، قُتل الفنان البربري في مكمن نُصب له على الطريق الولائي الرقم 100 الذي يربط بين منطقة بني دوالة وتيزي وزو.
روايات متناقضة لمشهد واحد
وحتى الساعة، لا تزال الروايات المتناقضة لمقتل الوناس تثير الساحة السياسية والإعلامية في الجزائر. "التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية" انسحب أخيراً من الحكومة بعدما تحالف معها منذ تولي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الرئاسة وجد نفسه عرضة لانتقادات شديدة بسبب حال الفتور التي ميّزت علاقات الفنان البربري الراحل مع قيادة الحزب، على رغم انه كان يُعد في السابق من بين المقربين منه. واستغلت جبهة القوى الاشتراكية حزب بربري هذا الوضع لتطرح جملة من الشكوك في احتمال تورّط "تجمع الثقافة" في مقتل معطوب الوناس. واستهدفت الشكوك أساساً صدقية النائب نورالدين آيت حمودة إبن الشهيد عميروش، أحد رموز الثورة الجزائرية كونه تحالف مع قيادة الجيش منذ تردي الأوضاع الأمنية في البلد العام 1992 وأنشأ مجموعات للدفاع الذاتي ميليشيات مدنية لإبعاد خطر الجماعات المسلّحة عن منطقة القبائل.
أرملة معطوب: نشيد "قسماً" أدخله في ورطة
تقول ناديا، أرملة الفنان الراحل، في كتباها "من أجل حب لمتمرّد": "ككل سنة، كان يفترض أن يُسجّل في فرنسا أغانيه الجديدة. هذه المرة اختار عنوانه الرئيسي النشيد الوطني، وبدأ العمل في المشروع في شهر تشرين الاول اكتوبر قبل زفافنا بقليل. حينها سررت بالفكرة: اعتمد مقاطع نشيدنا الوطني "قسما" لتمرير ما يفكر فيه في السلطة والإسلاميين على حد سواء وتقديم حقائق عنهما، مع إيقاظ ثورة القبائل. لقد شجعته من دون وعي مني للأخطار المحدقة به جراء مثل هذه الخطوة. رويدا رويدا بدأ أصدقاؤه يكتشفون حجم مشروع أغنيته لأكثر من عشرين دقيقة تحمل في ثناياها وجوهرها طابع الشتم والانتقاد اللاذع لصناع القرار والمسؤولين. لذلك بدأ الجميع يسارع الى تحذيره، القرويون البسطاء والساسة الكبار. حينها بدأت أدرك أن حياة الوناس معرضة للخطر من خلال أغنيته. وبدأ الندم والأسف ينتابني لعدم محاولتي إقناعه بالإقلاع عن مشروعه. فإذا لم تعمد السلطة إلى الزج به في السجن، فإن إرهابيي الجماعات الإسلامية المسلحة لن يسلموه هذه المرة. "لا تأتمنوهم"، هكذا كان يردد في أغنيته. كان يقصد ب "زارعي الموت" عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة. قبل صدور أغنيته كان شباب قرية تاوريرت موسى حيث يقيم في منطقة القبائل يرددون نداءه الى الثورة في منطقة القبائل ضد الاستبداد والسلطة المطلقة وإرهاب "الجيا" الجماعة الاسلامية المسلحة على حد سواء".
