الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    الأهلي ينتصر على الفيحاء بهدف رياض محرز    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    القبض على 4 مقيمين في جدة لترويجهم «الشبو»    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلمى بكار : الرقابة أبعدتني من السينما عشرين عاماً والسلطة أرادت إشراكي وزملائي في خطابها ... فرفضنا
نشر في الحياة يوم 01 - 06 - 2001

بصفة منتج مفوض للتلفزيون التونسي، تصور المخرجة السينمائية سلمى بكّار الآن مسلسلاً عنوانه "الضفائر"، في خمس عشرة حلقة ستبث في رمضان المقبل.
المسلسل، وهو أضخم عمل يشهده التلفزيون، يتحدث عن الإطار العام لعمال المناجم في الجنوب التونسي خلال سنوات الثلاثينات، وتتخلله قصة حب لامرأة كبّلتها قيود العادات وتقاليد القبيلة، ويشارك فيه أكثر من 170 ممثلاً وأربعة آلاف كومبارس.
في مدينة الحمامات الساحلية حيث كانت بكار تصوّر جزءاً من المسلسل، التقتها "الحياة" وحاورتها في مسيرتها السينمائية الطويلة الممتدة من سبعينات القرن الماضي، وصراعها مع مراكز القوى التي حرمتها عرض فيلمها "فاطمة 75" أكثر من عشر سنوات داخل تونس.
أنت أوّل امرأة تونسية تقتحم فنّ الإخراج السينمائي. هل سبب ذلك انتماؤك إلى عائلة فاعلة في الوسط الثقافي، بدءاً من توفيق بكار وصولاً إلى جليلة بكار؟ وكيف استقبلت مبادرتك هذه في الوسط السينمائي حينذاك؟
- تصحيحاً لمعلوماتك، أعتبر نفسي ثاني مخرجة تونسية، لأنّ لا فرق بين الاخراج السينمائي والاخراج التلفزيوني، لأن الاثنين يعملان للصورة. ففي السبعينات عندما أنهيت دراستي في باريس وعدت إلى تونس كانت هناك مخرجة تعمل في التلفزيون، اسمها فاطمة اسكندراني، وهذه حقيقة للتاريخ. إنما كنت أول امرأة تخرج فيلماً خيالياً وثائقياً طويلاً. وعلى ذكر ابنة عمي جليلة بكار، فقامت بنحو عشرين دوراً في هذا الفيلم الذي تناول وضع المرأة في تونس تاريخياً وفي مرحلة ما بعد الاستقلال، وتحديداً في الأعوام 1930 و1938 و1952. لماذا؟ لأن هذه السنوات شكلت ركيزة أساسية لتهيئة المجتمع التونسي لقبول القوانين التي فرضت بعد الاستقلال، وهي تهم المرأة ومكانتها في المجتمع. فعام 1930 كان الطاهر حداد، وعام 1938 خرجت المرأة التونسية للمرة الأولى إلى الشارع في تظاهرة، وعام 1952 وقعت أحداث سياسية أدت المرأة فيها دوراً كبيراً. فجسدت جليلة في هذا الفيلم شخصيات خمس نساء عاصرن جيلهن. هذه تجربتي الأولى في السينما، ولكن إذا عدنا قليلاً في التاريخ، أجزم أنني تربيت في عائلة بورجوازية حملت عبئها 25 عاماً لإحساسي بالنقص حيال أصدقائي الذين كانوا ضد هذه الطبقة، وأنا في صغري أثناء تكويني كنت أبحث عن سينما الخطاب السياسي، لا عن السينما التي تشكل الصورة للصورة. بدأ تكويني السينمائي في الستينات عندما اصطحبني أخي الصغير إلى جمعية السينما للهواة والجامعة التونسية لنوادي السينما، وذهبنا إلى بلدة حمام الأنف التي جمعت عناصر نسائية عدة، وكوّنا فريقاً سينمائياً، وتحملت كل منا مسؤولية العمل ضمنه بالتناوب، فأخرجنا فيلمين، وكانت تلك بداية إصابتي بفيروس السينما، ولا أذكر أن قضية الجنس، ذكراً أو أنثى، شابت علاقاتنا.
