في الوقت الذي اعلن فيه ممثلو اللجنة الرباعية حول السلام في الشرق الاوسط انهم سيعقدون اجتماعاً نهاية مايو الحالي لمناقشة سبل تطبيق خريطة الطريق واستمرار شارون في تأكيداته بأن اسرائيل لن تعترف بدولة فلسطين ما لم يتخل الفلسطينيون عن مطلب عودة اللاجئين إلى منازلهم في فلسطين التي اغتصبها الكيان الاسرائيلي عام 1948 واقام دولته عليها.. اكدت ورقة عمل سورية عن مستقبل الصراع العربي الاسرائيلي في ظل التهاون والضعف العربي والاتجاهات الاسرائيلية تجاه خريطة الطريق انه سيظل صراعا مفتوحا ويستمر لاجل غير معلوم. ورقة العمل التي قدمها الدكتور هيثم الكيلاني الكاتب والمفكر السوري اكدت ان هذا الصراع سيستمر في شكل دورات حلزونية بحيث يعكس في كل دورة القدرات المادية والمعنوية التي يحوزها كل طرف من اطراف الصراع. الدكتور الكيلاني رأى انه في ظل وجود ما يسمى بخريطة الطريق فان أي تسوية كاتفاقيات كامب ديفيد والمعاهدتين المصرية الاسرائيلية والاردنية الاسرائيلية واتفاقيات اوسلو لن تنهي الصراع العربي الاسرائيلي بقدر ما تعمل على التحكم فيه لمدة ما وادارته. وان المصالح الامريكية والاسرائيلية هي احد العوامل المحددة لعملية التسوية حيث ان التحيز الامريكي لمصلحة اسرائيل على حساب الحقوق العربية لا يمكن فهمه خارج وظيفة اسرائيل في الفكر الاستراتيجي الامريكي بأن اسرائيل قاعدة عسكرية امريكية متقدمة في الوطن العربي يمكن استخدامها لحماية ابار النفط ولردع الدول والشعوب التي تقرر الولاياتالمتحدة انها مارقة او رافضة للهيمنة الامريكية. واوضحت ورقة العمل ان هناك منهجين في النظر إلى تسوية الصراع العربي الاسرائيلي اولهما منهج الانظمة الحاكمة العربية وهو منهج ذا شقين تمثل اولهما في اتفاقيات كامب ديفيد 1978 ثم في المعاهدة المصرية الاسرائيلية 1979 والمعاهدة الاردنية الاسرائيلية 1994 واتفاقيات اوسلو 1993 وتمثل ثانيهما في مبادرة السلام العربية التي اقرها بالاجماع مؤتمر القمة العربي في بيروت في مارس 2002. ويرى المنهج الثاني ان الصراع العربي الاسرائيلي طويل الامد متنوع المجالات وقد يستغرق عقوداً عديدة قبل ان ينتهي إلى حل عادل يحقق المطالب الشعبية العربية والتوسع تدريجياً فيها. وبعد انتخابات الكنيست الاخيرة في 28/1/2003 والتي ادت لحدوث انقلاب لمصلحة الصهيونية وفوزهم فيها واتجاه شارون إلى تجريد الشعب الفلسطيني من الحقوق الطبيعية التي نصت عليها اتفاقية اوسلو 1993 وبذلك قوض شارون عملية التسوية برمتها منطلقاً من فكرة الليكود والتي تقول بان عملية التسوية تضعف مكانة اسرائيل الاقليمية والدولية وتناهض العقيدة الصهيونية للمجتمع الاسرائيلي حيث وظفت اسرائيل عمليات التحرر ومقاومة الاحتلال توظيفاً معاكساً فأظهرت صورتها في الخارج بانها ضحية الارهاب الفلسطيني وانها تدافع عن نفسها. وأكد الكيلاني انه لم يعد امام الطرف الفلسطيني خياراً اخر سوى الثورة على الاحتلال من اجل التحرر واقامة دولته المستقلة وخاصة وان الطرف الفلسطيني ظل طوال السنوات الماضية منذ 1993 وهو يجرب مختلف وسائل المفاوضات ولم يكن يجابه من الطرف الاسرائيلي الا بالسعي إلى فرض الامر الواقع بقوة السلاح للاستيطان والتوسع والاحتلال ومصادرة الاراضي العربية ومنذ سبتمبر 2001 واجه الشعب الفلسطيني هجمة شرسة ومنظمة من قبل الجيش الاسرائيلي بلغت ذروتها في عملية السور الواقي في مارس 2002 والطريق الحازم في يونيو 2002 حيث دمرت القوات الاسرائيلية البنية التحتية للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها وحاصرت رئيس السلطة في محاولة العزلة واقصائه وفي هاتين العمليتين شددت اسرائيل حصارها على الشعب الفلسطيني واعادت احتلال المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية وقد ادى ذلك إلى حرمان اكثر من 250 الفاً من الفلسطينيين من عملهم إلى ان بلغت الخسارة اليومية الفلسطينية حوالي 15 مليون دولار وادى ذلك إلى تدهور الاقتصاد الفلسطيني وارتفاع نسبة الفقر. واشار إلى ان الانتفاضة الفلسطينية تنهي عامها الثالث ولا احد يمكنه ان يتنبأ بموعد تقريبي لتوقفها او انتهائها او لحسم الصراع عسكرياً بالرغم مما انجزته الة الحرب الاسرائيلية من تدمير وقتل واغتيال. ويصف الكيلاني الحرب الامريكية على العراق بانها حرب اسرائيلية وخاصة بعد ان اقنعت اسرائيل الادارة الامريكية ان مقاومة الاحتلال هي ارهاب وان ما يقوم به الشعب الفلسطيني هو اعمال ارهابية وان ما تقوم به اسرائيل