سعدي تخلى عن معطوب
وتتابع أرملة الراحل: "الآن لم يعد الأمر ينبئ بالمصيبة والبلاء. كنا معا والحياة تبتسم لنا من جديد. ارتديت خصيصاً الفستان الذي أحضره لي من باريس لأروق له. كنت دائماً أشعر أنني أرتدي أشياء لا تليق، أما هو فكاد يطير فرحاً. في اليوم التالي، توسل إلي أن أرتديه مرة ثانية. وكان يود أن يقدم لي هدية سلسلة ذهبية. وعند العودة اقترح أن يدعو شقيقاتي فريدة ووردة. كان يود تدليلهما ودعوتهما الى تناول الفطور في مطعم "الوئام". كان يبدو وكأنه خرج من أحد الكوابيس ويبحث عن اقتسام فرحته وارتياحه معي. كنا يوم 14 جوان حزيران. لم يعد يفصلنا سوى 10 أيام عن الفرحة الكبرى: هل سبقتنا الأقدار وهل كان هؤلاء الرجال يعرفون مسبقاً أنهم سيغتالون الوناس في 25 جوان؟ الحرب الصماء التي كنا نخوضها من دون جدوى للحصول على تأشيرة كان يُفترض ان تكون مؤشراً وعلامة لتوقظنا وتنبهنا بأن شيئاً ما سيحدث. كان الوناس يتصل بدون كلل بسعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية في الجزائر، لكن هذا الرجل الذي كان يدعي بأنه صديقنا أضحى يرد من خلال كاتبته سكريترته أنه غير موجود أو أن لا وقت لديه. وفي كل مرة كان الوناس يتأهب للتوجه إلى الجزائر للاستنكار والتعبير عن سخطه. كان يتراجع بعدها ويضبط نفسه لأن الغضب لا يحل الأمور".
كان قلقاً منذ البداية
وتضيف: "كان الوقت مبكراً لتناول وجبة الفطور بمطعم "الكونكورد" الوئام، لذلك طلبنا مشروبات. الوناس كان يشعر بالمرض. أحس أنه لن يكون الفريق الأمثل، أحس بالمسؤولية وعاتب نفسه على ذلك، لأنه أفسد تلك اللحظات. أحسست بذلك. عشية ذلك اليوم رحب كثيراً بدعوة شقيقاتي الى المطعم لمرافقتهما في نزهة. لكن القلق خلع عنه رغبة المرح بل كل طاقته. حاول المزاح مع شقيقتي، إلا أن الرغبة لم تكن حاضرة. بدت عليه علامات الارتخاء. حينما قدمنا طلباتنا، إختار هو طبقاً من الجبار إلا أنه لم يتناول منه تقريباً. ... المطعم كان غاصاً والكل ينظر إلينا. لذلك قلت له: دعني أتناول الطعام بمفردي. وفي كل مرة كنت أرد بمثل هذه الصيغة خجلاً أو إحراجاً تجاه الآخرين. كان يضحك لكنه في الوقع كان مضطرباً إلى درجة أنه غادر ثلاث مرات القاعة ليغسل وجهه بالماء".
لحظة الهجوم
وتروي: "مباشرة بعد تقاطع الطرق وعلى طريق لها وجهان، مررنا بجوار سيارتين او ثلاث، لا أذكر بالتدقيق، بعد ذلك لم نلحظ مرور أي سيارة على رغم أنه توقيت الفطور وتكون حركة المرور كثيفة على هذه الطريق الرئيسية التي تربط بين مدينة تيزي وزو وتاوريرت موسى القرية التي نسكن فيها. وعادة ما كنا حذرين ونأخذ احتياطاتنا باختيار الطريق الآخر الذي لا ترتاده عادة السيارات كثيراً. هذه المرة لم نكن لنظن لحظة واحدة أن هذا الصمت يمكن أن يخفي شيئا مشبوهاً. وأعتقد باننا لم نفكر في شيء في الواقع، فالموسيقى وصوت الوناس سحرنا. فجأة سمعنا صوتاً غريباً مدوياً كما لو أنه مفرقعة صامتة، اختلطت بأجواء الموسيقى. كنا نستمع إلى أغنية الرسالة المفتوحة آخر ما صدر لمعطوب الوناس تلك التي يردد فيها النشيد الوطني الجزائري بكلمات عنه. كنا بصدد أخذ منعرج ضيق، صعب التحكم فيه ويتطلب خفض سرعة السيارة. كنت أضع معطفه على رجلي ووضعت فوقه