P. Froguel, P. Sژrog, F. Papillon. La Planڈte Obڈse. الكوكب البدين. ƒditons Nil, Paris. 2001. 282 pages. طبقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 1997، فإن البدانة باتت تشكل من الآن فصاعداً "وباء كونياً". و"وباء العصر" هذا بات يصيب، طبقاً للتقرير نفسه، 20 الى 50 في المئة من الأفراد من سكان البلدان المتقدمة. وقصب السبق في هذا المجال يعود الى الولاياتالمتحدة: فنحو من 130 مليون أميركي، أي ما يعادل نصف السكان تقريباً، يعانون من أشكال شتى من زيادة الوزن أو فرط الوزن. والرقم القياسي ضربه مواطن أميركي في السادسة والأربعين من العمر نقل للمعالجة في أحد مستشفيات نيويورك في 7 حزيران يونيو 1999: فوزنه البالغ 500 كغ أوجب استخدام رافعة آلية لاخراجه من بيته من السطح بعد اقتلاع الواجهة الزجاجية. ولئن تكن البدانة مرضاً أميركياً في الدرجة الأولى، فهذا لا يعني أن البلدان الغربية تقف في منجى من الوباء. فالاحصائيات الحديثة تشير الى أن 20 في المئة من سكان بريطانيا هم اليوم من البدناء. وفي فرنسا يرتفع عدد الذين يعانون من زيادة في الوزن الى 37 في المئة من اجمالي السكان، أي ما يعادل 16 مليون فرد، بمن فيهم 3.5 مليون فرد يعدّون من البدناء المفرطين. وحتى الأمس القريب كان وباء البدانة محصوراً بالبلدان المركزية للحضارة الغربية الأوروبية - الأميركية. ولكن مع انتشار نمط الاستهلاك والتغذية الغربي، لم يعد أي بلد في العالم في منجى من الوباء. فاليابان، التي "تأمركت" تماماً في السنوات الأخيرة، والتي باتت تستهلك من اللحم، للمرة الأولى في تاريخها منذ 1995، أكثر مما تستهلك من الأرز، تأتي اليوم في المرتبة الثانية من البدانة بعد الولايات المتدحة بين سائر الدول الصناعية المتقدمة: فواحد من كل أربعة من اليابانيين يعاني اليوم من اشكال شتى من زيادة الوزن وفرط الوزن. وقد امتدت عدوى الوباء الى الجار الصيني العملاق. فالصين، التي كانت تضرب حتى نهاية الستينات من القرن العشرين أرقاماً قياسية في عدد ضحايا المجاعات، طفقت في الأعوام الأخيرة، وطرداً مع ارتفاع مستوى المعيشة فيها، تقدم مؤشرات مقلقة على "ترهل" الأجيال الجديدة من سكانها. فطبقاً لدراسة نشرتها وكالة الصين الجديدة في أيار مايو 2000 فإن 50 في المئة من الصينيين الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين يعدون اليوم من "الجسام"، على حين أن البدانة، بالمعنى الحقيقي للكلمة، تضرب 2.48 في المئة من السكان، أي ما يعادل 30 مليون صيني. ولكن خلافاً لما قد يتبادر الى الذهن للوهلة الأولى فإن وباء الغنى الحضاري هذا لا يختار ضحاياه الأولى من الأغنياء، بل من فقراء المجتمعات الغنية. وإذا عدنا الى المثال الأميركي، فإن أعلى نسب الاصابة بالبدانة تسجل لدى الطبقات المحرومة، لا سيما لدى السود ولدى المهاجرين اللاتينيين الأميركيين مثل المكسيكيين. ففي الغيتوات السوداء والأحياء الآهلة بالمهاجرين ترتفع نسبة الاصابة بالبدانة المفرطة الى 30 في المئة لدى الذكور، وحتى الى 45 في المئة لدى الإناث. وتعليل ذلك ليس عسيراً. فمرض البدانة يتأتى في الدرجة الأولى، لا من غنى النظام الغذائي، بل من سوئه بالأولى. فالسود واللاتينيون الأميركيون هم الأكثر تردداً على مطاعم "الفاست فود" والأكثر استهلاكاً للهمبرغر والآيس كريم. ويؤكد البروفسور روبرت جفري، من جامعة مينيسوتا في مينابوليس، ان نظام التغذية السريعة هو المسؤول الأول، بالاضافة الى التلفزيون، عن الانتشار الوبائي لمرض البدانة في الولاياتالمتحدة الأميركية. فنسبة الانفاق على التغذية السريعة في الأوساط الشعبية ارتفعت من 26 الى 37 في المئة في فترة العشر سنوات الممتدة بين 1980 و1990. وتشير دراسة أخرى الى أن الأميركيين من الطبقات الشعبية