لم يشهد العالم منذ ايام الفورة النفطية العربية في السبعينات ومطلع الثمانينات مثل هذه الشحة في امداد الطاقة، خصوصاً النفط، كما هي الحال في الوقت الحاضر. ومنذ تلك الايام لم تتح للدول العربية المنتجة للنفط، المصدّرة الرئيسية الى العالم، فرصة كهذه لمراجعة معادلة الكلفة - المنفعة التي تميل الى مصلحة البلدان الغربية الصناعية المستهلكة للنفط، خصوصاً الولاياتالمتحدة. فاذا استطاعت الدول العربية، وبشكل خاص المجموعة المنتجة للنفط، ترتيب تحركها الاقتصادي والديبلوماسي وتنسيق استراتيجياتها والعمل بانسجام يمكنها ان تمارس نفوذاً هائلاً على القضايا الاقتصادية والسياسية التي تواجه العالم العربي في الوقت الحاضر، خصوصاً النزاع العربي - الاسرائيلي. تتفاقم حالياً شحة، ان لم تكن ازمة، على صعيد الطاقة عالمياً. وفي الولاياتالمتحدة، اكبر مستهلك للطاقة في العالم، تتطور الازمة بشكل سريع ويتوقع ان تستفحل في شهور الصيف المقبلة، اذ يتزايد الطلب على الوقود لانتاج الكهرباء والتبريد والبنزين للسيارات. ومن المؤشرات المبكرة على هذه المحنة ما شهدته ولاية كاليفورنيا هذا الشتاء واسعار البنزين التي ارتفعت بسرعة في محطات الوقود. وبالفعل، يبدو انها ازمة ستشتد في السنوات المقبلة. ويرجع السبب الى ان إمداد الطاقة، خصوصاً النفط، على الصعيد العالمي لا يتناسب مع الطلب، وتبدو احتمالات التغلب على هذه المحنة ضعيفة على المدى القصير. ويكمن احد الاسباب الاساسية وراء ذلك في حقيقة ان القدرة الفائضة او الاضافية لانتاج النفط التي كانت موجودة منذ حرب الخليج ضد العراق في 1991 تبخرت تقريباً. بالاضافة الى ذلك، لا يتوقع ان تتوسع هذه الامكانات على المدى القريب والقصير اذا اخذنا في الاعتبار التزامن الحالي لمشاكل اقتصادية ولوجيستية وسياسية. والبلدان المرشحة اكثر لحدوث مثل هذا التوسع هي، في أي حال، الدول المنتجة للنفط في مجلس التعاون الخليجي والعراق وليبيا. في اعقاب حرب الخليج في 1991، جرى التعويض عن النقص في امدادات النفط العالمية، من جراء فقدان النفط العراقيوالكويتي، عبر قدرات الانتاج الاضافية لدى المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والى حد ما فنزويلا. كما جرى تعزيز استقرار السوق النفطية التي حرّرت من القيود منذ منتصف الثمانينات واسعار النفط المتدنية بواسطة احتياطيات النفط الاستراتيجية لدى "وكالة الطاقة الدولية" IEA، بما فيها احتياطيات النفط لدى الحكومة الاميركية. وكانت هذه العوامل، الى جانب استعداد بلدان معينة منتجة للنفط، خصوصاً السعودية، لاستخدام قدرتها الاضافية لضخ مزيد من النفط عندما يرتفع الطلب، هي الآليات الفاعلة التي حافظت على امدادات النفط وبنية الاسعار بما يناسب البلدان المستهلكة، خصوصاً الولاياتالمتحدة. وحسب تقرير عن ازمة الطاقة أعدّه "معهد جيمس بيكر الثالث للسياسة العامة" في جامعة رايس، لم تعد هذه الاجراءات والمبادرات السياسية فاعلة لتوفير الامدادات المطلوبة وسد النقص كما جرى خلال العقد الماضي. ما تغير بشكل اساسي هو ان الطلب العالمي على الطاقة بما في ذلك النفط، كما يشير هذا التقرير، فاق كثيراً قدرات الانتاج الاضافية لمصدّري النفط، ومن ضمنهم السعودية. ويضيف