الرشاش الآلي كلاشنيكوف. راودني شك بأن الصوت الذي سمعت دويه يمكن أن يكون مصدره الرشاش. بحركة خاطفة أنزلت الرشاش الى مستوى رجلي لكنني في تلك اللحظة اتضح لي أن أشخاصاً يطلقون النار صوبنا وأننا مستهدفون. كانت طلقات الرصاص تأتي من جانبي الطريق. التقطت الرشاش وسلمته الى الوناس، وفي ذات الوقت اكتشفت أن وجهي مخضب بالدم. لم يبق لهم سوى الإجهاز على وردة البالغة من العمر ستة عشر سنة. فتح الشخص الذي أطلق النار صوبي وظن أنني توفيت، بوابة السيارة وقال بلسان عربي: ماذا سنفعل بهذه؟ توسلت وردة: "أرجوكم لا تقتلوني". لم يكن يعرف ماذا يمكن أن يفعل بها وبفريدة التي أغمي عليها وظلّت من دون وعي على قارعة الطريق. من الواضح أنهم تلقوا أمراً بتصفيتنا أنا والوناس، لكنهم لم يتلقوا أي تعليمة بخصوص شقيقاتي. لم يضع مدبرو العملية في حساباتهم أنهما ستصاحباننا، ولم يرد هؤلاء أن يرتكبوا خطأ أو تجاوز مهمتهم. هذا هو الإحساس الذي كان سائداً. لذلك قرر الشخص الرحيل والإبقاء على حياة شقيقاتي على رغم أنهم نفّذوا العملية ووجوههم مكشوفة وكان في إمكانهما التعرف عليهم، لا سيما وردة التي أكدت أنهم كانوا يحملون بذلات بلون أخضر قاتم على شكل البذلات العسكرية بجيوب متعددة. إلا أن اللون الأخضر كان يختلف عن بذلة العسكريين الجزائريين ويختلف تماماً عن ذلك الذي كان يرتديه عادة قتلة "الجيا" الجماعة الإسلامية المسلحة. كما أنهم لم يطلقوا لحاهم وإن بدا أنهم لم يحلقوا ذقونهم، فقد كانوا شباناً تراوح أعمارهم بين 24 و26، بحسبها أي وردة. وبعد أن ابتعد قرابة مئة متر قام أحدهم بحسب ما تتذكر وردة بالتكبير: "الله أكبر". لكن بدا وكأنه حاول استدراك شيء كان من المفروض أن يقوم به سلفاً، ربما كانوا يريدون إقناعنا بأنهم إسلاميون. بعد رحيلهم بقليل، عادت حركة المرور. كانت السيارات أوقفت من إتجاهي الطريق. بعدها كانت السيارات تمر بسرعة من دون تمهل. تنبه الجميع أن المكان المقصود يشهد عملية اغتيال، لكن كل السيارات تفر. لم أفقد كل وعيي. أتذكر أنني رفعت يدي التي أصيبت بجروح للفت الانتباه. هنا توقف شباب سمعت أحدهم يصرخ "إنه معطوب". توسلت وردة: "أرجوكم ساعدونا". لكنهم ذهبوا فور ذلك، وهنا فقدت وعيي".
رواية مليكة معطوب
اعتبرت السيدة مليكة معطوب شقيقة الوناس في حوار أجرته معها صحيفة "اليوم" ونشر في الثاني من كانون الثاني يناير الماضي، أن محاكمة المتهمين في قضية اغتيال شقيقها "مهزلة في شكلها التام". وقالت: "يجب أن ننظر إلى الظروف التي زعمت فيها السلطات القضائية محكمة تيزي وزو أن المدعو عبدالحكيم شنوي هو القاتل وليس شخصاً متهماً. كما أن هناك أسماء عدة في قائمة المتهمين تداولتها وسائل الإعلام ومن بينها أسماء إرهابيين عناصر في الجماعة المسلحة من منطقة القبائل، وكان هذا في تشرين الاول أكتوبر 1998". وتابعت: "في وقت لاحق من أواخر 1999، أشارت الصحافة نقلاً عن "لجنة الإرجاء" وهي تنظيم حكومي مكلف تطبيق تدابير قانون الوئام المدني الذي يمنح عفواً كلياً أو جزئياً لعناصر الجماعات التي تتخلّى عن السلاح في ولاية تيزي وزو أن المتهم الرئيسي بإغتيال معطوب الوناس هو عبدالحكيم شنوي وقد سلم نفسه في إطار قانون الوئام المدني".