عندما عدت من باريس ذهبت إلى التلفزيون للعمل فيه مساعدة مخرج، وكان هناك 28 مخرجاً ذكراً وفاطمة اسكندراني. وأذكر أن إدارة التلفزيون تساءلت عن طلبي للعمل بتلك الصفة، وقالت إن لديها فاطمة وهذا كافٍ، وكأن فاطمة أنموذج فريد في حديقة حيوان. عملت في الاخراج بعد إصراري، وكانت علاقتي مع المخرجين والتقنيين عادية وطبيعية. ولكن يبدو لي أنّ ثمة خلفية أخرى دفعتني إلى العمل خمس سنوات في التلفزيون من دون إعطائي فرصة الاخراج، علماً أنني أخرجت أعمالاً في شكل غير رسمي، حتى جاءت السنة العالمية للمرأة وجاء مشروع فيلم "فاطمة 75"، فغادرت التلفزيون وعملت بمفردي.
تلقيت المبادرة بكثير من الحنان والتعاطف وأكنّ الاحترام لمخرج غير معروف، لكنه في نظري من أفضل المخرجين التونسيين، وإن كان يعمل فقط على الأفلام الوثائقية، هو حميد بن عمار الذي قال لي بعد مشاهدته "فاطمة 75"، إنني أعطيت درساً في نوعية خاصة في السينما، لأنه فيلم خيالي وثائقي مستنبط من الواقع. ومن "فاطمة 75" بدأت أنشط كعضو في جمعية السينمائيين التونسيين التي عملت فيها كاتبة عامة... وبدأ النضال من أجل السينما.
الخيال
أنت من الجيل الذي وضع أسس السينما التونسية وضحى من أجلها، وكان له دور كبير في بعث الشركة السينمائية التونسية وأيام قرطاج، لماذا هو قليل الانتاج مقارنة بالأجيال اللاحقة التي كوّنها؟ أبسبب الامكانات غير المتوافرة أم الخيال المحدود والضعف المعنوي مثلاً؟
- الخيال موجود. لكن ثمة ظروفاً خاصة وعامة. الخاصة تتمثل في الرقابة التي فُرضت على فيلم "فاطمة 75" وأقفلت عليّ أبواب المسؤولين، لأنّ الفيلم موّل معظمه عدد من المؤسسات الرسمية، كوزارات الثقافة والمرأة والأسرة. الرقابة رفضت الفيلم لأنه كان يعارض الفكرة الرسمية القائلة إن الرئيس الحبيب بورقيبة هو الذي أنشأ المجتمع التونسي الحضاري ما بعد الاستقلال ومكانة المرأة من لا شيء، فيما أردت القول فيه إنّ في تاريخ المجتمع التونسي رجالاً ونساء وظروفاً تاريخية هيأت هي المجتمع لقبوله هذا القانون، لأننا لو أخذناه وطبقناه في أي دولة عربية إسلامية لكانت النتيجة مغايرة. إضافة إلى ذلك، سمحت لامرأة مناضلة، اسمها بشيرة بن مراد، بإلقاء كلمة في الفيلم بعدما كانوا وضعوها في سلة المهملات، فطلبوا مني حذف المشهد ورفضت. ثم أنني تحدثت عن مشكلات الجنس تزامناً مع إدراج المدارس مادة علمية عنه، لكنهم رفضوا أن يعلم الأولياء هذا الأمر. هناك إذاً كثير من التناقضات. فالتاريخ الرسمي يقول إن زوجة الرئيس السابق كانت موجودة أثناء تظاهرة عام 1952، ولكن من خلال وثائق وقعت بين يدي لم أجد اسمها ضمن النساء اللواتي شاركن في التظاهرة. لكنهم طلبوا مني إدراجها فرفضت، طالبة أن يؤكدوا لي روايتهم بأي وثيقة رسمية. فدوري كسينمائية إلقاء النظرة على التاريخ لا إعادة كتابته أو فبركته.