يقتصرون في نظامهم الغذائي على خمسة أنواع من الأطعمة اسبوعياً مقابل ثلاثين في فرنسا. وهذه الرتابة الغذائية، المقتصرة في الغالب على المواد الدسمة والسكرية، والمتواصلة ليلاً ونهاراً من دون تقيد بمواقيت ثابتة وفاصلة بين الوجبات، هي العامل الأكبر في اختلال وزن الجسم. واليها يضاف التلفزيون، العامل الأول للاحركة في الحياة الحضرية الأميركية، لا سيما لدى النساء وربات البيوت اللواتي يسجلن أعلى معدلات المشاهدة التلفزيونية. وقد جاءت القفزة التكنولوجية الأخيرة في مجال الكابلات والفضائيات لترفع من معدلات الاستهلاك التلفزيوني، وبالتالي البدانة، لا سيما وان الأميركيين درجوا على متابعة مسلسلاتهم التلفزيونية وهم "يقرمطون" أكياس "البوب - كورن". وتؤكد دراسة أخرى نشرت عام 1996 على العلاقة السببية المركبة بين البدانة ونظام التغذية السريعة وانعدام الحركة الجسمانية لدى الطبقات الشعبية الأميركية. وطبقاً لما يؤكده الدكتور كارلوس كرسبو، المشرف على فريق العمل الذي قام بتلك الدراسة، فإن 22 في المئة من الراشدين الأميركيين 17 في المئة من الذكور و27 في المئة من الإناث لا يمارسون أي نشاط بدني. لكن نسبة الخمول الرياضي هذه تتضاعف لدى الطبقات الشعبية لتصل الى 40 في المئة لدى السود الأميركيين، وحتى الى 46 لدى المكسيكيين المقيمين في الولاياتالمتحدة. وليس من قبيل الصدفة، من وجهة النظر هذه، ان النسبة الأعلى للبدانة في الولايات الملتحدة تسجل لدى أفقر فقراء الأميركان الذين هم الهنود: فأكثر من 70 في المئة من هنود قبائل البيما في ولاية اريزونا مصابون بالبدانة المفرطة، ونحو من نصفهم مصابون بداء السكري. وتعليل ذلك مرده الى نمط حياتهم الحضرية الساكنة مطلق السكون. ذلك ان استفادتهم من المساعدات الاجتماعية والغذائية التي تقدمها لهم الدولة الاتحادية مرهونة باقامتهم ضمن "حظائر" تنعدم فيها حركتهم انعداماً تاماً. ومثل هذه الظاهرة لوحظت أيضاً لدى قبائل "البدائيين" من السكان الأصليين في اوستراليا. فإجبارهم على الاقامة في شبه "متاحف انتروبولوجية" للحؤول دون انقراضهم أحدث خللا خطيراً بين نظام تغذيتهم العالي بالسعرات الحراري على الطريقة الغربية وبين حياة الخمول واللاحركة المفروضة عليهم في مخيماتهم. وأياً يكن من أمر فإن وباء البدانة يأخذ في عصر العولمة الذي هو عصرنا، وبغضّ النظر عن معاناة ضحاياه، بعد الفضيحة الأخلاقية. فمقابل المئة والثلاثين مليون أميركي ممن يعانون من زيادة الوزن وفرط الوزن، ومقابل مثل هذا العدد من البدناء والجسام الأوروبيين، فإن احصائيات الأممالمتحدة تشير الى وجود 800 مليون نسمة يعيشون تحت عتبة الفقر في العالم، بمن فيهم 200 مليون انسان يعيشون في حالة جوع حقيقي ومزمن. والمفارقة تأخذ شكلاً أكثر حدة بعد إذا ما أخذت في الحساب الأموال الهائلة التي تنفق على معالجة وباء البدانة في المجتمعات الغنية. فطبقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية فإن الانفاق في هذا المجال يستنفد 7 في المئة من ميزانية الصحة في البلدان الصناعية الغنية. وفي ما يخص الولاياتالمتحدة الأميركية تحديداً فإن الأرقام تتحدث عن 100 بليون دولار تنفق سنوياً في معالجة الوباء وعواقبه المرضية الثلاث: السكري وضغط الدم وانقباض الأوعية القلبية. والحال ان مثل هذا المبلغ يعادل ضعفي اجمالي الدخل القومي لدولة آسيوية كبيرة مثل بنغلادش 127 مليون نسمة، وخمسة عشر ضعف الدخل القومي لدولة افريقية كبيرة مثل الحبشة 61 مليون نسمة. ولكن أياً ما تكن قدرة المجتمع الأميركي على الانفاق في مكافحة البدانة وعواقبها المرضية، فإن الأميركيين هم الذين يدفعون في محصلة الحساب الثمن الأكبر لوباء العصر: ففي كل سنة تتأدى البدانة الى وفاة ما لا يقل عن 300 ألف فرد أميركي.