أدب القصة الايراني الحديث، يبدأ مع محمد علي جمال زاده، ومن الطبيعي ان يوجد اشخاص قبل جمال زاده كانت لهم اسهامات وتجارب في الكتابة القصصية. مثل فتح علي أخوند زاده وطالبوف. غير ان النقاد والمتخصصين في الأدب الايراني يعتبرون ان محمد علي جمال زاده هو أول من بدأ الكتابة بالاسلوب القصصي الغربي. وكتابات جمال زاده مثل "كان يا ما كان" و"أطراف الكرياس" و"القيامة الكبرى" و"دار المجانين" وغيرها... كلها كانت سعياً من أجل نقل لغة القص من العالم الغربي الى اللغة الفارسية. كان جمال زاده يسعى ويجهد الى ايصال التقاليد والسنن والثقافة الايرانية الى القارئ الايراني بلغة جميلة ومؤثرة مستفيداً من الأنماط القصصية الغريبة. وقبل أن يكون لدى جمال زاده هم احداث تغيير وتحول في القصة كان يسيطر على قصته هاجس تشخيص نقاط الضعف والقوة في الثقافة الايرانية، لذلك كان قلمه يعمل عمل المبضع، وقد بلغ أوج هذا التشريح بقصة قصيرة لافتة تحت عنوان "وجع قلب الملا قربان علي". رجل دين بسيط ومفلس يتعلق قلبه بفتاة ويضطر أن يخرج نفسه من حلقة الرياء التي نسجها حول نفسه. وفضلاً عن السرد القصصي السيال في زمانه، كان جمال زاده يتمتع بأسلوب نقدي لاذع وذكي لدرجة السيطرة على القارئ. جمال زاده في توقده الذهني واخراج شخصية هذا الملا البائس يدلل على مهارة وإحاطة بالثقافة الشعبية الايرانية. وهناك كتاب كبار الى جانب جمال زاده استطاعوا ان يرفعوا أدب القصص الايراني الى مصاف العالمية، وأشهرهم صادق هدايت، الذي يعتبر اسطورة التجديد في الكتابة القصصية الايرانية، وترجمت روايته الشهيرة "البومة العمياء" الى الانكليزية والفرنسية، وحظيت بالنصيب الأوفر من النقد والدراسة لدى النقاد والباحثين. آثار هدايت الأخرى لا تصل الى مقام "البومة العمياء"، لكن كل واحدة منها لها خصوصياتها، مثل "الكلب الشريد" و"ثلاث قطرات من الدم". لقد أحدث هدايت التحول الاساسي في الكتابة القصصية الايرانية. واذا قسمنا الكتابة القصصية الى ما قبل هدايت وما بعده فلا مبالغة في ذلك. فهدايت مثل جمال زاده كان صاحب اطلاع واسع على الثقافة المحلية لايران وخصوصاً الأمثال والثقافة الشعبية، وهدايت تجاوز الاسلوب الكلاسيكي المسيطر الى جمع الأساطير وتحديد امكاناته الثقافية، بعدها شرع بإرساء القواعد الحديثة لفن القص الايراني مستفيداً من علمه وتجربته الحياتية التي توافرت له من جراء معيشته في فرنسا. بعد هدايت تبلغ حركة الكتابة القصصية أوجها وكل كاتب شرع بولوج تجارب جديدة. فجاءت في بعض الأحيان تختلف عن تجربة هدايت، مثل صادق جويك وبزرك علوي وجلال آل أحمد، وسيعين دانشور، وغلام حسين ساعدي ومحمد دولت آبادي وأحمد محمود وهوشنك كلشيري وغيرهم. وكي تستطيع وفي شكل عابر ان تجري مقارنة بين الأدب بعد الثورة والأدب قبل الثورة، يجب الحديث في شكل مختصر عن هؤلاء الكتّاب. فكاتب مثل جلال لديه نثر متسارع وموضوعات جسورة، وآثار جلال هي نظرة اجتماعية حادة وقاسية، نظرة ممزوجة بالانتقاد والسم، يعتبر جلال في ايران من الكتاب الكبار. وعظمته متأتية من شخصيته الجذابة ومواقفه الجسورة في مواجهة الأحداث السياسية في زمانه اضافة الى انه احد مؤسسي اتحاد الكتاب الايرانيين، وان كان لاحقاً قد حدث بينه وبين بعض الكتاب من اعضاء الاتحاد اختلافات سياسية وأحياناً فكرية، لكنه بقي دائماً موضع احترام التيارات الفكرية والسياسية، فآثاره تنقل حوادث اجتماعية ببناء قصصي بسيط، وما يميزها اسلوبه الكتابي المتسارع أو التلغرافي. نثر عصبي ممزوج بالأهواء والتأثيرات والعاطفية والسياسية التي تؤثر على القارئ بضربها على وتر الغضب والحدة. اهتم ساعدي وجويك بالجانب الاجتماعي وأحداثه غير ان اعمالهما امتازت بأفكار عميقة. فعلى المستوى الفكري يعتبر ساعدي