وسجلت شقيقة الوناس أن "عائلة شنوي نبهت في إعلان إشهاري في صحيفة وطنية رئيس الجمهورية إلى ما وقع فيه إبنها. إذ قالت أن عبدالحكيم شنوي سلم نفسه إلى السلطات برفقة النائب نورالدين آيت حمودة مسؤول فرق الدفاع الذاتي في منطقة القبائل والعضو القيادي في التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية ليجد نفسه متهماً بإغتيال معطوب الوناس. وقد علمنا بعدها أن عائلة شنوي رفعت شكوى ضد النائب". وأضافت: "بعد هذه الحادثة إستقبلنا مستشار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وهو رشيد عيسات، ثم ناشدنا الرئيس عند زيارته تيزي وزو حيث تعهد إظهار حقيقة إغتيال شقيقي وقال: سأقوم بالتحقيق".
وتحدثت شقيقة الراحل عن إستقبال عيسات لها ونقلت عنه القول "إن الوناس اغتيل من قبل ثمانية أشخاص، قتل خمسة منهم والثلاثة الآخرون في حال فرار". وأضافت انها سألته: "وعبد الحكيم شنوي من أي فئة؟ فشنوي إختفى منذ 1999 ولم يظهر إلا بعد شهور إثر تحريات من عائلته التي عثرت عليه في سجن تيزي وزو بعدما قضى وقتا في سجون عدة في العاصمة".
وقالت السيدة مليكة التي ترأس "مؤسسة معطوب الوناس"، إن السؤال الأساسي الذي يتوجب التشديد عليه: "ألا توجد نية لدى الحكم للتخلص من القضية؟ وفي رأيي انه يجب أن لا ننظر فقط إلى المستويات الدنيا للعدالة، حيث من الضروري أن نذكر ان من كان رئيساً للحكومة أثناء إغتيال معطوب هو أحمد أويحيى وهو الآن وزير للعدل وليس من اللائق القول أنه يجهل سياق ما قيل حول القضية. فقد كانت منطقة القبائل مشتعلة لمدة أسبوع وأنا أشكك اليوم في ان أويحيى عُيّن وزيراً للعدل لدفن القضية. ولهذا، بالنسبة الينا، السلطة السياسية في الجزائر هي المسؤول الوحيد عن محاولة خلط هذه القضية والتخلص منها".
وكانت مليكة معطوب قالت في تجمع نظمته في باريس بعد أيام من اغتيال شقيقها، ان لوناس "كان يقاتل وحشاً برأسين: التطرف المجرم والنظام الذي أنجبه. إننا سنبقى أوفياء لكفاحه من اجل الديموقراطية والعلمانية".
رواية "الضباط الأحرار"
تبنت "حركة الضباط الاحرار" التي تضم عدداً من الضباط السابقين في الجيش الجزائري أو الفارين من صفوفه، فرضية أساسية هي أن مقتل معطوب الوناس جرى في سياق تجاذب للقوى بين قيادة أركان المؤسسة العسكرية بقيادة الفريق محمد العماري مدعومة بمدير الأمن والاستعلامات المخابرات العسكرية اللواء محمد مدين توفيق ضد كل من الرئيس اليمين زروال ومستشاره الجنرال محمد بتشين بسبب قضايا تتعلق بإدارة شؤون الحكم.