وبعدما فرضت الرقابة سلطتها أقفلت عليّ الأبواب وبدوري أقفلتها على نفسي، إذ يصعب على أي مبدع أو سينمائي أن يرى عمله على الرف ويمنع من تقديمه إلى الجمهور الذي هو هدفه، علماً أنني استطعت سرقة نسخة من الفيلم وإخراجها لعرضها في مهرجانات في بعض دول العالم. كل هذا دفعني إلى الابتعاد من السينما والتلفزيون وأسست محلاً للألبسة. وعلى رغم ذلك، بقيت عضواً في جمعية السينمائيين لأواجه، في عنف، المؤسسات الرسمية ويقوى الصراع بيننا. تلك المرحلة كانت صعبة لكنها كانت إيجابية، إذ حملت قوانين أتت بنفس جديد للسينما التونسية من خلال الأفلام التي جاءت بعد العام 1985، وكان أولها فيلم "ريح السد" لنوري بوزيد. إذ تشكل كل ذلك نتيجة الصراعات بين جمعية السينمائيين والسلطة التي أرادت أن تشركنا في خطابها السياسي بالقوة فرفضنا.
تقاليد وتحرّر
على رغم كونك من رائدات السينما وتحرّر المرأة التونسية، حمل "فاطمة 75"، وهو فيلم عن المرأة، رؤية اقل جرأة من القانون التونسي لجهة تحرير المرأة، وفي فيلمك "الطريون" عُدتِ إلى تكريس صورة المرأة التقليدية. لماذا؟
- بالعكس "فاطمة 75" كان أكثر جرأة من القانون، لذلك سُلطت عليه الرقابة. وفي "الطريون" لم تكن الصورة تقليدية. في كل أعمالي - وهذا ما فرض عليّ من دون أن أفطنه - هي الذاكرة التي أردت استرجاعها في "فاطمة 75"، لأننا شعوب نفتقد الذاكرة. وهذه هي مشكلتي. والفيلم تحديداً هو بحث في الذاكرة لمجتمع كامل من ضمنه عنصر هو المرأة. "الطريون"، في المقابل، لم يكن تقليدياً بل هو بحث في الذاكرة النسائية من خلال اللباس التقليدي الذي شكل تعلّة لندخل منها عالم المرأة ومعاني التقاليد ودلالاتها آنذاك. الآن قد ترى ملابسي عصرية، لكن في داخلي امرأة تقليدية تطالب دائماً بعاداتها وتقاليدها، لأنها تهمني وتهم ثقافتي، ولا أحب أن يقارنوني بأي امرأة أوروبية أو أميركية. فأنا أعتز بتقاليدنا وأعرف ما يجب أن أغرف ما هو إيجابي منها، ورمي ما هو سلبي، شرط ألا تشكل حاجزاً أمام حريتي.
ألا ترين أن التقاليد والعادات قد تقف في وجه التحرر الذي تتحدثين عنه؟
- كلا، هناك مفهوم خاطئ للتقاليد التي هي بالنسبة إلي ركيزة ثقافية، والمجتمع الذي يفقدها يفقد بالتالي أصالته. من حسن حظي أنني توجهت قبل سنتين، وكأول أجنبية ربما، إلى إيران بعد الثورة الإسلامية للمشاركة في ملتقى تجمع فيه عدد من السينمائيين والسينمائيات في العالم للتحدث عن صورة المرأة في السينما. خلاله تعرفت إلى عدد من الوجوه السينمائية النسائية ثم إلى الشعب الإيراني، من خلال تجوالي في طهران والتقرب من بعض النساء، فأدركت، على رغم لباس "التشادور"، مدى تحرر المرأة الإيرانية من داخلها بأفكارها وصمودها. لذا على الإنسان معرفة حقيقة تقاليده وعاداته وفهمها لتطويرها في تفاصيل الحياة اليومية. ورفض التقاليد لا يعني التحرر بالنسبة إلي، بل أعتبره نوعاً من التخلّف. ولا يمكن أي مجتمع حضاري أن ينفصل عن ماضيه.