التقرير ايضاً ان القدرة الاضافية خلال فصل الشتاء الاخير بلغت نسبة تافهة لا تتجاوز 2 في المئة فقط من الطلب العالمي. المفارقة بالنسبة الى البلدان المستهلكة في الغرب خصوصاً الولايت المتحدة هي ان تقرير معهد بيكر يلاحظ أن احد العوامل الاساسية التي ساهمت في التآكل التدريجي لقدرات انتاج النفط الاضافية في العالم هي العقوبات المتعددة الجنسيات والاحادية الجانب المفروضة ضد العراق وليبيا وايران. فهذه العقوبات، وغموض آفاق الوضع السياسي - بشكل خاص في منطقة الشرق الاوسط المشحونة بالتوتر بسبب السياسات المتشددة لاسرائيل - ورأس المال الهائل وغير المتوافر الذي يجب استثماره من اجل توسيع القدرات الانتاجية، هي اسباب مهمة وراء الغياب الكلي تقريباً في الوقت الحاضر لقدرات الانتاج الاضافية والنقص المزمن في امداد النفط. وهناك عوامل ثانوية، اقتصادية على وجه التحديد، تساهم في ركود عملية توسيع قدرات الانتاج الاضافية وفي الضغوط على اسعار النفط: التراجع في الآبار المنتجة حالياً خصوصاً في الاسكا، ولكن في اماكن اخرى ايضاً وفي التنافس العالمي بسبب الانخفاض في عدد وتنوع المنتجين الرئيسيين. وسلطت هذه الاوضاع الضوء أكثر من اي وقت مضى منذ اواخر السبعينات على الموقع والدور المهم للنفط العربي، خصوصاً النفط السعودي، على الاقل في التأثير وربما تقرير سمات اسواق النفط في الوقت الراهن والمستقبل. ويرجع هذا الى ان هذه البلدان العربية المنتجة للنفط لا تزال تملك اكبر احتياطي في العالم يوجد في الشرق الاوسط، بما في ذلك ايران، حوالي 60 في المئة واكبر امكانية لتوسيع قدرات الانتاج الاضافية على المدى القصير والمتوسط. يوفر هذا الوضع فرصة اخرى، تشبه الى حد ما تلك التي برزت في السبعينات ومطلع الثمانينات، من شأنها ان تتيح للعالم العربي اذا تحرك بصورة متضامنة وبعزم وحنكة ان يمارس ضغوطاً اقتصادية وديبلوماسية على السواء على البلدان المستهلكة في الغرب قبل ان تدخل مناطق نفطية جديدة غير عربية او ايرانية بما فيها مناطق في روسيا وحوض بحر قزوين و "الملاذ الوطني الاميركي للحياة البرية في القطب الشمالي" ANWR الانتاج التجاري بصورة كاملة. هذه الفرصة لن تدوم الاّ لفترة قصيرة نسبياً: من ثلاث الى عشر سنوات. لكنها فرصة في متناول اليد. وهي ممكنة وقد تمتد لفترة اطول لأن الارجح ان تعوق القيود اللوجيستية والمالية والسياسية والبيئية والتكنولوجية القائمة حالياً التوصل الى حل سريع لمأزق الطاقة العالمي والاميركي. وتتوافر هذه الفرصة بدرجة اكبر لأن الولاياتالمتحدة تجد نفسها في ورطة ديبلوماسية واقتصادية مع العالم العربي. فسياساتها الديبلوماسية والعسكرية تجاه العالم العربي في العقد الاخير - خصوصاً تجاه النزاع العربي/الفلسطيني - الاسرائيلي، وسياستها تجاه العراق التي لا تحظى بشعبية على المستوى الدولي وتثير القلق، والمواقف العلنية المتحاملة والعدائية تجاه الاسلام كثقافة والاسلام السياسي كحركة - أثارت الكثير من الاستياء وسط الجماهير العربية وقطاعات مهمة من النخب العربية، بما في ذلك في البلدان المنتجة للنفط. ستحاول الولاياتالمتحدة أولاً وقبل كل شيء ان تحل الازمة الناشئة للطاقة بطريقة مماثلة نوعاً ما لتعاملها مع الازمة