وتزعم في تقرير طويل تحت عنوان "قضية معطوب"، نشرته قبل سنتين على موقعها في شبكة انترنت، أن نور الدين آيت حمودة تحدث مع ضابط في الأمن العسكري يدعى "مرزاق" قال التقرير أنه أحد رجال الثقة لمدير المخابرات والمكلف الأساسي بملف القبائل عن "مخاطر انفجار الوضع" في حال تطبيق قانون تعميم اللغة العربية الذي كان سيدخل حيز التنفيذ في الخامس من تموز يويلو 1998. ويزعم التقرير ايضاً ان حمودة، النائب في تجمع الثقافة، قدّم ضمانات للوناس ليعود إلى الجزائر على أساس أن الأمن في منطقة القبائل متوافر في شكل أفضل من العاصمة.
ويتابع التقرير أن مدير فرع الاستخبارات في باريس العقيد إ. ص. أبلغ مسؤولي الأمن الجزائري بتاريخ قدوم الوناس "حتى قبل أن يأخذ تذاكر سفره على متن الطائرة". ويضيف أن الفنان الراحل "كان يخشى تكرار سيناريو خطفه على يد جماعة إسلامية مسلحة في 25 ايلول سبتمبر 1994 "خصوصاً بعد صدور كتابه حمل شهادات عن ظروف عيشه مع عناصر الجماعة المسلحة. ويجب القول هنا أن خطفه دبرته فعلاً جماعة إسلامية مسلحة في منطقة تيزي وزو وأن إطلاقه جرى، في المقابل، بفضل تدخل أحد العناصر المتنفذة أحد أعوان المخابرات والذي منع تنفيذ حكم الإعدام فيه بعد لقاء مع قيادات "الجماعة الإسلامية المسلحة" والذي برر ذلك بمخاوف من أن يؤدي مقتل الوناس إلى تأليب السكان ضدها في المنطقة".
واعتبر التقرير "ان قرار تصفية معطوب إتخذ على اعلى مستوى في المؤسسة العسكرية وداخل مكتب مدير الاستعلامات والأمن. وتولت مديرية التنفيذ التواغل والتلاعب في هيئة الاستخبارات إخطار أحد الضباط المتنفذين في هذا التنظيم بمرتفعات غابة سيدي علي بوناب في ولاية تيزي وزو حيث يوجد مركز قيادة تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال والذي كان يحمل إسماً مستعاراً هو النقيب رياض ويدعى في التنظيم المسلح بإسم "أبو دجانة" والذي كان في تقدير عناصر هذا التنظيم المسلح مجرد فار من قوات الدرك لكنه أصبح بفضل معارفه العسكرية ومساعداته المستشار "المتلاعب" بحسن حطاب أمير التنظيم المسلح في الميدان العسكري وما يتعلق باختيار النشاطات المسلحة والأهداف".
ولمح إلى وجود اعتراض من حطاب، الأمر الذي دفع قيادة الاستخبارات إلى "مخطط النجدة" الذي دخل حيز التنفيذ قبل تنفيذ الجريمة بيومين، إذ تلقت فرقة الدرك الوطني في المنطقة التي يقيم فيها الوناس تعليمات من قيادة المنطقة بتأمين الطريق المؤدية إلى قرية تاوريرت موسى حيث صادفوا في طريقهم مجموعة من ثلاثة عناصر تابعين للدفاع الذاتي الذين قالوا بأنهم كلفوا من مسؤولهم نورالدين آيت حمودة بتأمين الطريق، وهي التصريحات التي وردت في التقرير النهائي للمهمة الذي أعدته فرقة الدرك". وتابع: "بعد أسابيع من وفاة معطوب الوناس تلقى الدركيون المعنيون بالقضية قرار تحويل. أما رجال الدفاع الذاتي المقاومة فقد قُتلوا في مكمن نصبته مجموعة أبو دجانة".
