"شرير في سيارة" هو الديوان الجديد للقاص والشاعر شارل شهوان مؤسسة رياض الريس 2001. وكان سبق هذا الديوان ديوانان اثنان هما "أحدهم يستعد للقفز" و"شاب يغتسل بمفرده"، إضافة الى مجموعتين قصصيتين هما "جاز العزلة" و"حرب شوارع". ما يلفت الانتباه بدءاً في الديوان الجديد هو العنوان أو كلمة "شرير" تحديداً، إذ يبدو الشاعر من خلالها وكأنه وضع نفسه في تيار الشعراء والكتّاب الملاعين أو الذين يملأون الدنيا ويشغلون الناس والذين يمتلكون الجرأة في تدوين نوازع الذات والسلوكيات التي تسمى "منحرفة"، وهم يقومون بامتداح هذا النوع من الكتابة ويكتبون ما يثير شغف القارئ. والحال أن شارل شهوان في نهاية ديوانه يعلن جهاراً: "لا أحد يصدق، أستطيع ان أقول أي شيء"، وقول الشيء أو الأشياء يأتي ضمن اسلوب الشعر الأميركي، أو الشعر الذي يتسم بالحرية. فيأتي الشعر ذا حس بحد النثر وحد الشعر. وهو يسمى يومياً، واليومي هو الذي يتحول الى صفة للأشياء والوقائع النافلة والمعتادة، حتى ليغدو الشعر وكأنه ضد الشعر. ذلك انه يخلو من التهويل ومما يسمى دهاليز لفظية أو هو يتبع الجملة المجردة والحافية. اللغة عند شارل كأنها على اللسان. بل كأنها أقرب الى الخاطر. كلام عامي، في احيان متنافر ولكن بجمال، كلام من الإيقاع المباشر، لا فحوى له غير كونه كلاماً وظيفياً، كلاماً ضد اللغة آتياً من مخيلة تتوخى الحداثة وتتجاوز اللغة. ولعل هذا ما يجعل الشاعر يبحث عن التعبير في حدود القول. لا تخرج القصيدة هنا من الجوّ الأميركي المميز، وهي لا تخرج من متخيل المدينة وأحداثها وأشيائها، أو من متخيل الفيلم الأميركي ومشاهده. والكلام الذي نقرأه، هو كلام يتواجد على اللسان أتسابق وعكروتاً على كورنيش النهر" أو هو كلام خبري "اليوم الأحد جرت مباراة مهمة/ وسجلت هدفاً برأسي في مرمى الهومنمن". الصورة الأكثر حضوراً والتي تبرق بألوانها في شعر شارل شهوان هي النرجسية وطيفها أو شبحها يخيم على الديوان. فالشاعر على ما يبدو يسكن في عمق المرآة فهو ينظر إلى نفسه، ينظر الى يديه وثيابه وشعره الطويل، ويلاحظ ان كيانه في عينيه. يصرح أنه "محطم القلوب" و"الرجل المعشوق" وهذا مقرون بالتماع المرآة النرجسية "يا لليسوع كم أنا فاتن في الليل/ أرتدي جاكيت جميلة بحجة انها تمطر". "في أحد الأيام سأتعرى أمام مرآتي/ سأتبرج لأعجبها". "قرب مرآة الخزانة/ قررت اني اجمل شاب سأكون". حالة الافتتان بالذات امام المرآة والآخرين تبدو واضحة وتذكر بأسطورة نرسيس التي استوحاها الكثر من الشعراء. وتذهب الأمور الى حد تأنيث الجسد "عبرت عاري الجذع قالت ان لي جسد فتاة". وهذا الجمال حاضر في أذهان النساء يفكرن به "لا فائدة من عدم خروجي لا بد ان إحداهن تفكر بي". لا يفكر هو بإحداهن، بل يحيل سلطة "أناه" حاضرة فوق كل اعتبار، وكأنه دون جوان متوهج أو هو داندي بحسب مقولة بودلير حتى ليقول: "فتاة تستوقفني" أو "الفتيات اللواتي بقربي يتطلعن إلي. أعرف هذا من غير ان أنظر" من قصيدة "حياة صيف". يتخيل الشاعر الأمور بحسب أناه أو بحسب ما يرى نفسه في المرآة لكنه يعود ليقول "المخيلة عيش بائس". يبدو الشاعر دائماً مدللاً من النساء. هو في الصور الشعرية كطفل بين أذرعهنّ، ليس هو من يحمل المرأة بل هي. "نلتقط لنا صورة، أنا بين ذراعيها"، "سنسبح معاً حتى أنهك وتحملني فوق الماء". هكذا تبدو صوره وربما هنا يكمن السر، سرّ المرأة التي تحبه: "لن أقول هي تحبني تعشقني"، فكتمان السر من الأمور التي تسمح له ان يكثر معشوقاته. وهو يبدو محترفاً في التعاطي مع كل امرأة. "لن تحزر أبداً أني لن أحبها"، وهو يتصرف معها دائماً تصرفاً خادعاً، يوقعها في شرك قلبه، ويقول: "لن ينتبه أحد أني سيئ". ولا يتوانى عن وضع شرط على المرأة "يجب ان تقبلني طوال الوقت". لا يضير القول ان النرجسية والدون جوانية لهما حضورهما البارز في الديوان. وتحضر الأروسية "أكسو جسمي بعريك" أو المشهدية المتخيلة، أو يذهب في كناية سينمائية فرويدية، "أحمل مسدساً فاقد العظام رباه كم أنا شرير". ولعل كلمة المسدس في الشعر كناية سوقية عن الذكورة وهي غالباً ما تستعمل في أفلام "الأكشن" الأميركية. يبقى القول إن شارل شهوان يكتب الشعر ضد الشعر، واصلاً الى لغة عامة، وقصيدة اخرى. ولعل هذا النسق من الكتابة بات في بقية الفنون، وليس في الشعر وحده. ففي الفن التشكيلي نجد مدرسة مضادة للرسم وفي الموسيقى والسينما. وهذه الأسلوبية تقترب من العالم ومن الحس الميداني ولا تذهب نحو الأبعاد الميتافيزيقية والفلسفية. على أن مجموعة شارل شهوان لا تخلو أيضاً من حس الدعابة والطرافة على طريقة السورياليين ولا من الإحساس الفضائحي الذي تجلى كثيراً في شعر جيل "البيت" الأميركي. لكن شارل شهوان يضفي نكهته على القصيدة متلمساً الجرأة في القول والألفة في مقاربة العالم مقاربة مشهدية وحميمية.