نشرت صحيفتكم الغراء في عددها الصادر صباح الاثنين 28/5/2001 مقالاً للسيد هارون محمد كاتب وصحافي عراقي مقيم في لندن، حول الدورة الأخيرة للمؤتمر القومي العربي التي انعقدت في بغداد، وفيه معلومات غير دقيقة تخص المؤتمر، أرجو نشر التوضيحات الآتية: 1- ان القرار بانعقاد الدورة الحادية عشرة للمؤتمر في العراق صدر عن الدورة العاشرة للمؤتمر التي انعقدت في الجزائر ما بين 3 - 7 نيسان ابريل 2000 وباجماع الحاضرين آنذاك، وبالتالي فإن أي محاولة للايحاء بأن هناك من استدرج المؤتمر للانعقاد في بغداد هي محاولة غير بريئة المقاصد في أحسن الاحوال. 2- ذكر الكاتب ان الذين حضروا المؤتمر هم 110 أعضاء عرب من أصل 250 عضواً، ولست أدري ما المصدر الذي استند اليه الكاتب في اختيار هذه الأرقام. فلو كلف الكاتب نفسه عناء قراءة البيان الختامي الصادر عن المؤتمر والذي يتضمن اسماء جميع المشاركين لوصل الى نتيجة مغايرة تماماً. فعدد الذين شاركوا في المؤتمر من غير العراقيين كان 148 عضواً من أصل 164 شاركوا فيه، وهذه النسبة هي الأعلى في تاريخ المؤتمرات القومية التي انعقدت منذ عام 1990، ما يشير الى مدى حماسة أعضاء المؤتمر من خارج العراق وعلى امتداد الوطن العربي من موريتانيا الى اليمن لحضور دورته الحادية عشرة المنعقدة في بغداد. 3- أشار الكاتب الى عدد من الشخصيات العراقية القومية التي تغيبت عن المؤتمر، وهي شخصيات مشهود لها بالوطنية والنزاهة، ولكنني كنت أتمنى لو ان أحداً من هذه الشخصيات قد أعلن بنفسه لا بواسطة الكاتب سبب تغيبه، لا سيما ان معظمهم تغيب عن مؤتمرات عدة سابقة لظروف مختلفة. ولقد نسي الكاتب أو تناسى ان بين الذين حضروا المؤتمر ايضاً شخصيات عراقية بارزة عادت الى العراق للمرة الأولى بعد غياب استمر لعشرين أو ثلاثين عاماً. ولعل في الرسالة التي وجهها الوطني العراقي المعروف ذو الجذور اليسارية باقر ابراهيم، الموجود منذ اكثر من ربع قرن في السويد، الى المؤتمر ما يوضح حقيقة النظرة العراقية الوطنية الى هذا المؤتمر والى معنى انعقاده في بغداد. يقول باقر ابراهيم: "أبدأ كلمتي بتحية مؤتمرنا المناضل وتهنئته بعقد دورته الحادية عشرة في العراق الصامد الصابر". "كما أهنئ أبناء شعبنا بعقد المؤتمر القومي العربي، وللمرة الأولى على أرض العراق، الذي كان دوماً موضع الاهتمام من جانب المؤتمر في كل دوراته السابقة، وفي التضامن معه بوجه العدوان والحصار ومن أجل تعزيز أمنه وسلامته من أجل خبزه وصحته ومن اجل استقلاله ووحدة أراضيه". "إني اعتبر انعقاد مؤتمرنا في دورته الراهنة هو تعبير عن التفهم والعرفان بالجميل المتبادل بين الضيف والمضيف". "إننا نعرب عن شعور الامتنان والشكر لكل دولة وحزب ومؤسسة وشخصية انسانية تضامنت مع عراقنا الحبيب ضد العدوان والحصار الجائر. لكل من ركب طائرة حطت في مطار بغداد، أو من قطع الطرق الطويلة، لكل من قال كلمة طيبة أو أرسل حبة دواء لمريض عراقي، أو أهدى قلماً لطفل عراقي، أو تظاهر في الشوارع تعبيراً عن ذلك التضامن". 4- "لقد وقع الكاتب في تناقض مع نفسه حين ذكر في بداية المقال ان الدكتور خيرالدين حسيب "عراب المؤتمر وصاحب المبادرة فى عقد اجتماعاته الأخيرة في العاصمة العراقية"، لينهي في خاتمة مقاله بالقول: "ان معن بشور نجح في فرض رأيه في عقد اجتماعات الدورة الأخيرة في بغداد بالتنسيق مع المسؤولين العراقيين لسحب البساط من تحت قدمي حسيب تمهيداً لعزله في المرحلة اللاحقة". فأي الفقرتين من المقال نصدق؟ البداية أم الخاتمة؟ 5- في محاولة للغمز من نزاهة القيمين على ادارة المؤتمر، اشار الكاتب الى "توزيع هبات نفطية واغراءات تجارية لكل من يشارك في اجتماعات الدورة البغدادية، الأمر الذي أدى الى عزوف كثيرين من اعضاء المؤتمر عن الذهاب الى العاصمة العراقية خشية زج اسمائهم في قضايا لا شأن لهم بها". وكم كنا نتمنى لو سمى لنا الكاتب شخصاً واحداً عرضت عليه مثل هذه الهبات النفطية والاغراءات التجارية لحضور "الدورة البغدادية" أو لو انه، على الأقل، سمى لنا شخصاً واحداً ممن اعتذروا خشية "زج اسمائهم في هذه القضايا". بل كنا نتمنى لو ان الكاتب درس جيداً سيرة العديد من اعضاء المؤتمر واعضاء أمانته العامة ليدرك جيداً كم رفضوا من اغراءات تجارية ونفطية، كما رفضوا اغراءات غير تجارية وغير نفطية، بل كم كان حرصهم على استقلالية مواقفهم مكلفاً لهم على غير صعيد، هذه الاستقلالية هي التي تجعل اعضاء المؤتمر يتحملون تكاليف سفرهم والإقامة حتى لا ترتهن سياسة المؤتمر لأية جهة. 6- يبدو ان الكاتب من مؤيدي نظرية "المؤامرة" في تفسير الاحداث، فهو يتساءل تارة عن سر تغير موقف السلطات العراقية من المؤتمر بعدما كانت تهاجمه، وتارة اخرى عن سر تغير موقف بعض أركان المؤتمر من العراق بعدما كانوا على خصام مع قيادته، ولكنه لو قرأ البيان الختامي للمؤتمر وما تضمنه من مواقف واضحة ورصينة ومبدئية مماثلة لكل بيانات المؤتمرات السابقة، لوفر على نفسه عناء التساؤل المقلق. بل لو لاحظ الكاتب كيف تجنب المؤتمر ادانة دول بالاسم، يتردد ان طائرات تنطلق منها لقصف العراق، لأدرك مدى حرص المؤتمر، كما قالت أمانته العامة على "ان يكون جسراً بين العراق وأشقائه العرب وليس متراساً في الصراعات العربية - العربية". بل لو قرأ الكاتب اصرار المؤتمر على الدعوة الى لقاء استراتيجي بين العراق وسورية وايران، على رغم كل ما يكتنف العلاقة الايرانية - العراقية من توتر، لاكتشف ان المؤتمر بقي أميناً لكل توجهاته من دون تأثر بظروف مكان انعقاده. ولو قرأ الكاتب الفقرات المتعلقة بالديموقراطية وحقوق الانسان الصادرة في البيان الختامي لأدرك مدى حرص المؤتمر على التمسك بالديموقراطية باعتبارها أحد أهم عناصر المشروع الحضاري العربي، وهو ما برز بوضوح خلال الحوار الصريح الذي جرى بعد اختتام اعمال المؤتمر بين اعضائه والاستاذ طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي، حيث احتلت قضية الديموقراطية حيزاً رئيسياً من الحوار. وفي الختام نود ان نؤكد للكاتب ولغيره، ان المؤتمر الذي حرص على ان تنعقد دورته الحادية عشرة في بغداد تضامناً مع العراق في معاناته وصموده بوجه الحصار والعدوان، مستعد لأن ينعقد في أي أرض عربية تستعد لاستقباله، وتفتح أبوابها لكل اعضائه، ولا تضع شروطاً سياسية أو غير سياسية على مناقشاته وقراراته. هكذا انعقد المؤتمر في تونس والأردن ولبنان والمغرب ومصر والجزائروالعراق، ولم يقع أي بيان من بياناته في اسلوب التبجيل والتبخير لأحد، كما لم يقع في اسلوب التهجم والافتراء على أحد. وقد يكون مصدر سوء فهم الكاتب أو غيره لطبيعة مؤتمرنا هو ان هذا الاسلوب في عمل المؤتمرات العربية غير مألوف أو غير مسبوق. وعلى كل حال فإن المستقبل لناظره قريب. وهو وحده سيظهر ما إذا كانت انطباعات الكاتب أو تحليلاته في محلها.