} مفيدة التلايلي من أبرز المخرجات العربيات، وقد حققت شهرتها ومكانتها عبر أول فيلم روائي نفذته وعنوانه "صمت القصور"، وكان منذ عرضه الأول في مهرجان "كان" السينمائي قبل سنوات، لفت الأنظار وارتفع بمستوى ما يسمى "سينما المرأة العربية". من هنا كان التوقع كبيراً حين وصلت مفيدة التلاتلي، الى الاشغال الأخيرة لفيلمها الثاني "موسم الرجال". ولكن حين عرض، وأيضاً في دورة "كان" هذا العام، تبدت الخيبة كبيرة، وسأل كثرٌ: هل وصلت المخرجة الى ذروة ابداعها في فيلمها الأول، ولم تعد قادرة الا على التنويع عليه، شكلاً ومضموناً، على طريقة معظم المبدعين العرب الذي تكون أعمالهم الأهم طوال تاريخهم، أعمالهم الأولى؟ أم ان كل ما في الأمر ان مفيدة أنجزت فيلمها في سرعة ومن دون تروٍ، لضرورات انتاجية؟ بعد ذلك حين فاز الفيلم نفسه، بالجائزة الكبرى في مهرجان معهد العالم العربي في باريس، قبل شهرين، لم يرق هذا الفوز لكثيرين، من نقاد وأهل مهنة، فهاجموا الفيلم واعتبروه غير جدير بالجائزة، وكانت الصحافة التونسية بدورها هاجمته. في المقابل أبدى نقاد فرنسيون وأجانب اعجابهم ب"موسم الرجال"، ولكن كان من الواضح ان هذا الاعجاب يتأثر بأجواء الفيلم السياحية، والغرائبية التي اتسم بها في بعض مشاهده. في اختصار كان من الواضح ان الاعجاب "الأجنبي" بالفيلم كان فولكلورياً استشراقياً. اليوم يصل فيلم التلاتلي الى بيروت، وترافقه المخرجة - بحسب تأكيدات الجهات المنظمة للتظاهرة السينمائية التي يندرج عرض الفيلم في اطارها - ويشاهده الجمهور ويحاور صاحبته. أما التظاهرة نفسها التي نعنيها، فهي تظاهرة سينمائية تقام ضمن اطار "لقاءات صيدا 2000"، لكن عروضها السينمائية ستتم في بيروت، وتشمل عدداً من الأفلام التي كانت فازت بجوائز مهرجان السينما العربية في باريس، وفي مقدمها "موسم الرجال"، و"جنة الشياطين" لأسامة فوزي، و"حريم مدام عثمان" للجزائري نادر مكناش، و"بركة الشيخ" للسوداني جادالله جبارة، و"أول عيد ميلاد" للتونسي كامل شريف. وهذه العروض تواكب ما اطلق عليه منظمو التظاهرة اسم "ورشة عمل عن المرأة في السينما العربية" ستقام في قاعات "الجامعة اللبنانية - الأميركية" وبمساهمة من معهد العالم العربي في باريس، ويشارك فيها - بحسب بيان للمنظمين - عدد من السينمائيين والصحافيين من لبنانوتونس والجزائر وسورية. واضح هنا أن مفيدة التلاتلي وفيلمها سيكونان نجمي التظاهرة، إذ سيتعرف الجمهور المحلي عندنا إلى تلك السينمائية التي كانت أثارت اعجابه عبر "صمت القصور" وسينظر عن كثب هل يستحق فيلمها الجديد "موسم الرجال" الضجيج الذي أثير من حوله، شكلاً ومضموناً. في انتظار ذلك رأت "الحياة" أن تجري حواراً مع مفيدة التلاتلي نفسها، يتناول سينماها ووضعية المرأة والوضع الثقافي العربي عموماً، هنا وقائعه: بعد عشرين عاماً من عشقها السينما وعملها في "مونتاج" أفلام مخرجين كثر كالجزائري مرزاق علواش والفلسطيني ميشال