بعدما فتح المسلمون القدس عام 15 للهجرة، شعر اليهود بالطمأنينة في إقامة شعائرهم، إلى أن سقطت عام 1099 في يد الفرنجة، بقيادة الفرنسي جود فروا دوبوين قائد فرنسي. وكانت المدينة، في حينه، عاصمة فكرية تمتاز بالتسامح الديني، وتحمل عبقرية الشرق التي صاغتها العهدة العمرية الطاهرة. وبعد احتلال القدس، أعلن دوبوين أن دماء المسلمين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، مهدورة. وتلت ذلك مذبحة رهيبة تعبر عن وحشية الفرنجة، اتفق مؤرخو العالم الإسلامي على أن شوارع القدس تحولت بعدها أنهاراً من الدم الذي قيل إنه بلغ الركب. وقالت المؤرخة الأوروبية ريجين برنود إن وحشية الفرنجة في قتل المسلمين واليهود لا تضاهيها وحشية. واستمرت الحال على ما هي، إلى أن جاء القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، فعلَّم الفرنجة معنى التسامح الذي تجاهله العالم في حق من طبقوه. وأوجبت الجيوش التي انطلقت من حاضرة الإسلام في السنة الخامسة عشرة للهجرة، فاتحةً بيت المقدس، على جزيرة العرب أن تعد نفسها للدفاع عن المقدسات، وفي طليعتها القدس. وتعد "مشاركة الجيش السعودي في حرب فلسطين عام 1948"، التي أشارت اليها مجلة "رسالة الكلية" من الدراسات والمؤلفات التي أبرزت الدور السعودي، على الصعيدين السياسي والعسكري، لنصرة القضية الفلسطينية. وعلى رغم أن جهود الملك عبدالعزيز الديبلوماسية كان لها دور مهم في دعم الموقف الفلسطيني، حاول البعض إغفال دور القوات السعودية الكبير في حرب فلسطين. فمنذ المحاولات اليهودية الأولى الأستيطان في فلسطين، أدت السعودية دوراً أساسياً في مقاومة التهويد، فشاركت عام 1946 في مؤتمر القمة العربي الأول الذي أصدر قرارت عدة، كان أهمها القرار السري الذي تضمن تأكيد التصميم على الاستعداد العسكري، إذا فشلت الجهود السلمية، وتدريب الفلسطينيين على المقاومة ومدهم بالمال والسلاح، على أن يتولوا القتال بأنفسهم لمواجهة قوات الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية. واستناداً إلى هذا الموقف، دعا الملك عبدالعزيز إلى إرسال المتطوعين العرب إلى فلسطين لمساندة جيش الإنقاذ الفسطيني في حربه ضد العصابات الصهيونية، بعد إعلان قرار تقسيم فلسطين في تشرين الثاني نوفمبر 1947. وأرسل، بالفعل، ما يزيد على عشرة آلاف متطوع سعودي إلى الحدود السعودية مع الأردن لدخول فلسطين ومساندة جيش الإنقاذ. إلا أن الضغوط البريطانية حالت دون ذلك. عندها، أدرك الملك عبدالعزيز النيات والمخططات البريطانية، فحاول إقناع الدول العربية بعدم إدخال جيوشها النظامية فلسطين في حرب علنية، والتزام تطبيق مقررات مؤتمر الجامعة العربية التي تدعو كل حكومة عربية أن تقدم إلى المقاتلين الفلسطينيين، ومن تطوع معهم، المال والسلاح مع توزيع عشرة آلاف بندقية على المقاومة الفسطينية داخل فلسطين. واستند العاهل السعودي، في رأيه الذي ظهرت حكمته في وضوح في مرحلة لاحقة، إلى أن الدول العربية أعضاء في هيئة الأممالمتحدة، وأن دخول جيوشها النظامية فلسطين لمنع تنفيذ قرار الأممالمتحدة تقسيمها، سيفرض عليها في ما بعد قبول هذا القرار الذي سيكون قطعاً في مصلحة اليهود. ولم يتردد في إرسال القوات السعودية للمشاركة إلى جانب القوات العربية في حرب 1948 فأصدر أمره إلى وزير الدفاع آنذاك الأمير منصور بن عبدالعزيز لاستنفار القوات السعودية واختيار أفضلها وتجهيزها وإرسالها إلى فلسطين. وتمركزت القوات السعودية في مدينة الطائف على شكل سرايا مقاتلة، وهي وحدات نموذجية حصلت على تدريب