اذا كان الايطاليون يريدون، بأكثريتهم، سيلفيو بيرلوسكوني فليحصلوا عليه. مبروك. جرّبوه مرة ثم ابعدوه. وها هم يحنّون اليه وإلى حلفائه من عنصريي الشمال وأصحاب الطبقة المنقحة لأقصى اليمين الفاشي. النتيجة التي حققها "بيت الحريات" تدل الى ان الناخبين يميلون الى تفضيل رأسمالية على رأسمالية. الأولى اعلانية، اعلامية، مشهدية، عقارية، مقطوعة الصلة بالثقافة، غير منتجة لثروات فعلية، ولا شريكة في أي تقدم تكنولوجي، والثانية صناعية، تقنية، حديثة، موصولة بالعصر ومستجداته، ليبرالية فعلاً بالمعنى الاجتماعي، وبعيدة من الفساد الممتد من الأعمال الى المافيا. تستميل الأولى الموهومين بازدهار معمم وتخاطب الثانية قطاعات شعبية وعمالية ونقابية مضطرة الى التخلي عن مشروعها الأصلي الضارب الجذور في الأرض الايطالية. ستعيد الانتخابات طرح السؤال على اليسار الاشتراكي - الديموقراطي في أوروبا والغرب الصناعي المتقدم: هل الجنوح نحو الوسط هو سبب الخسارة، كما في فرنسا قبل أسابيع، أم هو الحل الوحيد المتاح لانتاج سياسة تقاوم التهميش؟ انجزت الحكومات الايطالية في السنوات الخمس الأخيرة، وهي حكومات وسط - يسار "تحديثاً" لبلادها جعلها قادرة على ركوب القاطرة الأولى في "يورو". ولكن ذلك حصل عبر ضبط اجتماعي استثنائي مارسته النقابات وبعض احزاب اليسار واتهمته قوى جذرية بأنه يلعب لمصلحة فئات لم تكن، دوماً، في هذا المعسكر. وبهذا المعنى فإن السؤال المشار اليه آنفاً هو: هل مهدت هذه السياسة الطريق امام انفتاح شهية اليمين أم انها هي التي منعت بيرلوسكوني من تحقيق انتصار أكبر؟ كان متوقعاً في ايطاليا، كما في إسرائيل مثلاً، أن تلعب شخصية القائد، بيرلوسكوني أو شارون، دوراً رادعاً. لكن ذلك لم يحصل في الحالين كما انه لم يحصل في الولاياتالمتحدة. فبيرلوسكوني القوي في واحدة من اكبر ديموقراطيات العالم وأكبر اقتصاداته كان يمكنه، بسهولة، ان يكون مطلوباً للعدالة. لا بل ان سجله في المحاكم يميل الى السواد، وثمة احكام في حقه، كما انه مدعو الى الدفاع عن نفسه باتهامات من بينها التهرب من الضرائب، والفساد، والافساد، والتشارك مع الجريمة المنظمة، والرشوة، والقتل، وشراء الضمائر، والهيمنة غير المشروعة على الاعلام، وتبييض الأموال، وعقد صفقات مشبوهة... ومع ذلك يستطيع حزبه، وهو كناية عن تيار مستجد على الحياة السياسية تشكل روابط مشجعي كرة القدم عموده الفقري، ان يصبح القوة الأولى في البلاد حاصلاً على ضعف عدد أصوات الحزب اليساري الأول الذي يستحيل فهم تاريخ البلاد من دون دوره. يثبت بيرلوسكوني ان الاستعراض، بالمعنى البذيء، يمكنه ان يكون بديلاً من الثقافة، وهو يسيء الى فكرة عن الرأسمالية الغربية تراها محرك انتاج ثروة، وعلم، لا مجرد تراكم لأموال تتناسل من أرباح قد تكون على حافة الشرعية وهي، بالتأكيد، لا تشكل عنصر تقدم فاعلاً لمجتمعها فضلاً عن انها تثير القلق في دول مجاورة ترتبط، مع ايطاليا، بمستقبل مشترك.