بعد فيلم "فاطمة 75"، انتظرت عشرين عاماً لتخرجي فيلم "حبيبة مسيكة". هل كان ذلك بسبب قيمة الفيلم الأول غير المشجعة، أم بسبب ظروف الانتاج والاكتفاء من السينما بالعمل مساعدة مخرج؟ ما الذي كان يخدّر طموحك؟ ورسالتك التي تحملين كمخرجة على أي رفٍّ رُكنت خلال عقدين؟
- مفهومي للرسالة ليس كلاسيكياً، ولم أتخلّ يوماً عن رسالتي. فالصراع داخل جمعية السينمائيين الذي أخبرتك عنه، كان رسالة، في نظري ونظر كثر من السينمائيين من أبناء جيلي، ومفادها أننا حتى لو ضحينا وابتعدنا من أفلامنا، علينا إقامة ركائز أفضل للسينما التونسية. هذا لا يعني أنني أخمدت طموحي كمخرجة، بل كنت ألملمه وأحفظه في خزانة لتفيد منه ربما الأجيال اللاحقة، ولكن كانت هناك أولوية تتمثل في تحقيق ركائز من ناحيتي القوانين والإنتاج الذي يشكل أكبر مصيبة لدينا. سايرنا المسؤولين في القوانين، لكنهم في المقابل، وشيئاً فشيئاً، أزالوا عنا المكاسب وأكبرها الشركة القومية للإنتاج والتوزيع التي حولوها قطاعاً خاصاً، وبالتالي تدهور مستوى الأعمال، فبدأنا نشاهد أفلام الكاراتيه والأفلام الهندية وبعض المصرية الهابطة، ودفعونا إلى إنشاء مؤسسات صغيرة خاصة. وهم يحاولون الآن بيع استوديوهات التحميض. هذا التخبط جعلنا نفكر كيف نحافظ على ما تبقى من مكاسب، ما سرق من حياتنا عشرين عاماً. وبين "فاطمة 75" و"حبيبة مسيكة" وبخلاف نشاطي في جمعية السينمائيين، اشتغلت في السينما ليس كمخرجة وإنما مساعدة في الاخراج والانتاج. وفي الثمانينات عملت مديرة إنتاج.
على رغم تفهمنا حساسيتك، كامرأة تتحدث عن امرأة أخرى تعيش قصة حب متميّزة، فإن اختيار "حبيبة مسيكة" موضوع أوّل فيلم سينمائي عن فنانة تونسية أثارت تساؤلات عدة. لماذا اخترت هذه الفنانة اليهودية نموذجاً لتحرر المرأة أو للمرأة التونسية المبدعة؟ ولماذا لم يقع الاختيار على "صليحة" أو "علية" الأكثر ارتباطاً بالحركة الوطنية وبتحرر المرأة في تونس؟ هل هي مغازلة ليهود العالم وطمع في لفت انتباههم إليك؟ أم هو ركوب نسائي، هذه المرّة، لموجة حملت أفلاماً مثل "ريح السد" و"صيف حلق الوادي"؟
- لا هذا ولا ذاك. لدي ارتباط خاص عاطفي وثقافي بسنوات الثلاثين. عاطفي لأنّ الذاكرة التي أبحث عنها دائماً مرتبطة بتلك المرحلة التي جاءت أكثر معطياتها من والدتي وبعض الشخصيات النسائية في العائلة عندما كانوا يتحدثون عن المرأة التونسية في العاصمة وانغلاقها داخل بيتها، ولكن كيف كان لها عالمها العجيب من الحرية وقدرتها على إيجاد الحلول لأي مشكلة تواجهها. هذه القصص ملأت خيالي وأنا شابة دفعتني إلى الحلم وسؤال نفسي: لماذا لم أعش تلك المرحلة! فمن الناحيتين الثقافية والسياسية، شكلت تلك المرحلة أغنى السنوات خلقاً وإبداعاً في الكتابة والمسرح والموسيقى. وهذه الأمور، الفنية والأدبية، ارتبطت بفكرة الوطنية التونسية التي كانت متمزقة بين أثر الثقافة المصرية، وقد اقتحمتنا من خلال السينما والمسرح، والثقافة الفرنسية التي فرضها علينا الاستعمار عبر الكتب والمطبوعات. لذا أراد بعض الفنانين التونسيين فرض رؤية خاصة إلى جذور الثقافة التونسية، والأقلية اليهودية، شئنا أم أبينا، أدت دوراً مهماً في مجال الأغنية، لأنها لم تستنبط أفكاراً من الأعمال المصرية، بل عادت إلى