بدأ المستوطنون اليهود في الاراضي الفلسطينية المحتلة يرسلون اشارات تحذيرية لقيام اوساط متطرفة بينهم ب"عمليات انتقامية" ضد الفلسطينيين تتجاوز الهجمات الليلية التي باتت روتينية وترمي الى بث الرعب في قلوب الفلسطينيين وعمليات التخريب واقتلاع الاشجار وحتى اطلاق النار ورشق الحجارة تجاه السيارات الفلسطينية مع اقتراب موعد تنفيذ استحقاقات توصيات لجنة ميتشل الدولية التي اعلنت اسرائيل موافقتها عليها بما في ذلك "تجميد الاستيطان". وأكدت الاذاعة الاسرائيلية ان زعماء المستوطنين اليهود حذروا ضباطاً كباراً في الجيش الاسرائيلي خلال اجتماع جرى بين الطرفين الثلثاء الماضي انهم "بدأوا يفقدون السيطرة على المتطرفين". وقالت المصادر ذاتها ان زعماء المستوطنين تمكنوا حتى الآن من ثني المتطرفين منهم عن القيام بعمليات انتقامية شديدة ضد الفلسطينيين ولكن في ظل تصاعد عدد القتلى بين المستوطنين لم يعد بمقدورهم السيطرة عليهم. ويوم الاثنين الماضي علت أصوات من بين المستوطنين اليهود الذين دأبوا منذ شهور على اقامة المراسم الجنائزية لقتلاهم امام مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي تنادي ببروز "غولدشتاين جديد" في اشارة الى باروخ غولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الابراهيمي في الخليل في شباط فبراير عام 1994 والتي راح ضحيتها 26 فلسطينيا كانوا يؤدون صلاة الفجر في شهر رمضان. وكانت مجموعة يهودية متطرفة تطلق علي نفسها "كتائب شلهيفت جلعاد" اعلنت في الثالث عشر من الشهر الجاري مسؤوليتها عن حادث اطلاق نار استهدف سيارة فلسطينية بالقرب من القدس واسفرت عن مقتل المواطن عوني حداد 32 عاما وجرح ثلاثة من اقاربه. وبدت بوادر "المشهد الدموي" القادم جلية خلال "حفلة تقديم التحية" التي اقيمت في الكنيست الاسرائيلية لمجلس المستوطنات اليهودية "يشع" اول من امس عندما تحدث احد حاخامات المستوطنين من رواد حركة "غوش ايمونيم" الاستيطانية المتطرفة مناحيم فيلكس الذي يعتبره المستوطنون "شيخهم" واستمع اليه الحضور بانتباه شديد. وتمحور حديث فيلكس حول "الانتقام"، وقال، وفقاً لما نقلته عنه وسائل الاعلام، ان "الانتقام لا يأتي فقط لان الدم يغلي في العروق وانما لانه عملية وقائية وانتقامية في آن واحد والسير حسب مبدأ العين بالعين". واشار مقال لصحيفة "هآرتس" العبرية الى ان منشورات حركة "كاخ" العنصرية المتطرفة التي توزع بين المستوطنين، وخلافاً لما تحدث عنه فيلكس وزملاؤه في الكنيست عن "الانتقام الرسمي"، تتحدث عن "ارهاب اليهود ضد العرب". واقتبس كاتب المقال نداف شرغاي عن احد منشورات الحركة التي يحررها نوعام فريدمان المستوطن اليهودي المتطرف اقوالاً لمؤسس الحركة مئير كهانا صرح بها من على منبر الكنيست قبل 15 عاما قائلاً فيها ان "الرد قاطع لا يقبل التأويل: ارهاب يهودي ضد العرب... ارهاب يهودي. نستزف العهود القديمة عهود دافيد رزئيل، الذي هو بطل الامة واطلق اسمه على اسماء شوارع ومستوطنات وقرى... هل جلس صامتا،ً من وضع العبوات في البلدة القديمة في القدس، في يافا، في حيفا في السابق او ليس هو دافيد رزئيل، انه اليوم بطل الامة. هذا وحده هو ما يفهمونه". وبعد سنوات من حظر عمل هذه الحركة المتطرفة، بات مؤيدوها يظهرون في كل المناسبات مع يافطاتهم الموقعة باسمها المحظور حسب القانون الاسرائيلي. واظهر استطلاع للرأي اجرته صحيفة عبرية بين المستوطنين اليهود ان نحو 70 في المئة منهم يثقون برئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون. الا ان غالبية المستوطنين ومن بينهم رئيس حزب "مفدال" الذي يمثلهم اسحق ليفي رفض المشاركة في حكومة شارون الائتلافية لاسباب عدة بينها اقرار هذه الحكومة في خطوطها العريضة بعدم اقامة مستوطنات جديدة استرضاء لحزب العمل المشارك في الحكومة. وطالب ليفي أمس شارون بوقف التعاطي مع اتفاق وقف النار ومحاربة "الارهابي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات". ورغم الاعتصامات شبة اليومية التي ينفذها المستوطنون امام مقر شارون في القدس الغربية، الا انهم يمتنعون حتى اللحظة عن مهاجمته شخصياً. ويعود ذلك وفقا لما تؤكده مصادر اسرائيلية الى "التفاهم الكلي" بين شارون نفسه وزعماء المستوطنين بشأن اهمية الاستيطان للدولة العبرية ومشروعها الصهيوني، والتأييد الواسع الذي يحظى به المستوطنون لدى رئيس وزرائهم. وكشفت اذاعة الجيش الاسرائيلي امس ان "دائرة اراضي اسرائيل" بصدد بناء مئات الوحدات الاستيطانية السكنية في الضفة الغربية. وقالت الاذاعة ان نصف عدد هذه الوحدات سيتم انشاؤه داخل المستوطنات اليهودية القائمة. واضافت انه تم اقرار بناء نحو 708 وحدات استيطانية في ايار مايو الماضي على رغم انخفاض نسبة بيع الشقق في المستوطنات اليهودية ب44 في المئة في الشهر ذاته. ووفقا لاحصاءات حركة "السلام الآن" الاسرائيلية يوجد الآن نحو 2200 شقة استيطانية فارغة. ويرى مراقبون ان تخوف المستوطنين لا يكمن في تشككهم في نيات شارون ازاءهم فهم يعتبرونه "منهم ولهم" بل في النتائج العملية التي تخلفها العمليات الفلسطينية ضدهم على الارض. وقد اظهرت الاستطلاعات الاخيرة تزايدا ملحوظا في عدد المستوطنين الذين يبدون استعدادهم للانتقال والسكن داخل الخط الاخضر اذا ما توافرت مساكن ملائمة، في حين اعترفت مصادر اسرائيلية اخيراً ان مئات المستوطنين انتقلوا بالفعل للسكن داخل الدولة العبرية خوفاً على حياتهم.