من الذي يطلق النار على الشعب الفلسطيني، من الذي يقتل أبناءه ويدمر منازله؟ يمكن أن نجيب عن هذا السؤال قائلين إنه الولاياتالمتحدة الأميركية، من دون أن يكون في جوابنا أي خطأ. لقد اخترع الرئيس جورج بوش الموقف الذي يقول إن على الفلسطينيين وقف العنف، وعلى الإسرائيليين تخفيف الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين، وفهم ارييل شارون فوراً ما يعنيه هذا الموقف الأميركي، فهم أنه ضوء أخضر للقوة الإسرائيلية لكي تضرب الفلسطينيين حتى يعودوا طائعين خانعين إلى طاولة المفاوضات، جاهزين للتوقيع على املاءات شارون. وحين لم يفعل الفلسطينيون ذلك، تمادت الولاياتالمتحدة في منح الفسحة الأمنية اللازمة لشارون. وتمادى شارون في تنفيذ الرغبة الأميركية، حتى وصل إلى مرحلة مسح منازل اللاجئين الفلسطينيين في رفح، الذين شردهم هو وأمثاله من أرض فلسطين عام 1948. وحين يقوم كولن باول وزير خارجية أميركا، بالقول في مؤتمر صحافي مع شمعون بيريز: إن المطلوب هو وقف العنف أولاً، ثم تستطيع إسرائيل بعد ذلك رفع القيود الاقتصادية، فهو إنما يواصل تنفيذ سياسة رئيسه، ويشجع بيريز على أن يواصل دعمه لسياسة شارون. ولهذا نقول ونكرر ان المسؤول عن قصف الفلسطينيين وقتلهم وتدمير بيوتهم، هو الولاياتالمتحدة التي أصدرت الأمر السياسي، تماماً كما أن الضابط الإسرائيلي الكبير هو المسؤول عن عمليات القتل والتدمير التي يمارسها الجندي الإسرائيلي الذي يتلقى تلك الأوامر. الولاياتالمتحدة ترى رشة رصاص يطلقها مسلح فلسطيني، وتعتبر أن قصف الدبابة الإسرائيلية هو رد فعل طبيعي لها. وهي ترى أن فلسطينياً أطلق قذيفة هاون، وتعتبر ان الرد بصواريخ طائرات الهليكوبتر هو رد فعل طبيعي لها. شيء واحد لا تستطيع أن تراه الولاياتالمتحدة، ولا تريد أن تراه، هو الاحتلال الإسرائيلي، هو الجريمة الأصل التي دفعت الناس للتحدي والمقاومة، وبخاصة بعدما جربوا كل أنواع الحلول السياسية وفشلت على مرأى من الجميع. وثمة شيء آخر لا تستطيع أن تراه الولاياتالمتحدة، ولا تريد أن تراه، هو الاستيطان الإسرائيلي، فحكومة شارون تتحايل على قرار وقف الاستيطان بما يسمى التوسع الطبيعي للاستيطان، والولاياتالمتحدة لا تزال تصر على استخدام الفيتو في مجلس الأمن، ضد أي قرار عربي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان. وقد أخطأ شارون واندفع نحو احتلال مناطق أ الخاضعة كلياً للسلطة الفلسطينية، فصدر له الأمر من واشنطن بالانسحاب فوراً، وفَعَل. ولكنه يستعد الآن لتنفيذ خدعة ثالثة، خلاصتها الاحتلال بالليل والانسحاب بالنهار. القصف العنيف بالليل والقصف الخفيف بالنهار، أي حيث لا صحافة ولا تلفزيون ولا شهود، ومن الأرجح أن الولاياتالمتحدة ستثني على هذا التكتيك الناجح وتغطي عليه، فالجريمة حدثت ولكن لا يوجد شهود، وهكذا يبقى المتهم الذي يعرفه الجميع رجلاً فوق الشبهات... إلى أن يتم إعلان الدليل. والأدلة متوافرة بكثرة، ولكن الولاياتالمتحدة ترفض وضع الأدلة أمام أنظار القاضي. قبل أسابيع أعلن الحاخام عوفاديا يوسف أن الفلسطينيين قتلة ومجرمون وتجب ابادتهم، فلم يتحرك القاضي الأميركي لإدانة هذا الموقف العنصري، لأن القائل ليس عضواً في الحكومة. ولكن تم الإعلان أمس، ومن قبل وزير كبير في الحكومة هو افيغدور ليبرمان وزير البنى التحتية، أنه يجب إلغاء السلطة الفلسطينية، ويجب تقسيم أراضي السلطة الفلسطينية إلى أربع مناطق مفصولة عن بعضها البعض، على أن تكون كلها خاضعة لسيطرة إسرائيل، فهل سيتحرك القاضي الأميركي، أم سيتعلل بأن كلام الوزير لم يتحول بعد إلى سياسة رسمية؟ الأرجح أنه لن يتحرك، وسيتعلل بأية حجة، وسيبقى شارون أميركياً، رجلاً ضد الشبهات، مع أن الجميع يعرفون، وحتى الأطفال، من هو المجرم الحقيقي، ويشيرون إليه بالأصابع كلما مر من أمامهم. واشنطن هي التي تقتل الفلسطينيين وتدمر بيوتهم، وقادة البيت الأبيض هم الذين يصدرون الأوامر لشارون أو لبيريز، مباشرة أو بايماءة من الرأس.