الأغاني القديمة في التراث التونسي، وكانت متشبثة به أكثر من التونسيين العرب. كل هذه حقائق تاريخية اجتماعية، وبكل تلقائية وحرية لا أعرف لماذا أرفضها، خصوصاً أنها جزء من ذاكرة المجتمع التونسي. ربما جاءت بعد ظروف سياسية غيّرت النظرة بالنسبة إلى اليهود، لكن علينا التفريق بين اليهودية والصهيونية. نحن اليوم كفئة مثقفة في الدول العربية إذا لم نستطع التفريق بين هذا وذاك، يعني أننا ما زلنا بعيدين من الحقائق. لذا أعتبر "حبيبة مسيكة" ملكي. ولعلمك، فقد أزعج الفيلم اليهود المتخصصين في السينما داخل فرنسا وأميركا، لأنهم لم يفهموا لماذا تنجز امرأة عربية مسلمة فيلماً عن حبيبة مسيكة وهي لهم بحسب اعتقادهم، فيما أنا أعتبرها جزءاً من ثقافتي وبعضاً من الذاكرة الاجتماعية. وللتوضيح فأنا لم أختر حبيبة مسيكة نموذجاً للمرأة التونسية، إنما للفئة الثقافية والفنية المحيطة بها، لكن ما همني في الشخصية تعبير الفنانة في مجتمع كان يدّعي وقتها التحرر والأفكار التقدمية، فيما لم يسمح لأي امرأة بأن تكون فنانة، وحبيبة تحدته وفرضت حريتها في اختيار حياتها وعشقها الفن والرجال. هذا ما همني من القصة، وفيها أرى نفسي. فقد وضعت البحث عن حريتها فوق أي اعتبار، لذا سميت الفيلم "رقصة النار" لأن حبيبة في الفيلم كانت تقول إنها كالفراشة التي تجذبها الأضواء فتقترب منها وهي تعلم مسبقاً أن الأضواء ستحرق جناحيها.
عُرفت سابقاً بتصدرك النضال من أجل تقدم القطاع السينمائي من خلال جمعية السينمائيين التونسيين، لكنك أخيراً سجلت غياباً ملحوظاً على صعيد النضال المطلبي لتحسين ظروف المهنة، هل هذا عائد إلى اعتقادك أن ظروف المهنة لم تعد في حاجة إلى نضال وتطوير، أم أنك عثرت على حلول فردية نقلتك إلى خندق المنتجين؟
- هي حال جماعية يؤسف لها. وعندما أتحدث إلى بعض السينمائيين عن استخدام البعض الجمعية من أجل أغراض شخصية، ألقي اللوم على أنفسنا، لأننا سلمنا بالجمعية وبالنضال، وهذا يعود، ربما، إلى كبر السن. اعتقدنا في الماضي أننا سنسلم الجيل الجديد دفة النضال، لكننا، كما المجتمع وكما نحن، أصبحنا منفردين. وهذه ظاهرة لست فخورة بها. ولم نعد نملك القدرة والقوة التي تحلينا بها سابقاً كوننا مجموعة متحدة. قطاع الإنتاج السينمائي يشتمل الآن أكثر من ثلاثمئة شركة لا نعرف أصحابها. ثمة منتجون يتنقلون بحقائبهم داخل الأسواق ويزاحمون المنتجين الحقيقيين ويسلبونهم العمل بعيداً من الأسس والقوانين التي تحكم المهنة. ولم يعد هناك فرق بين اللونين الأبيض والأحمر، فالأمور اختلطت. لذا ينصب صراعي الآن على القيام بعمل جدّي يرتكز على أسس وقوانين مهنية، وهذا ليس سهلاً.
مخرجة
يشار إليك، الآن، منتجةً أكثر منك مخرجة. هل استقرّ رأيك على العمل في الإنتاج أم ستعودين إلى الإخراج السينمائي؟ وهل ثمة عمل جديد يجاوز هنّات الفيلمين الأولين؟
- في قرارة نفسي، أشعر أنني مخرجة أكثر مني منتجة أو مديرة إنتاج. وأشعر بالسعادة كلما حاولت إدخال عناصر سينمائية في الإنتاج التلفزيوني. قدمت، العام الماضي، مشروع عمل سينمائياً إلى وزارة الثقافة لتلقي الدعم لكتابة النص. والآن عاودت تقديم طلب للإنتاج، وهو فيلم، كما العادة، يعتمد استرجاع الذاكرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.