انت خارج المؤامرة،إذن أنت لا تعني شيئاً! متآمَر عليك. انت مهم. وسيكون لك موطئ رقم داخل العالم. ماذا يعني وعي المؤامرة طالما انها كالشبكة التي لا بد منها. "انترنت" ادخل الشبكة، خطاب بصيغة الامر يتجمل الى حد ما بصيغة تسويقية لتمثل دعوة لا الزام فيها، لكن سرعان ما تتلاشى المجاملة ليبدو الامر ملزماً، لا بد من الانصياع اليه! وكلمة "الشبكة" مجردة ترتبط في الذاكرة الانسانية بمعنى الاصطياد والمكائد والكمائن. اذن كلمة "انترنت" ادخل الشبكة: دعوة للوقوع في الفخ. والمفارقة ان هذا الفخ هو الفخ الوحيد الذي يلهث المرء للوقوع فيه. ورغم الشكوك التي يثيرها الاستفهام عن ماهية الشبكة وامتدادها يبدو البقاء خارجها، مكوثاً خارج الحضارة. فتلك الشبكة الساحرة تحول العالم الواسع والمعقد الى رقعة في حجم لوحة المفاتيح الكي بورد، جميعها تحت السيطرة. اضغطENTER تنتقل الخطى للعبور في دهاليز عدة نحو مواقع قصية عن التفكير، الفاصل بينها اجزاء من الثانية. هكذا يتم السقوط في غواية دحض الزمن تحت رعاية شبكة مفتوحة على ابواب المعرفة. وهي ذاتها المعرفة التي اغوت آدم في سفر التكوين، وكان الثمن الحرمان من النعيم، ودفع فاتورة لا منتهية من الشقاء. في بداية الالف الثالثة اختلف ثمن المعرفة ليصبح تسديداً اكثر تشويقاً ومغامرة، بعيداًعن جنّة الحصون المنيعة الشامخة خارج التاريخ. الدخول في الشبكة يعني خسارة راحة البال وطمأنينة الجهل. التخلي عنهما ولوج في شباك المؤامرة العظمى، تلك التي تضبط الماضي في مجلدات تندرج في ملفات الحاضر المخزّنة على مدار الساعة: سيل من ارقام ينبسط نحو المستقبل كراحة اليد. اختزل الكومبيوتر الحيوات اليومية، واهمل الجهاد من اجل تحسين العيش، او حتى البقاء. ولعل العبور من الروزانا الرقمية يمثل وسيلة الربط الاهم مع الطرف الآخر من الارض لامتطاء الموجة الكونية المجتاحة لانحاء عدة من الجغرافيا، مطيحة المسافات الشاسعة بينها من اوراق ومعاملات وجوازات سفر وساعات في السفر الجوي، هذا عدا الحقب من صراعات وضغائن وسياسات متعارضة وتنافس على النفوذ. اضغط ENTER، كل شيء مباح بلا حدود، ويمكن من مطالعة اخبار الكائنات الاخرى التي تتقاسم اوكسجين الكون، عقد الصفقات التجارية، التعارف والتحاور، التسوق، الحب، مخالفة الوصايا العشر، الصلاة، وايضاً الاغتصاب، و... الموت. ليس ثمة شرطي يلاحق الاصابع القابضة على "الماوس". الحرية الشخصية تأخذ اقصى حد لها في افق واسع على امتداد نطاق السيطرة، في شبكة يديرها عقل بشري متقدم، عقل يفرض وصايته على كل من يدخل الشبكة. انه العقل البشري المتفتح والمتمرد على عقل سلطة الآباء في السياسة والدين. انه الاخ حين يكبر. تفوقه الديكتاتوري يقف حائلاً دون حبه. مقاطعته لا تنفي الدهشة والاعجاب بمنجزاته، وكراهيته لا تدرأ مؤامراته. لا مناص من اغراء المعرفة، اذن لا مناص من المغامرة لمعرفة كل ما هو مختلف خارج الذات المتورمة. لا خيار. "انترنت" ادخل الشبكة، وافتخر بالتآمر عليك، فربما علّم ذلك المساهمة في المؤامرة.