السابقة خلال العقد 1973-1982. والارجح أنها ستشرع باجراءات وحوافز للحفاظ على الطاقة، وتوسع البحث وانتاج انواع من الوقود قابلة للتجديد، وتزيد استخدام الطاقة النووية رغم المخاطر البيئية المرتبطة بها، وتفتح مناطق محمية بيئياً بما فيها "الملاذ الوطني الاميركي للحياة البرية في القطب الشمالي" ANWR ومناطق ساحلية لعمليات التنقيب عن النفط وانتاجه، وتحفيز الاستثمارات في حقول جديدة عالمياً، وازالة العوامل السياسية التي تؤثر على اسواق الطاقة العالمية. لكن هذا كله لن يحل ازمة الطاقة على المدى القصير والمتوسط. ويستنتج تقرير معهد بيكر بصورة حاسمة: "الخلاصة، لن تكون هناك أي حلول سريعة لمشاكل الطاقة الراهنة". ستحتاج أي حقول نفطية جديدة - على افتراض انه سيجري التغلب على كل العقبات اللوجستية والسياسية والتكنولوجية والبيئية - الى سنوات عدة قبل ان تتمكن من الانتاج بمعدلات تجارية. لكن البعد السياسي لأزمة الطاقة يمثل كعب أخيل بالنسبة الى مساعي الولاياتالمتحدة لمعالجة هذا المأزق. ويتجلى هذا بشكل خاص في ما يتعلق بالعالم العربي. وفي الواقع فإن تقرير معهد بيكر، الذي يمكن القول انه يعبر عن وجهات نظر العناصر الاقل عداءً تجاه العالم العربي وسط نخب صانعي السياسة في اميركا، يدعو الحكومة الاميركية علناً الى حد ما الى تبني استراتيجية ديبلوماسية/سياسية تقوم على فك الاشتباك بين قضية النفط البعد الاقتصادي والنزاع العربي - الاسرائىلي والعراق البعد السياسي وابقائهما على مسارين منفصلين. وبعد الاقرار بحقيقة ان العراق اصبح عملياً "منتجاً متأرجحاً"، وان معظم بلدان مجلس التعاون الخليجي "مستاءة من القصف في منطقتي الحظر الجوي ومن نظام العقوبات ضد العراق"، وان "المشاعر المناهضة لاميركا" واسعة في المنطقة، يحض التقرير على انه "ينبغي للولايات المتحدة ان تجري مراجعة عاجلة لسياستها تجاه العراق، بما في ذلك عسكرياً وعلى صعيد الطاقة واقتصادياً وسياسياً/ ديبلوماسياً". وهي توصية تتداخل مع ما تقوم به ادارة بوش حسب ما تفيد تقارير. ويوصي التقرير على وجه التحديد ب "الغاء تدريجي" للعقوبات غير الفاعلة لاظهار الاهتمام ب "رفاه الشعب العراقي" الى جانب ابقاء العقوبات التي تستهدف "قدرة بغداد على الاحتفاظ باسلحة الدمار الشامل وحيازتها". لكن التقرير يسلّط بذلك الضوء على مأزق سياسي يتعين على الولاياتالمتحدة ان تعالجه: قدرة العراق على ان يدعي الانتصار لصموده بوجه جبروت اميركا طوال عشر سنوات وخروجه ايضاً بوصفه بطل القضية الفلسطينية. ويلمح التقرير بقوة الى ضرورة التصدي بكل الوسائل اللازمة لمثل هذا الجهد الدعائي من جانب العراق. المدهش انه رغم اعتراف التقرير بحقيقة الترابط بين السياسي والاقتصادي في اذهان الشعوب العربية في المنطقة، فإنه لا يدعو الى تقويم جديد للسياسة الاميركية تجاه النزاع العربي - الاسرائيلي، كما يفعل بالنسبة الى السياسة تجاه العراق. وفي توافق مع الخطاب السياسي الاميركي والاسرائيلي في الوقت الحاضر، يقول التقرير ان "التوقيت قد لا يكون مناسباً لمبادرة كبيرة لحل النزاع العربي - الاسرائيلي بطريقة شاملة". كما يوصي التقرير تمشياً مع هذا الخطاب ذاته بتبني سياسة تستهدف "خفضاً عاجلاً في