مرة أخرى أجد نفسي مضطراً للرد على مقالة للسيد خالد شوكات في "الحياة" الصادرة صباح يوم الثلثاء 12/6/2001، حول الدورة الأخيرة للمؤتمر القومي العربي، خصوصاً أنه استهلها بالحديث عن "معلومات غير دقيقة ومشوبة بأخطاء" تضمنها رد سابق لي على مقالة السيد هارون محمد التي نشرت في "الحياة" وغيرها في وقت سابق. ولأنه ليس من عادتي أن أورد "معلومات غير دقيقة ومشوبة بأخطاء"، فإنني احيل السيد خالد شوكات، الذي يعتبر نفسه عضواً في المؤتمر القومي العربي، إلى الكتاب السنوي عن أعمال المؤتمر القومي العاشر المنعقد في الجزائر في أوائل نيسان ابريل من العام 2000، والصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية والموجود في معظم المكتبات والأسواق العربية. 1- ففي الوثائق التي ناقشها المؤتمر وأقرها اعضاؤه المشاركون في دورة الجزائر والتي حضرها السيد شوكات نفسه، نص واضح يقول: "عقد الدورة الحادية عشرة، أو دورة استثنائية تخصص لرفع الحصار، على أرض العراق" الكتاب المذكور ص 538. وبناء على هذا النص، حاولت الأمانة العامة أن تعقد الدورة العادية للمؤتمر في دولة الإمارات العربية المتحدة، والدورة الاستثنائية في العراق. ولما اعتذرت دولة الإمارات عن عدم استقبال الدورة الحالية وافق العراق على استضافة المؤتمر، وقررت الأمانة العامة أن تعقد الدورة ال 11 في بغداد، أي أن تعقد الدورتين العادية والاستثنائية معاً. فلو كان السيد شوكات معترضاً على قرار انعقاد المؤتمر في العراق، لسمعنا اعتراضه في مؤتمر الجزائر، أو لسمعنا اعتراضه بعد ذلك على وثائق المؤتمر نفسها التي صدرت في الكتاب السنوي وارسلت اليه نسخة منه. 2- بالنسبة إلى حذف فقرة من البيان الختامي بناء "لإصرار معن بشور غير المبرر"، وهي الفقرة التي تربط بين تضامن الأعضاء مع الشعب العراقي في مواجهة محنة الحصار، و"دعوة النظام إلى اجراء اصلاحات سياسية تعالج الديموقراطية وحقوق الإنسان"، يهمني أيضاً أن احيل السيد شوكات إلى الكتاب المذكور سابقاً نفسه ليجد النص الكامل لهذه الفقرة. يقول النص: "من أجل رفع كفاءة الجهود الرامية لرفع الحصار من خلال تعبئة طاقات الشعب العراقي كافة، فإن الحكومة العراقية مدعوة لتحقيق انفراج سياسي ودعم المصالحة الوطنية والحوار الديموقراطي بين جميع القوى الوطنية بما في ذلك عقد مؤتمر وطني واسع يضم المعارضة الوطنية ويدور حول مقاومة الحصار والقيام بمبادرات لدعم العلاقات مع العراقيين الأكراد". ص 540 ولكي يطمئن السيد شوكات وغيره من القلقين على الديموقراطية في العراق، نعلمه أن هذا النص ذاته جرى توزيعه خلال دورة بغداد على أعضاء "لجنة رفع الحصار عن العراق"، ليستندوا إليه في مناقشاتهم في إطار وضع توصيات اللجنة في دورة المؤتمر الجديدة. ولو كنت بالفعل، أو لو كان غيري مصراً على حذف هذه الفقرة، فلماذا لم نسمع اعتراضاً منه في جلسة مناقشة البيان الختامي للمؤتمر، أو حتى بعد صدور هذا البيان الذي يحمل توقيعه. يعرف جميع الاعضاء جيداً أن المؤتمر هو سيد نفسه، وان بيانه الختامي يحمل تواقيع كل الأعضاء الحاضرين في دورة معينة، حتى إذا شعر أحدهم أن في البيان ما لا يوافق عليه طلب شطب اسمه من الموقعين على البيان، وهذا ما لم يفعله السيد شوكات. واعتقد أن مؤتمرنا بهذا الاسلوب إنما يحافظ على درجة عالية من الالتزام بالتقاليد الديموقراطية والحرص على احترام رأي كل عضو من اعضاء المؤتمر، وبالتالي الحرص على أن لا يفرض أحد رأيه على أحد. 3- تحدث السيد خالد شوكات عن وجود أعضاء بارزين في المؤتمر، ومن بينهم من هو عضو في الأمانة العامة، بدأوا يتجرأون على الديموقراطية ويذكرون علناً أنها ليست شرطاً من شروط التنمية. كم كنت أتمنى أن يسمي هؤلاء المتجرئين، وهو الحريص على تسمية الأشياء باسمائها، وكم كنت أتمنى لو أنه وجه رسالة إلى الأمانة العامة للمؤتمر تتضمن