هو دفاع عن النفس وحرب ضد الارهاب وبذلك دخل الوضع العربي دائرة العجز منذ ان قررت القمة العربية في مؤتمرها في يونيو 1996 ان السلام هو هدفها الاول وخيارها الاستراتيجي ثم اتبعته بقرارات مماثلة في القمم التالية حتى اذا انعقدت القمة العربية في بيروت اصدرت ما يسمى ب (المبادرة العربية للسلام) دون ان تتخذ من القمم منذ 1996 أي تدبير يحمي ذلك السلام او يعززه او يفرضه. واشار إلى ان هناك اختلالاً واضحاً في ميزان القوى الاقليمية لمصلحة اسرائيل ومبعث هذا الاختلال هو ان دول الامن القومي العربي التي تجمعها معاهدة الدفاع المشترك ظهرت بدون قيادة موحدة او مشتركة فاصبحت بذلك 22 ارادة سياسية لتجابه قوة موحدة في قيادتها السياسية والعسكرية ومحمية من قبل القوة العظمى في العالم ومدعومة من قبلها بالمال والسلاح والتكنولوجيا. فالى جانب ان الخلافات العربية اصبح هناك ازمة ثقة بين النخب الحاكمة والجماهير وقد برهنت المواقف المتعددة بشأن المسألة العراقية والعدوان الذي قادته الولاياتالمتحدة على العراق على اختلاف الدول العربية واتخاذها مواقف متعددة وكانت حالة العجز العربي قد برهنت على وجودها خاصة حينما عجزت القمم العربية السابقة عن تنفيذ قراراتها بشأن دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني مالياً وسياسياً. وأوضح الكيلاني ان الوضع العربي حالياً ليس مؤهلاً وبخاصة في المرحلة الراهنة لمعالجة مستقبل الصراع العربي الاسرائيلي باعتبار ان هذا الصراع احد اهم موضوعات الامن القومي العربي حيث تبدو الموضوعات الاخرى اجزاء من هذا الصراع او موضوعات تأتي في مراقب تالية من الافضلية والاهتمام كما ان نجاح المشروع العربي او فشله يرتبط كامل الارتباط بالارادة العربية دولاً وقوى فاعلة في الامة ولهذا فهو يتألف من شقين رئيسيين اولهما خاص بالدول والاخر ينبعث من ارادة الامة والقوى الفاعلة. وفي ظل عدم اتخاذ قرار عربي موحد خاص بالامن القومي العربي نظرياً فهناك ثلاثة دروس وملاحظات يمكن الاستفادة منها عن ماذا بعد انهيار عملية السلام اولها ان مقدار الارادة السياسية الجماعية جعل نسبة التنفيذ في قرارات مجلس جامعة الدول العربية منذ عام 1945 حتى اليوم هزيلة بالرغم من صدور معظم تلك القرارات بطريقة توافق الرأي والدرس الثاني هو ان ما جرى في العام 1990 - 1991 كانت كارثة المت بالامة العربية كلها وبخاصة في امنها القومي العربي مجرد اطلال كما ان الحرب الامريكية على العراق نسفت ما تبقى من اطلال هذا الامن اضافة إلى الحرب الابادية التي تشنها اسرائيل على الشعب الفلسطيني. ويعتبر الكيلاني ان الصراع العربي الاسرائيلي ما هو الا صراع اجيال وان المقاومة الشعبية لجميع اشكال التطبيع في جميع المجالات تحتاج إلى تعبئة وتنظيم وتنسيق حتى تتحول إلى ظاهرة قومية لا تقتصر على قطر دون الاخر، كما ان شارون يتبنى خطة استقاها من تجاربه الشخصية ومن تجارب اسرائيل نفسها وتعتمد هذه الخطة على الاسس التالية عدم تحدي الولاياتالمتحدة، التنسيق مع الادارة الامريكية، الحصول على اقصى درجة من الاجماع بين الاسرائيليين وفي الوقت الذي لا يعلن فيه شارون عن خطته فانه يكشف احدى اوراقه اذا ما تطلب الظرف ذلك ويمكن التعرف على هذه الخطة من الاهداف التالية تأجيل اقامة دولة فلسطينية إلى اقصى اجل ممكن حتى لو كانت تلك الدولة قائمة على كيان سياسي ذي رقعة ضيقة، ادارة الازمة وليس حلها، عدم ازالة أي مستعمرة حتى تلك المعزولة منها، احتلال مناطق فلسطينية كلما استدعى انهاء الارهاب ذلك، العمل على اقامة مناطق امنية بدلاً من اقامة جدار امني ورغبة من شارون في عدم تحدي الولاياتالمتحدة فانه لا يرفض مشروعها بصورة علنية وانما يوجه اليه انتقادات كثيرة تجعله غير مقبول من الناحية العملية. واوصت الدراسة على ضرورة العمل على ارتفاع مستوى العمل الشعبي العربي في دعم النضال الفلسطيني وتغذيته بالمال والرجال والسلاح فمن الضروري تنظيم لجان شعبية وطنية في كل قطر عربي تجمعها لجنة عربية على المستوى القومي لتتولى دعم الانتفاضة وتنظيم مقاطعة السلع الاسرائيلية والامريكية مقاطعة تامة ويضاف إلى ذلك ان المقاطعة التابعة لجامعة الدول العربية تحتاج إلى ضغوط شعبية على بعض انظمتها من اجل المشاركة في المقاطعة واتخاذ تدابير اقتصادية ضد بعض الدول الغربية وخاصة تلك الدول التي تتبنى وجهة النظر الاسرائيلية التي تزعم بأن اراضي الضفة الغربية في فلسطين هي اراض متنازع عليها وليست اراضي محتلة.