التوترات والعنف". وهذا، كما هو معروف، التعبير المشفّر في لغة اميركا واسرائيل لمطالبة السلطة الفلسطينية بانهاء الانتفاضة والقبول بالشروط الاسرائيلية. وتجد اللغة الديبلوماسية بشأن الرضوخ الفلسطيني للاملاءات الاسرائيلية - الاميركية تعبيرها في التوصية الآتية: "ان خلق جو يكون فيه كلا الطرفين على استعداد لاظهار ضبط النفس يمكن ان يكون هدفاً مهماً للديبلوماسية الاميركية". ويضيف التقرير بأنه في مثل هذه الاجواء "ستؤكد اسرائىل حقها في حماية نفسها من هجمات ارهابية او غير ذلك". وما يثير الاستغراب هو ان مثل هذه التوصيات الخاصة برسم السياسة في ما يتعلق بالعراق والنزاع العربي - الاسرائيلي تظهر غياب التطور في تفكير نخب صناع السياسة في الولاياتالمتحدة، خصوصاً اولئك الذين يعتبرون الاكثر وداً تجاه العالم العربي، الذي يفترض ان يستند الى مصلحة ذاتية متنوّرة. المدهش ايضاً بشأن نمط تفكير نخبة صناع السياسة الاميركيين، كما يكشفه تقرير معهد بيكر، هو هوس اميركا الذي لا يختلف عن هوس اسرائيل، بقضايا "الامن". فخلاص العراق من الحصار اللا انساني وتحرر الفلسطينيين من الاحتلال العسكري اللاشرعي يعتبرهما تقرير معهد بيكر "تهديدات امنية". لا تقدم توصيات التقرير، مع كل ما توحي به من عقلانية وحنكة في خدمة المصلحة الذاتية للولايات المتحدة، اي حل لمأزق اميركا السياسي في المنطقة. خصوصاً انه تم تشخيص مأزق جديد: الخوف من انه اذا خفضت العقوبات بشكل كبير او رفعت بالكامل عن العراق، فإن العراق سيدعي الانتصار ويصبح "خطراً امنياً اكبر على حلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة". ويسود خطر مماثل بشأن النزاع العربي - الاسرائيلي. فالفلسطينيون يجب الاّ يُسمح لهم بأن يستفيدوا من الانتفاضة وان يتحدوا بنجاح المبدأ الاسرائيلي - الاميركي السيىء الذي يعتبر ان العنف يُكافأ. وهكذا، فإن توصيات معهد بيكر في ما يتعلق بالسياسة الاميركية تجاه المنطقة تهدف اساساً الى الابقاء من دون تغيير على الوضع الراهن الذي يعتبر ضرورياً لتسهيل التوصل الى حل لمعضلة الطاقة. باختصار، ستسعى الولاياتالمتحدة ظاهرياً وبشكل مصطنع الى مواصلة وتعزيز مساعيها لابقاء القضايا السياسية الاقتصادية في المنطقة على مسارين منفصلين بوضوح. وستلجأ الولاياتالمتحدة، بالطبع، عندما يخدم الامر مصلحتها ومصالح حلفائها الاقليميين، كما فعلت في الرد على غزو الكويت في 1990، الى دمج القضايا السياسية والاقتصادية في سياستها الخارجية. وعندما لا يلائم هذا مصالحها ستسعى الى الفصل. لكن في الوقت الحاضر، اذ ترى ان سياسة المعايير المزدوجة التي تتبعها في النزاع العربي - الاسرائيلي، وسياستها التي لا تحظى بشعبية تجاه العراق، وموقفها العدائي المعلن والرائج على نحو متزايد تجاه الاسلام بشكل عام وهو لا يختلف عن عدائها السابق تجاه الحركة القومية العربية تقف في تضاد مع سياسات العالمين العربي والاسلامي وتثير مشاعر معادية لاميركا، فإنها ستروج للسياسة الاستراتيجية القائمة على الفصل في المنطقة بين المسارين السياسي والاقتصادي. كما انها ستسعى الى كسب ود حكومات السعودية ومجلس التعاون الخليجي عبر وسائل ديبلوماسية حديث معسول بالاساس كي تبقي على امدادات