متقدماً على من جايله وحتى على جويك، لكنهما يعبران عن الروح المرة والمكسورة لجيل من المفكرين الايرانيين، المثقف الخارج من ظلمة الانقلاب، من الممكن وبقليل من التسامح، أن نوصف الأدب القصصي الفارسي قبل الثورة، بأن كتّابه يكتبون بأسلوب وسياق الواقعية الاشتراكية Realisme socialisitic وتسيطر على معظم اعمالهم قضية الدفاع عن المحرومين والفقراء والفلاحين المظلومين، ولدى بعض الكتاب الذين لم ترد أسماؤهم تشتم رائحة التحزب والشعارات المثالية التي لا تتناسب مع الأجواء والأحوال الايرانية بأي شكل. القسم الثاني من الكتاب ابدعوا آثاراً انطلاقاً من نظرة واقعية ومرتبطة بالثقافة والعادات الايرانية لتعكس حياة الناس في وطنهم وآلامهم وأوجاعهم. أسلوب ونمط كتابة هؤلاء وان كانت واقعية اجتماعية وتقترب من النضال والشعار لكنها فن أصيل، وهم كتاب مثل علي أشرف رويشيان وجلال آل أحمد ومحمود دولت آبادي وأحمد محمود، وسيمين دانشور الذين يعتبرون الأفضل من كتاب هذا النوع. قسم آخر من الكتاب أكثر آثارهم لها جانب ذهني فكري. وتعاطوا مع اوضاع مجتمعهم بشروطه المعاصرة المؤسفة وكان انعكاس الشعارات فيها قليلاً، وما يعني كتابات عن المرارة والآلام لجيل مدرك لمصائب ومصاعب زمانه. وهم كتاب مثل هدايت، ساعدي، بهرام صادقي، هوشنك كلشيري، صادق جويك... بعد الثورة عادت ترتفع موجة الشعارات، وانقشعت الروحية المكسورة والمرة، وأصبح كل ما يراه الشعب الايراني مستقبلاً زاهراً ومثالياً. في هذه المرحلة يدخل جيل جديد من الكتّاب الى الأجواء. شباب يحملون أقلامهم ويدغدغهم حلم ان يبنوا بلدهم المنكوب في ليلة واحدة، لذلك الغالب على كتابات هذه المرحلة قصص تسترجع آلام المرحلة السابقة التي أصابت الناس والتي تنتهي بنهايات سعيدة في الغالب. بعد الثورة وبدء الحرب بين ايران والعراق تصل هذه الموجة من الكتابة ذات الروحية المثالية والنضالية والحربية في الأدب الايراني الى أوجها. وقد اعتمد في اسلوب وسياق الكتابة في هذه المرحلة، الواقعية التي اعتمدت في السنوات السابقة. وما تغير فيها هو المحتوى الثوري والديني، وكما كان منتظراً، ظهرت في هذه المرحلة آثار ذات رونق. وكتاب بعد الثورة كانوا في كل ما كتبوه يعيدون كتابة ما سودوه في شبابهم. واللافت في مرحلة ما بعد الثورة، ان الكتاب الذين كتبوا آثاراً خالدة هم كتاب الجيل السابق، حتى يخيل انهم كانوا كمثل الجمر تحت الرماد بدأت بقاياه تتناثر، في هذه المرحلة كان كتاب مثل أحمد محمود ومحمد محمد علي، محمد رضا صفدري، منصور كوشان، رضا براهني، محمود دولت آبادي وهوشنك كلشيري، الأكثر عملاً وتأثيراً. على رغم ان قوى بعد الثورة لم تمنحهم اهتماماً جيداً، لا بل عملت على عزلهم. من هنا فإن كتاب ما بعد الثورة ينقسمون الى قسمين. كتاب شباب يعتبرون تلاميذ لكتاب الجيل السابق وكتاب ليس لديهم اساتذة سوى ما خزنوه وما حملوه من اثقال النضال السياسي والحرب. كتاب النوع الأول متمكنون على مستوى العلم والمعرفة، أما كتاب النوع الثاني فمتمكنون على مستوى الموضوع، والفاصلة في المحتوى والاحساسات بينهم وبين افراد الجيل الثالث من الكتاب الايرانيين يضيق. توصيف الحقائق بأسلوب فني بعيداً من الشعارات والتعاطي السياسي. ان من يستطيع ان يعطي كتابة ما بعد الثورة التجديد، هم مجموعة الكتاب الذين يتمتعون بالاطلاع على علم الكتابة الحديثة والذين هم على معرفة بالحرب والثورة والثقافة والعادات الايرانية العريقة. كتاب همهم الأول ليس البحث عن الشعار، ولا الانكسار واليأس، بل البحث عن الفكر الخالص في سبيل ايصال حياة الايرانيين المملوءة بالألم والفرح والحزن. وهؤلاء لم يتوصلوا حتى الآن الى لغة مشتركة للتخاطب داخلياً أو لمخاطبة العالم. * كاتب قصة وروائي، عضو اتحاد الكتاب.