تبادل تهم بين البربر
ويرفض مسؤول "الحركة الثقافية البربرية الموحدة" السيد الهادي ولد علي الحديث عن لجنة تحقيق في قضية قتل الوناس. ويقول ان الذين "اغتالوا معطوب معروفون ... القاتل هو حطاب وعناصره". ويذكّر بمضمون بيان نشرته مليكة، أخت الفنان البربري غداة وفاته، والذي جاء فيه، بحسب ما يقول ولد علي، تنديد ب "حطاب والجماعة الإسلامية المسلحة".
وفي السياق ذاته، حمّل السيد سعيد سعدي في مؤتمر صحافي بعد أيام من مقتل الوناس جماعة حطّاب المسؤولية. وقال: "إننا ندرك من خطفه، إننا نعرف من قتل معطوب الوناس، إنه أحد عناصر جماعة حطاب ويقيم في قرية تبعد كيلومترين من بيت معطوب".
أما زعيم جبهة القوى الاشتراكية السيد حسين آيت أحمد فقدّم طرحاً مختلفاً. إذ قال في حديث نشرته "الحياة" بعد أشهر بعد مقتل معطوب الوناس: "يستحيل أن تتحدد مسؤولية الاغتيال.. إنه اغتيال شنيع نندد به. للأسف لم يحصل تحقيق لكشف المسؤولين". وتابع: "الملاحظ أن اغتيال معطوب يشبه اغتيال المونسنيور كلافري في وهران في 1996. من كان يعرف أن كلافري الذي ذهب ليرى وزير الخارجية الفرنسي في العاصمة سيعود فجأة إلى وهران وفي الوقت نفسه يعود إلى داره فتفجر فيه القنبلة؟ ومن كان يعرف أن معطوب عاد إلى الجزائر ويعرف الطريق التي سلكها؟ بما أن الدولة تقول أن جماعة إسلامية كانت تحوم في المنطقة فلماذا لم تحمه؟ هذه تساؤلات ننتظر الإجابة عنها".
وخلص آيت أحمد: "نحن لا نكرر الاتهام الذي وجهه التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية لجهة اتهام الإسلاميين بقتل معطوب. إننا بالطبع نستنكر الإجرام الذي يقوم به بعض الإسلاميين. لقد يئسنا من القول أن الإسلاميين وراء كل شيء. ليس الإسلاميون من يقتل. انه نظام الحكم أيضاً لماذا؟ لأن سياسته مبنية على الكذب".
حطاب يتبنى ... ثم يكذب
وفي بيان وزع في لندن يوم 30 حزيران يونيو 1998 وتلقته "الحياة" في الأول من تموز يوليو، أعلن حسان حطاب "أبو حمزة"، أمير "المنطقة الثانية" في "الجماعة الإسلامية المسلحة" لم يكن أسس "الجماعة السلفية" آنذاك، المسؤولية عن اغتيال الوناس.
وجاء في البيان: "... قامت ثلة من المجاهدين بعملية استهدفت عدو الله الزنديق المسمى معطوب الوناس فقتلته وغنمت سلاحه كما جرحت زوجته الفاسقة ونجت مع فاسقتين أخريين خلال هذه العملية". واتهم البيان معطوب بأنه "كان من أشد أعداء الدين والمجاهدين وكان سعيه هو الصد عن سبيل الله والوقوف بجانب الطائفة المحاربة للمسلمين". لكن، بعد اسبوع، نفت مصادر "الجماعة السلفية" صحة البيان في اتصال هاتفي مع إذاعة ناطقة باللغة العربية.
ويذكر أن "أبو حمزة" انشق عن "الجماعة الإسلامية المسلحة" التي يتزعمها عنتر الزوابري. وتمتد "المنطقة الثانية" التي يتولى "إمارتها" من ضواحي العاصمة إلى منطقة القبائل حيث قُتل الوناس.
حلقة ثانية غدا
اعترافات تائبين ورصد مكالمات
تؤكد مسؤولية "الجماعة السلفية"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.