عالٍ يقودها ضباط سعوديون حصلوا على تدريب متقدم داخل السعودية وخارجها. وفي بحث قدمته الدكتورة عائشة المسند، خلال ندوة أقيمت أخيراً في الرياض، عنوانها "المملكة العربية السعودية وفلسطين"، تحدثت عن تجهيز قوات نظامية، بلغ عددها ثلاثة آلاف مقاتل، غادرت أرض المملكة لتحارب للمرة الأولى خارجها. وتم توديع هذه القوات التي غادرت بطائرات "داكوتا" تابعة للخطوط السعودية الى مصر، على وقع موسيقى حماسية أدتها فرقة شكلت حديثاً. اما الدفعة الثانية فغادرت الطائف يوم 19 أيار مايو 1948، وهي مؤلفة من ضباط وأفراد أُحضروا في سرعة، وكان مقرراً أن تنتقل جواً، ولكن بعد وصولها إلى جدة، ورد أن الطيارين الاميركيين رفضوا أن يقلوا الجنود السعوديين للاشتراك في الحرب. فغادرت القوة السعودية الى مدينة ينبع على ساحل البحر الاحمر حيث ركب أفرادها السفن الى مصر. وكان مقرراً أن تدخل القوات السعودية فلسطين عبر الأردن للمشاركة في الجبهة الشرقية، إلا أن الاعتبارات السياسية قضت بإرسالها إلى مصر لمشاركة القوات المصرية في الجبهة الجنوبية التي كانت مهمتها دخول فلسطين من طريق رفح إلى الشمال والتقدم نحو تل أبيب وتصفية كل المستعمرات اليهودية في طريق تقدمها. وبناءً على ذلك، نقلت القوات السعودية، ضباطاً وأفراداً مع أسلحتهم الخفيفة إلى مصر جواً، بينما أرسلت الأسلحة المساندة والذخائر بحراً إلى ميناء السويس. وفي الثالث من رجب عام 1367ه وصلت القوات السعودية مصر، بقيادة القائم مقام سعيد كردي، وكانت تتكون من ثلاثة آلاف مقاتل، وموزعة على فوجين، قوام كل منها 1500 مقاتل، وهو مؤلف من ثلاث سرايا مقاتلة، كل منها تعد 220 مقاتلاً وتتكون من ثلاثة فصائل وفصيل رشاش. واحتشدت القوات السعودية إلى جانب القوات المصرية في رفح ثم دخلت غزة في 16 أيار مايو 1948. وهاجم الجيش السعودي المستعمرات اليهودية في النقب وبئر السبع ودير سنيد. وخاض معركة كراتيا التي استمرت سبعة أيام متواصلة، ومعارك في بيت اسحق والمزرعة والرملة والشجرة وصفد والشيخ الجراح والبروة واللد وزرعين والسيروان والمنارة وحيفا والمنارة الثانية وباب الواد ورأس العين وتل الريس والقدس وعكا والمالكية، وأبلى بلاءً حسناً. وبلغ إجمالي الشهداء السعوديين 140. ومن جانب آخر، احتشد نحو عشرة آلاف متطوع سعودي في منطقة الجوف شمال غربي البلاد بناءً على أوامر الملك عبدالعزيز وتوجهوا إلى فلسطين عبر الأردن، وشاركوا إلى جانب القوات الأردنية في القتال. وواجهت القوات السعودية العقبات والصعوبات نفسها التي واجهتها القوات المصرية بعد الهدنتين الأولى والثانية اللتين مكنتا اليهود من تعزيز قواتهم. وأدى ضعف التنسيق بين الجيوش العربية وعدم نجدة الجيوش العربية الأخرى للقوات السعودية والمصرية إلى إضعاف قدرة هذه القوات على التمسك بالأهداف التي حققتها في المراحل الأولى من القتال. وعلى رغم ذلك، أدى الضباط والأفراد واجباتهم على أفضل وجه في مواجهة تفوق القوات الصهيونية، عدداً وعدة نتيجة الدعم البريطاني. وتعد مشاركة الجيش السعودي في حرب فلسطين من أهم المشاركات الخارجية البارزة في معارك المصير العربية، إذ قدم أفرادها أرواحهم دفاعاً عنها وعن المقدسات الإسلامية. وفي مواجهة العدوان الثلاثي الاسرائيلي - البريطاني - الفرنسي الذي تعرضت له مصر عام 1956 رداً على تأميم قناة السويس، أعلنت السعودية إدانته والتعبئة العامة لقواتها المسلحة استعداداً للمشاركة إلى جانب القوات المصرية. وكانت الخطوة الأولى فتح القواعد الجوية السعودية للطائرات الحربية المصرية