نفط مستقرة باسعار واطئة نسبياً وتسد النقص في الامدادات عند حدوثه. لذا فالارجح ان تقوم الولاياتالمتحدة بهذا التودد والاقناع عبر ديبلوماسية سرية كي تتجنب الجدل العلني عبر القارات او المواجهة مع الدول العربية بشأن السياسة النفطية التي فاقمت، خلال ادارة كلينتون، مشاعر العداء لاميركا في هذه البلدان والمنطقة ككل. وفي الوقت الذي يجري تنفيذ ذلك، يتوقع ان تنشّط الولاياتالمتحدة مجدداً نظام "وكالة الطاقة الدولية" وتستخدم احتياطيها النفطي الاستراتيجي - على غرار الطريقة التي يدير بها مصرف الاحتياطي الفيديرالي معدلات الفائدة - للسيطرة على النقص في امدادات النفط واسعاره على السواء. ومع ذلك، لن يحل هذا مأزق الازمة النفطية الوشيكة. السؤال الذي يثار بالنسبة الى العالم العربي وبشكل خاص للدول المنتجة للنفط في مجلس التعاون الخليجي هو الآتي: ماذا ستقدم الولاياتالمتحدة في المقابل لهذه الدول كي تنفذ ما تريده اقتصادياً في قطاع النفط؟ فهي ستضحي بجزء مهم من عائداتها كي تديم امدادات الطاقة عالمياً وتبقي الاسعار بمستوى مناسب للدول المستهكة الصناعية في الغرب. ولا شك ان وعوداً غامضة واخرى اقل غموضاً، ولكن على الارجح من دون معاهدات موقعة، ستعطى لحماية النخب الحاكمة للدول المنتجة للنفط من اعدائها المحليين والخارجيين. لكن مثل هذا الموقف من جانب الولاياتالمتحدة والخطوات الاقتصادية التي يمكن ان تترتب عليه من جانب الدول العربية المنتجة للنفط ستشكل ورطة بالنسبة الى هذه الدول والى غيرها ايضاً من الحلفاء العرب للولايات المتحدة. فهي ستزيد السخط الداخلي للسكان تجاه هذه النخب الحاكمة. والارجح انها ستعزز الانطباع السائد بالفعل لدى العرب على المستوى الشعبي بان هذه الانظمة تابعة للولايات المتحدة وخدم للقوة المنحازة بشدة الى جانب خصمهم او عدوهم اسرائيل. لدى العالم العربي الآن فرصة نادرة ليتحدى معادلة الكلفة - المنفعة الاقتصادية المقلوبة مع الغرب. فقد اضاع فرصة مماثلة في السبعينات. وينبغي لتعليق اسحق رابين آنذاك بأن على الاسرائيليين ان يصمدوا امام "سبع سنوات عجاف" ان يرن في آذان النخب العربية الآن فيما تحتاج الولاياتالمتحدة الى فترة تراوح من 7 الى 10 سنوات لتطبيق سياسات للطاقة تحل ازمتها الحالية. فالعالم العربي يسعى الى عدالة براغماتية في النزاع العربي - الاسرائيلي: ليس انهاء اسرائيل، وليس ال 78 في المئة مما فُقد في فلسطين في 1948، بل دولة فلسطينية على 22 في المئة مما تبقى من فلسطين، وحق العودة والتعويض للاجئين، والقدس العربية بما فيها الحرم الشريف، وليس كيانات مفككة من البانتوستانات على 42 في المئة حسب ارييل شارون من ال 22 في المئة المتبقية من فلسطين التي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة. وهو موقف منسجم مع القانون الدولي والاجماع العالمي الذي كان سائداً حتى التوقيع على اتفاقات اوسلو في 1993. وتبرز هذه الفرصة التي تتيح للعالم العربي ان يمارس بعض التأثير لتغيير السياسة الخارجية الاميركية تجاه المنطقة في وقت تجري فيه اعادة تقويم سياسة الولاياتالمتحدة تجاه المنطقة واعادة صوغها لاسباب عدة، داخلية واقليمية ودولية في طبيعتها. ولا تبعث الخطوات الاولية