لا تمثل الفتيات السعوديات اللواتي يعشن في بيوت مستقلة عن عائلاتهن سوى نسبة ضئيلة جداً تكاد لا تذكر. ولا يعود ذلك إلى عدم رغبة من الفتيات فقط، بل لأنهن لا يستطعن الحصول على عقود إيجار شقة أو منزل بأسمائهن، وإنما يتوجب على الراغبات طلب ذلك من أولياء أمورهن. وكانت وزارة الداخلية السعودية أصدرت تعاميم رسمية وُزعت على مكاتب العقارات في السعودية، إضافة إلى نشرها لتعمم على أصحاب العقارات الراغبين في تأجيرها للغير، تتضمن ضرورة عدم توقيع عقود إيجار بينهم وبين نساء. وعادة ما يسأل صاحب العقار السيدة الراغبة في استئجار المنزل عن ولي أمرها أو أي رجل يمكنه أن يمثلها كطرف ثانٍ في عقد الإيجار. ويتحايل البعض من هؤلاء على القانون بأن يقوموا بعمل عقد صوري بينهم وبين النساء المستأجرات على أن يتم توقيع عقد رسمي بين صاحب العقار وأي رجل حتى وإن كان مجرد حبر على ورق. وتطالب فتيات التقتهم "الحياة" بأن تتم مراجعة القانون من الجهات المعنية حتى لا يقعن في فخ أصحاب الأملاك من دون أن تُضمن حقوقهن، خصوصاً بالنسبة الى الفئة التي تُجبر على الاستقلال والإقامة في بيوت خارج إطار عائلاتهن. وأجرت "الحياة" استطلاعاً ميدانياً شمل عدداً من النقاط الأساسية وهي: الرغبة في الاستقلال، وسبب تلك الرغبة، والمطالبة بمراجعة القانون ومساواة المرأة بالرجل في حق الاستقلال المعيشي. وضم الاستطلاع 83 فتاة تراوحت أعمارهن بين 25 و37 عاماً، وبلغ متوسط دخولهن نحو 3500 ريال شهرياً. وأظهرت نتائج الاستطلاع أن 9،69 في المئة من مفردات العينة يفضلن البقاء مع عائلاتهن ولكنهن يرغبن أن يملكن القدرة على الاختيار، بمعنى أن تحدد كل منهن رغبتها في الاستمرار في منزل العائلة أم الاستقلال في منزل منفصل. وتفضل النسبة المتبقية الاستقلال في المعيشة بعيداً من الأهل لظروف خاصة. فمثلاً هناك من يرغبن في البحث عن فرص وظيفية أفضل في المدينة أو منطقة أخرى ولكنهن يترددن في ذلك لعدم استطاعتهن السكن بمفردهن. كما ترغب في ذلك أخريات بسبب تفضيلهن البعد من المشكلات التي يفضي إليها الاحتكاك بين أفراد الأسرة وعدم تحمل بعضهن بعضاً في حال وجود اختلافات في الرأي ووجهات النظر. وعلقت نحو 6،38 في المئة على منعهن من حق اختيار طريقة السكن بأن النظام الذي يقضي بذلك يجب أن يخضع لمراجعة دقيقة وواعية من الجهات المعنية والمسؤولين، لأن الوضع الحالي "فيه إجحاف وظلم كبيران للمرأة والحكم عليها بطريقة غير مباشرة بعدم المسؤولية". ولوحظ من الاستطلاع أن الغالبية لا ترغب حقاً في الاستقلال عن ذويها، وإنما يعود جدالهن حول الموضوع إلى الرغبة في امتلاك الحق الذي يجعلهن قادرات على التصرف بحياتهن كيفما شئن. نجلاء المستقلة بفعل الأقدار لم تسعَ نجلاء للعيش بمفردها، وإنما أُجبرت على ذلك. إنها فتاة سعودية في الثلاثينات من عمرها، غير متزوجة وتعمل في وظيفة جيدة. نشأت نجلاء في ظل والديها وحيدة، إذ لم يكن لها لا أخ ولا أخت، توفي والدها وهي في السابعة عشرة من عمرها. ولأنها كانت ترغب في مساعدة والدتها في تحمل أعباء الحياة، دبرت منذ تلك السن المبكرة أمور المنزل وسيرت الشؤون الأخرى المتعلقة بها وبوالدتها. وعلى رغم أنها لم تعمل آنذاك، بل استمرت في تحصيلها الدراسي الجامعي، إلا أنها تحملت مسؤولية البيت وما يتعلق بذلك من استخراج أوراق ومعاملات، إضافة إلى إعادة تنظيم المنزل وطريقة توزيع الغرف فيه وما إلى ذلك. وفور حصول نجلاء على شهادتها الجامعية، بدأت في العمل وتدرجت فيه حتى وصلت إلى منصب جيد في الشركة التي تعمل فيها حالياً. تقول نجلاء: "ترك والدي لي ولأمي منزلنا الذي نعيش فيه إلى جانب بعض العقارات الأخرى التي ساعدتنا على تدبر مصاريفنا اليومية طوال فترة دراستي". ومنذ التحقت نجلاء بعملها، وهي تقوم بوضع موازنة خاصة للمنزل وتشرف على احتياجات البيت ومصاريفه ومراقبة الإيرادات وما إلى ذلك. وتعرضت نجلاء إلى تجربة مريرة أخرى تمثلت بوفاة والدتها بعد صراع طويل مع المرض، ولكنها وعلى رغم العروض التي تلقتها من بعض الأقارب، آثرت البقاء في منزلها منعاً للمشكلات التي تنجم عن الاحتكاك اليومي. وعلى مدى نحو أربع سنوات، أعادت نجلاء تنظيم البيت مرة أخرى، وخصصت غرفتين في الطابق العلوي لها شملتا أثاث غرفة نومها، إضافة إلى مكتب يحوي كومبيوتر وخزانة ملفات حتى تتمكن من تسيير شؤون عملها بعد العودة من دوامها. كما أضافت نجلاء جهاز تلفزيون في غرفة نومها، الأمر الذي لم يكن متاحاً لها خلال حياة والدتها التي فضلت الفصل بين غرف النوم وغرف المعيشة في الطابق السفلي للمنزل، إذ رأت الوالدة أنها الأنسب للجلوس ومشاهدة التلفاز.