ردّت الجزائر بعنف على إعلان فرنسا انه لا يمكنها "البقاء صامتة" إزاء ما يحصل من قمع للإضطرابات في مناطق القبائل. وقالت ان الموقف الفرنسي يُمثّل تدخلاً غير مقبول في شؤونها. ويعكس هذا الجدل بين مسؤولي البلدين أزمة جديدة بين فرنسا ومستعمرتها السابقة. وصف وزير الخارجية الجزائري السيد عبدالعزيز بلخادم أول من أمس تصريح نظيره الفرنسي هوبير فيدرين عن الوضع في منطقة القبائل بأنه "غير مقبول" و"يؤكد، بكل أسف، استمرار مفهوم خاطىء واحكام مسبقة ثابتة عن الوضع في الجزائر". وكان فيدرين أعلن الاربعاء امام الجمعية الوطنية البرلمان الفرنسية ان بلاده لا يمكنها ان تبقى صامتة امام "القمع العنيف" للتظاهرات في منطقة القبائل. وأيّد موقفه لاحقاً رئيس الحكومة ليونيل جوسبان. وقال مصدر فرنسي مطلع ل "الحياة" في باريس ان بلاده لم تغيّر سياسة التطبيع وتحسين العلاقات مع الجزائر منذ تولي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الحكم في 1999. وأوضح انه لم يكن في وسع الحكومة الفرنسية ان "تبقى صامتة" إزاء الإضطرابات في مناطق القبائل، خصوصاً ان الجالية الجزائرية في فرنسا تضم عدداً كبيراً من أبناء هذه المناطق. وأشار الى ان فيدرين "إضطر الى الخروج عن صمته" بعدما بدأت هذه الجالية تتحرك تأييداً لمطالب البربر. وقال ان جوسبان لم يكن في وسعه الصمت أيضاً خصوصاً انه مرشّح للإنتخابات الرئاسية المقبلة وأصوات الفرنسيين من أصل جزائري لا يمكنه تجاهلها. ورأى المصدر ان رد بلخادم على الموقف الفرنسي "كان متوقعاً، ولم يذهب أبعد من ذلك حتى الآن". ولاحظ ان بوتفليقة لم يُشارك علناً في توجيه الانتقاد الى فرنسا، على رغم ان ذلك لا يزال ممكناً. وشدد على ان هذا الجدل الحالي "لن يُعرقل مسار تحسين العلاقات الفرنسية - الجزائرية" و"باريس مستمرة في العمل على ذلك". وأوضح ان "الملف الجزائري مرتبط جزئياً بالسياسة الداخلية الفرنسية. وبما ان فرنسا على أبواب انتخابات، فهناك بلا شك بعض الحذر في التعامل مع هذا الملف. وهذا السبب الذي أدى الى إرجاء زيارات مرتقبة يقوم بها مسوولون فرنسيون للجزائر" رداً على الزيارة التي قام بها بوتفليقة لباريس العام الماضي. وذكر ان من الصعب على الرئيس جاك شيراك ورئيس الحكومة جوسبان القيام بزيارة للجزائر في الوقت الحالي، على رغم ان الزيارتين مقررتان منذ فترة من دون تحديد موعد لهما. واعتبر ان إرجاء الزيارتين لن يؤثر في العلاقات بين البلدين، وان الزيارات التقنية للوزراء ستستمر لتعزيز التعاون على الصعد كافة. وأشار، في هذا الإطار، الى زيارات ممكنة للجزائر يقوم بها وزير التعاون الفرنسي شارك جوسلان أو وزير الصناعة كريسيان بييريه أو وزير التربية جاك لانغ. كذلك أشار الى احتمال قيام وزير الخارجية الجزائري بزيارة لفرنسا. وأكد المصدر استمرار بلاده في خطة إعادة فتح قنصليات ومراكز ثقافية في الجزائر، وانها عملت على منح عدد كبير من التأشيرات للجزائريين الراغبين في زيارتها وانه لم تعد هناك "كوتا" لعدد هذه التأشرات. ولفت المصدر الى ان "الوضع في الجزائر يُقلق فرنسا، لكن