وتوفير المأوى الآمن لها، ما أبعدها عن التدمير خلال عمليات القصف الجوي للمطارات المصرية. ونقلت طائرات النقل السعودية المدنية والعسكرية الامدادات والتعزيزات من مناطق المملكة المختلفة إلى مناطق التجمع والحشد الأمامية القريبة من الحدود المصرية، إستعداداً للمشاركة في المعركة. وكانت مشاركة القوات السعودية أقل حجماً منها في حرب عام 1948، بسبب طبيعة النزاع وسرعة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، بعدما تدخلت القوى العظمى وأرغمها مجلس الأمن الدولي على تبني عدد من القرارت، كان أهمها القرار الذي يلزم القوات الإسرائيلية الانسحاب من سيناء وجلاء القوات البريطانية والفرنسية عن مصر. وكان المكسب الوحيد الذي حققته إسرائيل من مشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر، تأمين حرية الملاحة البحرية عبر خليج العقبة بعد انسحاب القوات المصرية من شرم الشيخ، وتمركز القوات الدولية في المنطقة. وحاولت مصر القضاء على هذا المكسب حين طلبت في أيار مايو 1967 من الأممالمتحدة سحب قوات الطورئ الدولية، وحشدت بدلاً منها قواتها في سيناء، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل تهديداً لأمنها الوطني، واتخذته ذريعة لزيادة التوتر وتوجيه ضربة عسكرية عنيفة إلى كل من مصر وسورية والأردن في حزيران يونيو 1967. ونظراً إلى الخطر الذي تعرضت له الدول العربية، استنفرت القوات المسلحة السعودية، ووضعت في حال تأهب قصوى، وتلقت أوامر بتحريك وحدات من المشاة إلى الأردن، للمشاركة في الدفاع عن الأرض العربية. وقاتلت إلى جانب القوات الأردنية في معارك غور الصافي والكرامة، ونفذت معها الخطة الدفاعية. واستمر وجود القوات السعودية في الأردن بعد حرب 1976، عشر سنوات تحسباً لأي طارىء. وشاركت القوات السعودية في حرب رمضان المجيد، تشرين الأول أكتوبر 1973. وبذلت المملكة جهوداً ديبلوماسية، وقدمت مساهمات مالية وعسكرية ضخمة لإزالة أثار العدوان، بعدما نجح مؤتمر القمة العربي في الخرطوم عام 1967 في إعادة التضامن العربي، إذ تم الاتفاق على أن تقدم السعودية دعماً سنوياً إلى مصر بقيمة50 مليون دولار لتعويض الخسائر الناجمة عن إغلاق قناة السويس. وأهدت كل ما تملكه من طائرات جديدة من طراز "هوكرهنتر" إلى الأردن لتعويضها الخسائر التي لحقت بقواته الجوية. وتُعد أهم مساهمات السعودية في التحضير لحرب أكتوبر تلك، التنسيق بين القيادات السياسية في مصر وسورية والسعودية، لاستخدام النفط سلاحاً سياسياً لمساندة المقاتل العربي وتحقيق الأهداف العربية، للضغط به عسكرياً واقتصادياً، وقد تم ذلك بدرجة عالية من التنسيق والسرية. أما على الصعيد العسكري، فجهزت القوات الجوية الملكية السعودية سربين من طائراتها المقاتلة للمشاركة في المعارك الجوية ضد العدو الإسرائيلي، وفتحت قواعدها للطيارين والفنيين المصريين للتدرب عليها، استعداداً لاستخدامها عند الضرورة. وأرسلت عشر طائرات عمودية، بأسلحتها وأطقمها الكاملة، إلى مصر للمشاركة في القتال، وبقيت في القواعد المصرية إلى ما بعد انتهائه بشهرين، ثم عادت إلى المملكة. أما إلى الجبهة السورية، فأرسلت السعودية لواء مشاة، شارك والوحدات الملحقة به الجيش العربي السوري في الدفاع عن الأراضي السورية. وأمضت القوات السعودية في سورية ثلاث سنوات. وفي مناسبة الذكرى ال53 لنكبة فلسطين عقدت ندوة في الرياض تحدثت عن الدور السعودي في دعم القضية على مختلف المستويات. وهناك التقت "الحياة" اللواء الركن المتقاعد ابراهيم المالك ليحدثها عن تجربته.