والتصريحات بشأن السياسة التي صدرت عن ادارة بوش في ما يتعلق بالشرق الاوسط على التفاؤل بتبني سياسة عقلانية وبناءة اكثر في المنطقة. لكن مع تطور ازمة الطاقة وتعمق الادراك لفشل السياسات القائمة، قد تدرس الولاياتالمتحدة ادخال تغييرات في استراتيجية الحرب الاقتصادية التي تعتمدها ضد العراق وليبيا وحتى ايران. وربما تسعى الى اعادة هيكلة نظام العقوبات، على وجه التحديد ضد العراق، لأن هذا النظام اصبح غير فاعل يلحق الأذى بالشعب العراقي بدلاً من الحكومة العراقية ويساهم في اثارة بعض الخلافات مع حلفائها الغربيين وغيرهم وفي زيادة مشاعر الاستياء وسط النخب والجمهور على السواء في البلدان العربية. وليس لهذه الاسباب وحدها بل ايضاً لأن الولاياتالمتحدة ستسعى الى فتح البلدان المنتجة، بما فيها العراق وليبيا، امام الاستثمارات العالمية كي توسع قدرات الانتاج النفطي بالاضافة الى القدرات الاحتياطية. لكن النفط العالمي يمثل أحد اعمدة هيمنة الولاياتالمتحدة على العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وستسعى بالتالي الى فتح البلدان المنتجة للنفط امام الاستثمارات العالمية التي تخضع لنفوذ اميركا او سيطرتها. وستقاوم المبادرات الاوروبية او اليابانية هناك. لذا فإن في امكان الدول العربية، في هذه المعضلة ايضاً، ان تستخدم الضغوط الديبلوماسية الاستراتيجية لمصلحتها بدرجة اكبر من اجل النزاع العربي - الاسرائيلي المعلق. بالاضافة الى ما تقدم، فإن الزيادة المحتملة في اسعار النفط في العقد المقبل والزيادة التي سترافق ذلك في عائدات البلدان المنتجة للنفط ستساعدها على ان تدفع ديونها خصوصاً اذا لم تهدرها بشراء معدات عسكرية اميركية باهظة الكلفة وحتى ان تساعد الدول العربية الاخرى على تسديد ديونها الضخمة. كما يمكن، على المدى المتوسط، ان تبدأ فوائض مالية بالتراكم لدى الدول العربية المنتجة للنفط. ويمكن لهذه الفوائض اذا اُستثمرت بحكمة ان تساعد هذه البلدان والمنطقة اقتصادياً. وكما هو معروف، فإن اعداد الشباب العرب، من الذكور والاناث، الذين سيسعون الى الحصول على وظائف في العقد المقبل ستكون كبيرة على نحو استثنائي، اذ تعتبر بين الاكبر وسط مناطق الجنوب في العالم سواء بالارقام المطلقة او النسبية. لكن ما يكتسب اهمية كبيرة هو ان هذه الفرصة المتاحة قد تعطي الدول العربية البارزة - خصوصاً تلك المتحالفة مع الولاياتالمتحدة: السعودية وبقية بلدان مجلس التعاون الخليجي ومصر والاردن والمغرب - نفوذاً ديبلوماسياً - اقتصادياً يساعد على تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية يحفظ عدالة الحقوق العربية والاسلامية في الارض المقدسة. فبحل هذه القضية الاساسية ستحل الانظمة العربية تناقضاً رئيسياً بينها وبين شعوبها، بل انها ستساعد على انقاذ الولاياتالمتحدة من نفسها. * سميح فرسون بروفسور علم الاجتماع في الجامعة الاميركية في واشنطن، ونصير عاروري بروفسور علوم سياسية في جامعة مساتشوسيتس في دارتموث. ** صدر تقرير "معهد جيمس اي. بيكر الثالث للسياسة العامة في جامعة رايس" مديره السفير السابق ادوارد جيرجيان على الانترنت في 19/ 4/ 2001، وشارك "مجلس العلاقات الخارجية" رئيسه ليزلي اتش. غيلب في رعايته.