أسماء هؤلاء وواقعة "التجرؤ" المزعوم، وذلك لاتخاذ الاجراءات اللازمة بحقهم. فهو يعرف جيداً أن الديموقراطية من أبرز عناصر المشروع النهضوي الحضاري العربي الستة التي يشترط في أيٍ من أعضاء المؤتمر التزامها، وان الخروج على أي منها هو خروج على المؤتمر ومنه في وقت واحد. وكنا نتمنى أيضاً لو أنه سأل أحد الذين حضروا أعمال الدورة الأخيرة ومناقشاتها، أو أحد الذين شاركوا في اللقاء الذي جرى مع السيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي بعد اختتام أعمال المؤتمر، ليعرف كم كان المؤتمر بأعضائه مصراً على مناقشة المسألة الديموقراطية على مستوى الوطن العربي عموماً، ومع المسؤولين العراقيين خصوصاً، وفي بغداد بالذات. 4- إن القول بأن مجرد انعقاد المؤتمر في عاصمة عربية هو دعم للنظام الحاكم هناك، يقود السيد شوكات، كما المؤتمر بأسره، إلى تجنب الانعقاد في أية عاصمة عربية لئلا يصور انعقاده دعماً للنظام هناك، وبالتالي خروجاً عن مهمة المؤتمر وسياسته التي لا تهدف مطلقاً إلى دعم الأنظمة أو الحكام العرب، بل السعي الى استنهاض الأمة على طريق تحقيق مشروعها الحضاري. فهل اعتبر دورة الجزائر دعماً للنظام الجزائري؟ ولماذا لم يعتبر انعقاد المؤتمر في تونس والأردن والمغرب ومصر ولبنان دعماً للأنظمة هناك؟ يعتبر المؤتمر أن الأرض العربية كلها هي للعرب جميعاً، وان من حقه أن يعقد دوراته في كل أرض تستضيفه، شرط ألا تنتقص الاستضافة من استقلالية قراره وحرية مناقشاته، وقد رفض المؤتمر دوماً أن ينعقد خارج الوطن العربي، كما اقترح البعض حين ضاقت عواصم الوطن الكبير باستقباله، وكان موقف أمانة المؤتمر آنذاك إما ان يعقد المؤتمر في أرض عربية، وفي بلد عربي، أو لا يعقد أبداً. وقد احتاج الأمر بعض الوقت لكي يقتنع بعض المسؤولين العرب بأن المؤتمر القومي العربي هو تجمع فكري سياسي يدرس حال الأمة ويستكشف سبل خروجها من محنتها وأزماتها، ويطلق أفكاراً وتوصيات تسعى القوى الفاعلة في الأمة إلى تبنيها والعمل على تنفيذها. 5- كنت أتمنى لو أن الاستاذ اديب الجادر والدكتور عبدالحسين شعبان، وهما المعروفان بوطنيتهما وجرأتهما، قد توليا بنفسيهما، سواء عبر الإعلام أو من خلال رسائل خاصة إلى أمانة المؤتمر، الإعلان عن المواقف التي نسبها إليهما السيد شوكات الذي أخطأ أيضاً حين ذكر ان الاستاذ الجادر كان نائباً للأمين العام للمؤتمر - وهو أمر غير صحيح - وأنه لم يغب إلا نادراً عن دورات المؤتمر السابقة، وهو أمر غير صحيح أيضاً، لأن الجادر لم يحضر سوى دورتين من أصل دورات المؤتمر ال11. ويمكن للسيد شوكات أن يتأكد من هذه المعلومات لو راجع وثائق المؤتمر التي تنشر كل عام في كتاب سنوي والتي تتضمن لائحة المشاركين في كل دورات المؤتمر. أما الحديث عن خوف البعض من الذهاب إلى العراق، فأود أن أذكر السيد شوكات ان بعض الذين شاركوا في دورة بغداد، خصوصاً العراقيين منهم، كان غادر بغداد قبل أكثر من ثلاثين سنة ومنهم الاستاذ ضياء الفلكي النائب السابق للأمين العام للمؤتمر، الذي كان وراء ترشيح السيد شوكات نفسه إلى عضوية المؤتمر. وأخيراً، إذا كان السيد هارون محمد، وهو عراقي ومن غير أعضاء المؤتمر، يملك الحق في أن يدلي برأيه حول انعقاد المؤتمر في بغداد، على رغم أن رأيه استند إلى معلومات غير دقيقة، فإنني اعتقد أن للمؤتمر، على السيد خالد شوكات أو غيره "ممن يعتبر نفسه عضواً فيه حريصاً على عضويته"، حق نظامي واخلاقي أن يبدأ هؤلاء نقاشاً داخلياً مع أمانة المؤتمر يستوضحون فيه عن كل معلومة أو واقعة، ويستفسرون عن سبب كل اجراء أو تدبير، قبل أن يخرجوا إلى النقاش العلني على صفحات الجرائد، وهو نقاش - في كل الأحوال - لا يخشاه المؤتمر، بل يرى فيه وسيلة أخرى لتوضيح مواقفه وآليات عمله والتأكيد على شفافيته الكاملة. * نائب الأمين العام للمؤتمر القومي العربي.