خليفة والتونسيين الطيب الوحيشي وسلمى بكار، خرج فيلم مفيدة التلاتلي الأول "صمت القصور" فحصد ما حصد من الجوائز العالمية والإقليمية، وعدَّته الصحافة الأميركية واحداً من أبرز أفلام القرن العشرين. وكرد فعل على واقع تعيشه في تونس المرأة الحائرة بين حقوقها وعلاقتها المتوترة بزوجها، جاء فيلمها الثاني "موسم الرجال" الّذي ما لبث أن خرج إلى النور ليحصل على جائزة معهد العالم العربي في باريس. المخرجة مفيدة التلاتلي واحدة من أبرز الأسماء المتميزة والحاضرة في السينما النسائية التونسية، التقتها "الحياة" قبل مغادرتها تونس في جولة عمل تقودها إلى الولاياتالمتحدة وعدد من الدول العربية والأوروبية، وأيضاً الى لبنان، على الأرجح، حيث يعرض فيلمها الجديد وتشارك هي في ورشة عمل عن سينما المرأة العربية. كثيراً ما دارت أحداث فيلم "صمت القصور" داخل جدران القصر. لماذا لم تخرج الكاميرا إلى النور؟ - حين تصورت الفيلم للمرة الأولى كنت أجلس داخل سيارة مغلقة، مع والدتي التي كانت دخلت في حال صمت مرضي كامل وبقيت أعالجها سبع سنوات حتى توفيت. هذا الصمت الّذي جاء رد فعل على السجن "القصر" الكبير الّذي عاشت فيه معنا ومع الجواري اللواتي فقدن حريتهن بوجود عنصر القوة الذي كان يمارسه والدي، ما أدّى إلى فقدان التواصل بيننا وبينه. في "صمت القصور" أردت أن أتحدّث عن والدتي وظروفها في حين اختلطت ذاكرتي ومعايشتي إياها مع حياة النساء اللواتي يعشن معها في القصر. كانت الحكاية عبارة عن حال المرأة في ذلك الوقت، وقدحاولت تسليط الضوء عليها. بعد ذلك كان ما دفعني الى "صمت القصور" علاقتي بابنتي البالغة من العمر 16 عاماً، وقد بدأت تتصرّف كامرأة عادية ما جعلني أسأل عن الصواب والخطأ في تصرفاتها، إلاّ أنني وجدت نفسي، كأم، حائرة وعاجزة عن النصح، خصوصاً بعدما تبدّل المجتمع وأصبحت المرأة تملك قسطاً كبيراً من الحرية فيه، علما أنّ الحقيقة تقول إنّ العقلية لم تتطبّع مع القوانين، وما يدور داخل البيت يؤكد أنّ الرجل ما زال متشدّداً وبالتالي متميزاً عن المرأة. وماذا عن "موسم الرجال"؟ - هنا أيضاً رغبت في التحدث عن المرأة من خلال الأسئلة التي وجّهتها الى ابنتي، ما دفعني إلى التفكير في العلاقة بين المرأة والرجل والبعد الحاصل بينهما على المستويين المعنوي والفكري. الفكرة جاءتني من خلال محيطي في مدينة جربة حيث أعرف نساء يعشن وحيدات بعيدات من رجالهن الّذين يعملون في العاصمة تونس ولا يزورون الجزيرة سوى مرة في الشهر. المرأة هناك تعيش حياة مظلمة مليئة بالحيرة والتساؤلات وتحلم بأن يعيش زوجها معها تحت سقف واحد. رغبت في القول إنّ الرئيس التونسي السابق الراحل الحبيب بورقيبة لم يكن وحده من منحنا الحقوق، وان الحرية لا تتجسّد بالنساء اللواتي يخرجن إلى الشارع متبرجات. أردت الإشارة إلى النساء اللواتي يضحّين من أجل بناء الأسرة والمجتمع وحق المرأة في الصمت، والمرأة القابعة في منزل لأنّ هذا ما يسهم في تحرير المرأة. يلاحظ التركيز في أعمالك على المرأة وحدها، هل المجتمع المغاربي عبارة عن امرأة فقط؟ أم هل المشكلة الاجتماعية تلخّصها امرأة؟ أم أنّ السياقات الاجتماعية يتكثّف حضورها بالمرأة؟ - المجتمع عبارة عن رجل وامرأة، والمشكلة ليست محصورة في المرأة بل حتى في الرجل الّذي تزعزع موقع له ظل ثابتاً فيه، أربعة عشر قرناً، بسبب تطوّر المرأة. إذاً المرأة هي مجال الخلاف، وهذا هو الشائع في ثقافتنا العربية والإسلامية، سواء من جهة الموروث الديني أو من جهة العادات والتقاليد، وهنا أسأل أيضا هل يطمح المغاربة من أعمالهم إلى الإثارة أم إلى خدمة الفن؟ - قد تكون السينما المغاربية تحدثت أكثر عن المرأة بسبب تقدّمها في المجتمع، علما أنّ غالبية المخرجين من الرجال. لا أدري هل قصدوا الإثارة، بل ما أدركه جيداً أنني من خلال فيلمي بحثت عن تساؤلات فتاة اليوم التي تعيش حيرة أعيشها نفسها كأم، وسؤالها عن موقعها في المجتمع وعلاقتها بالرجل. لذلك حاولت إيجاد الأجوبة عن هذه التساؤلات. أعتقد أن السينمائيين المغاربة يحاولون تقديم فن صادق، من أجل إيصال الرسالة عن مشكلات المرأة وحقوقها، ربما كان هناك بعض التشويه، لكنه في النهاية لم يخرج عن الحقيقة. قد تسأل هل له الحق في إبراز هذا التشويه أم لا؟ وما قصده؟ أرى أنّ الأهمية تكمن في واقعية العمل، وهذا ما رأيناه من خلال التركيز على "الحمام" وما يدور فيه بين النساء. هناك حضور متميز للسينما النسائية في تونس، كالمخرجة سلمى بكار وناديا الفاني وناجية بن مبروك، ما خلفية هذا الحضور؟ - السبب يعود إلى الحرية التي اكتسبتها المرأة التونسية منذ العام 1956 من خلال القوانين التي شجعتها على التعبير، وهي بذلك تتقدّم عن المرأتين الجزائرية والمغربية. علينا أن نثبت وجودنا كنساء في السينما كما أثبتناه في كثير من الميادين الاجتماعية والمهنية. كيف تقوّمين السينما المحلية؟ وفي رأيك لماذا غاب النقد؟ - النقد موجود وأهميته كبيرة، إنّما المشكلة في الأداة الجامعة بين المبدع والجمهور، ألا وهو الناقد الّذي أصبح يتحدّث فقط عن حبه أو كرهه للفيلم من دون إبراز مضامينه وشرحه كي يفهم القارئ، وبالتالي تعوّد الجمهور عدم السمع. لماذا أصبحت المهرجانات أهم من السينما بعدما كانت مجرد موجة ثقافية؟ - بسبب عدم التوزيع. ففيلمك، ولو حصد مئة جائزة، لن تجد من يشتريه ويوزعه. في العام 7619 وضمن فاعليات مهرجان قرطاج السينمائي دعونا إلى لقاء بين رجال الثقافة ومن يملكون السلطة في الدول العربية والإفريقية للبحث في مزج الإمكانات والتعاون المشترك من أجل التبادل والتواصل. البعض انتقد التلفزيون التونسي الّذي لا ينتج أي عمل في سوى شهر رمضان تاركاً الباب لرياح الفيلم المصري والمسلسلات المصرية طوال 11 شهراً، والسبب رخص هذه الأعمال مقارنة بالإنتاج المحلي. المهرجان أصبح النافذة الوحيدة لرؤية الفيلم. الجمهور الغربي كيف يتعامل الجمهور الغربي مع النتاجات السينمائية العربية، وأتوجه بهذا السؤال لمشاركاتك الكثيرة في المهرجانات السينمائية العالمية؟ - "صمت القصور" تحدّث عن البايات في تونس ومرحلة الاستقلال الّذي لم يتطرّق إليه حتى المنهج الدراسي، الأمر الّذي ربما كان يهم الجمهور التونسي أكثر من غيره، لكنني فوجئت بأن الفيلم، وفي عرضه الأول خارج تونس، لاقى إعجاب الجمهور واستحسانه، واعتقدت للوهلة الأولى أنّ هناك سوء تفاهم، حتى جاءتني امرأة وغيرها من النساء الأميركيات ليؤكدن لي أنّ حق المرأة الأميركية مغبون وهذا الغبن موجود تاريخياً وما زال ماثلاً إلى اليوم. عموماً يأتي الإقبال الغربي على نتاجاتنا حباً بالاستكشاف والاطّلاع، إضافة إلى الإعجاب بمضمون أعمالنا وتقنياتها ومستوى الإخراج فيها. لماذا غياب الأفلام التونسية ذات الإنتاج الغربي المشترك عن الساحة السينمائية العربية؟ هل بسبب مضامين الأعمال كما في أفلام النوري بوزيد وسلمى بكار وفريد بوغدير، التي تصب في الاتجاه السياسي المعتاد للسائد؟ - سؤالك صعب، لا أدري كيف يفكّر المعنيون في الدول العربية بالأفلام التونسية. الأمر الوحيد الّذي أعرفه وأفرحني هو أنّ المخرج يوسف شاهين أعجبه "صمت القصور" وأراد شراءه وتوزيعه، ورغب في أن نصنع فيلماً عن الفنانة الراحلة أم كلثوم ومن إنتاجه الخاص. أما في ما يتعلّق بأفلام بوزيد وبكار وبوغديروما فيها من حديث عن اليهود، فهم أحرار في ذلك. المشكلة ليست محصورة بالفيلم التونسي. هل الفيلم المغربي أو الجزائري موجود؟... كلا، والسبب هو التنظيم، ولا اعتقد أنّ السياسيين مهتمون كثيراً بما تطرحه الأفلام التونسية. وفي رأيي يبقى المسرح، كظاهرة ثقافية، أهم من السينما، لذا ترى المسرح التونسي موجوداً ومعروفاً في الدول العربية، على رغم استخدامه اللهجة المحلية، وعلى رغم ما واجهناه سابقاً من مشكلات في توزيع أعمالنا السينمائية بحجة اللهجة. على العرب أن يبادروا بأعمال مشتركة في النتاج الثقافي، لكننا غير متفائلين ما دام السياسيون أصلاً غير متفاهمين، وهذا صعب. "صمت القصور" شهد إقبالاً عربياً في خطوة أولى اعتبرها جيدة نحو الانتشار، وهذا يعود ربما إلى طرح مشكلة المرأة التي تواجهها العربيات، وليس صحيحاً أنّ المرأة التونسية لها منزلة خاصة في مجتمعنا، بل الصحيح أنّ القوانين التي حصلت عليها لم تصل إليها المرأة العربية العربية. وعلى رغم ذلك، هذا لا يمنع وجود مشكلات تواجهها المرأة التونسية بسبب عدم فهمها - كما يجب - القوانين الممنوحة لها. هل تنحصر مشكلات السينما العربية - كما صرحت سابقاً - في غياب الإنتاج العربي المشترك فقط، أم أنّ هناك أسباباً أخرى؟ - السبب الأول غياب الإنتاج العربي المشترك، وهذا نابع ربما من فقدان مشروع ثقافي عربي، إضافة إلى ضعف مشاريع وزارات الثقافة الذاتية، ما عدا ربما وزارة الثقافة التونسية التي تسهم في جزء من النتاجات التونسية، وهذا ما يدعونا إلى التوجه نحو الدول الغربية طلباً للدعم.