ينبغي الإعتراف بأن إصلاحات أساسية أجريت أخيراً ومنها إصلاح المنظومة التربوية". وتحدث عن سعي الجزائر الى خصخصة بعض القطاعات، وان المعوقات أمام هذه السياسة "سببها البيروقراطية وليس السلطة العسكرية. فالاقتصاد الجزائري مبني على النمط السوفياتي ... والإصلاحات تتطلب بعض الوقت. الرئيس بوتفليقة يتمنى ان تسير الإصلاحات بوتيرة سريعة، لكن الأمور لا تتقدم بالسرعة التي يريدها". ونفى المصدر ان يكون الرئيس الجزائري مقيّداً من العسكريين في سياسته الإصلاحية والاقتصادية. وقال ان "بوتفليقة وصل الى الرئاسة بإرادة العسكريين وتأييدهم. وهم لا يعيقون مسيرته الإصلاحية. ما يعيقها مرتبط بطبيعة الإقتصاد الجزائري". وسئل هل لا يزال اللواء خالد نزار أحد أركان السلطة العسكرية الجزائرية، فأجاب بأن نزّار - وزير الدفاع السابق - جنرال متقاعد حالياً لكنه شخصية لها حساب مهم داخل المؤسسة العسكرية. واضطر نزار الاسبوع الماضي الى مغادرة فرنسا على وجه السرعة إثر صدور شكاوى ضده أمام القضاء في قضايا تعذيب. وكانت صحيفة "لو فيغارو" أوردت ان القضية المرفوعة ضد نزار في فرنسا عزّزت إرباك فرنسا وارغمت ديبلوماسييها على العمل بسرعة على تأمين رحيله تجنباً لأزمة بين البلدين. بلخادم وفي الجزائر، رأى السيد بلخادم في تصريحات نقلتها "وكالة الأنباء الجزائرية" الرسمية أن تصريحات "المواساة والتعاطف والنية الحسنة لن تكون مقبولة إلا إذا كانت بعيدة عن الحسابات السياسية". وأضاف: "إن بعض هذه التصريحات غير اللائقة حتى وإن كانت تأخذ شكل المواساة في المحن التي تواجهها الجزائر فان نبرتها وفحواها يندرجان في اتجاه معاكس للجهود التي ما فتئ الرئيس بوتفليقة يبذلها للتعجيل باستتباب الأمن في جو من الهدوء". واعترف بأن الأحداث المأسوية التي عرفتها منطقة القبائل والتي أودت بحياة 65 شخصاً "تشكل إخلالاً خطيراً بالنظام العام". لكنه قال ان ذلك "يهم قبل كل شيء وبالدرجة الأولى الجزائريين الذين هم وحدهم المعنيون بإيجاد حل لمشاكلهم". وأخذ على تصريحات فيدرين "التسرع المشبوه في وصف عمليات خاصة بإعادة النظام العام بالقمع والدعوة إلى حوار سياسي في حين أن مؤسسات الدولة تعكف بمساعدة المجتمع المدني على تحديد سبل التكفل بالمشاكل التي يعانيها الشباب الجزائري خصوصاً والبلاد عموماً". وفي شأن فكرة "المساعدة" التي عرضتها الحكومة الفرنسية على الجزائر لتطويق الهزات التي تعترض نظام الحكم بعد الإضطرابات في القبائل، قال بلخادم أن "شراكة قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل وتوازن المصالح وحدها كفيلة بضمان علاقات سليمة وواعدة بين الجزائروفرنسا". وكان الرئيس بوتفليقة اعلن، بعد زيارته باريس العام الماضي، بأنه يعود إلى بلاده - بعد لقاءاته المسؤولين الفرنسيين - "فارغ اليدين" بسبب فشله في تحقيق تقارب سياسي مع باريس. ويزيد من تعكير صفو العلاقات بين البلدين ملف قضية الصحراء الغربية، وتوجه الجزائر إلى التخلي عن السوق الفرنسية كسوق أساسية سواء في مجال الاستثمارات النفطية والصناعية أو في المجال الحربي والعسكري.